بقلم : صفوت مجدي


نظر الصبى الزنجي الصغير، إلى المدرس الأبيض وسأله:"هل كان المسيح أبيض اللون ؟"”
فقال المدرس: أعتقد ذلك...ولكن لماذا تسأل هذا السؤال أيها الصبي؟! أجاب الصبى:"إذاً فهو لم يأت لنا نحن السود"!!...أليس كذلك ؟!، تنهد المدرس قليلاً ثم قال:"أظن يا عزيزي أن شمس فلسطين قد لوحته، إذ أنه جاء إلي العالم كله، للأسود والأبيض، ولجميع الأجناس لأنه يحب الجميع...".

.....!.“الله للجميع...الله يحب الجميع”*

تلك هى الرسالة التي لم يستطع "يونان" أن يستوعبها أو حتى يفكر فيها !!

عاش "يونان" وسط أمة وشعب ظن أن اختيار الله لهم ليكونوا شعبه أنهم أفضل من غيرهم وأن قلب الله قد ضاق أن يسع الجميع، لكن الحقيقة أن العالم كله انحرف إلى عبادة الأوثان والكل قد فسد...فقرر الله أن يقيم هذا الشعب ليشهد وليعلن مجد الله الإله الحقيقي وحده، لكنهم افتكروا أنهم الأفضل...وبدل من أن ينشروا النور كما هو غرض الله منهم حبسوا النور!! واحتفظوا به لأنفسهم وأرادوا أن يحتكروا لأنفسهم معرفة الله والنور الإلهي، ولا يوصلوه للآخرين.
عاش وتعلم وتربى" يونان" على هذا النهج.....بغضة وكراهية عامة وواضحة لكل الأمم ...

لكن الله تكلم إلى "يونان" وكلفه بمهمة وإرسالية لشعب مدينة "نينوى"...رسالة حب وخلاص ودعوة للتوبة لهذا الشعب إلا أن يونان لم يدرك تلك الإرسالية التي تعتبر الأولى من نوعها فى العهد القديم..رفض وتحول إلى بركان من الثورة! تمرد وهرب فكيف يدعو تلك المدينة الوثنية للتوبة إنه يكرهها...هل ينسى ما فعلته تلك المدينة بشعبه من فظائع !!

(يقال ان ملوك هذه المدينة عُرفوا بالعنف الشديد إذ كانوا يتسلون على جذع أنوف الأسرى وسحل عيونهم وقطع أيديهم وآذانهم، ثم عرضهم للشعب للسخرية)

هل عليه أن ينسى أن "أشور" عدو شعب الرب...؟

هل يذهب فيتوبوا فيرحمهم الرب فيقومون من جديد على شعبه؟،

هل يكون هو سبب فى رحمة هذا الشعب وهو من قلبه يتمنى أن تزول من الوجود مدينة "نينوي"..؟!

كان يفكر فى حيرة كيف...فهولاء ارتكبوا فظائع وتاريخهم مع شعب الله تاريخ سيئ!!

هل يكون خائن لشعبه وقوميته..هل يصير خائن للوطن؟؟

اغتم يونان فقلبه واقع فى مرارة عدم الغفران والتعصب لوطنه ..

لم يجد مخرج سوى الهروب من وجه الله!

الحقيقة التي نستخلصها من معاناة "يونان" هي أن التمركز حول الذات والانحصار فى النفس
والتعصب هو سبب كافي لتنمو المرارة والغم والكآبة داخل النفس الإنسانية.....أليس كذلك؟؟

فيونان لأنه كان مشغولاً بكرامته الشخصية والقومية أكثر من مصير عشرات الألآف من الناس...

عانى من تقلبات شديدة فى مزاجه بين الفرح العظيم والغم الشديد...

وعندما ظهرت رحمة الله لأهل نينوي اغتم...!!

ولما أعد الله له اليقطينة فرح فرحاً عظيماً ولما ضربت الدودة اليقطينة ويبست وضربت الشمس على رأسه وذبل، طلب مرة أخرى الموت لنفسه وقال :"موتي خير من حياتي"!.

عزيزي القارئ...ما أقسي شعور التعصب والانغلاق على الذات والانحصار فيها....

يونان وصل به الأمر (وهو نبي الله)...أن يطلب الموت لنفسه!
هل لديك مرارة فى قلبك تجاه أحد ...؟

هل شعروك بالكراهية جعلك تطلب الموت والهلاك لمن يختلف معك؟؟

هل تعاني من الغم والكآبة وتقول لا أعرف السبب؟؟

إلى أى مدى احتلت "المرارة" مساحة من حياتك؟!

فتش داخل قلبك...وفى ضوء محضر الله اعترف بمشاعرك مهما تكن فأنت فى حاجة للفضفضة معه
وبقلب خاشع اذهب وتأمل ذلك المصلوب الذي غفر لصالبيه وقدم نفسه لأجل الكل بما فيهم الأعداء
اخرج خارج ذاتك بأن تفكر فى الحب الإلهي..."الله للجميع"...ووقتها ستختبر الفرح الحقيقي.

اخرج من دائرة الأنا...دائرة العين الواحدة..اطلب أن تصير مثل سيدك الذي كان يجول يصنع خيراً
فالعالم اليوم يحترق...والوطن على صفيح ساخن، والكل فى حاجة للمخلص..للمسيح.

والرب اليوم يسأل :" مَنْ أُرْسِلُ؟ وَمَنْ يَذْهَبُ مِنْ أَجْلِنَا؟" (اشعياء6: 8)...

تُرى ماذا سيكون ردك وهل ستستمر محبوس فى دائرة ذاتك؟؟

هذا سؤال الرب لك ولي ولكل إنسان لمستهُ وغيرتهُ نعمة المسيح...والإجابة متروكة لك.