صورة بألف مقال عابر، صورة نادرة للوفاء فى زمن الجحود والإنكار، صورة تلاميذ كفر معهد أبوعلى الأزهرى/ دسوق/ كفر الشيخ، بالمريلة والشنطة، يصطفون على جانبى الطريق ليمر النعش، ودموعهم على خدودهم، ويلوحون بأكفهم الصغيرة ودعاء، مع السلامة أبلة وفاء، وبكت طفلة صغيرة وهى تجرى وراء النعش، تلحق بآخر حضور لأبلة وفاء.
ما تيسر من سيرة أبلة وفاء السيد عطية، المُعلِّمة بمعهد أبوعلى الأزهرى بدسوق، أنها كانت أمًا وأختًا وصديقة، نذرت حياتها لأطفالها، كانت تُطبطب وتُدلِّع وتُعلم وتُربى وتُوفر الدفء لصغارها، ما عاد تلميذ إلى بيته حزينًا، ولكنه يعود ليحكى عن أبلة وفاء، كانت أمًا لكل الأولاد.
أولياء الأمور خرجوا من قعور بيوتهم مشدوهين من مشهد نادر، كل التلاميذ من كل الفصول خرجوا صوب المقابر وراء النعش، أفسحوا لهم نهر الطريق، واصطفوا على الجانبين، مُوحِّدين مُتشهِّدين، وعادوا ليبثوا الصورة نادرة المثال لأطفالهم خلف الجثمان مُشيِّعين.
لم تلْقَ هذه الصور العناية الإلكترونية اللائقة، منشورة فى ركن منزوٍ، على خجل كما يقولون، أراها أجمل الصور، وأرق اللقطات، وأعظم أمثلة الوفاء من قلوب صغيرة لم تتلوث بالحقد والضغينة، من أرواح بريئة التقطت حب المحبة من كف سيدة ملأتها بالحب موصولًا بقلبها الطيب، بإنسانيتها، قدمت كل الحب فنالت الحب كله.
أن يحبك طفل غاية المنى، سعادة لا توصف، فطرة الأطفال نقية، يحبون مَن يحبهم صادقًا، يستشعرون الحب، ولا يخيل عليهم تمثيلًا، وينفرون من الكره، ولا تنطلى عليهم قبلة على الخد أو على اليد من نفس كريهة، ويُعبِّرون بلا حسابات عن الحب ارتماء فى الحضن، أو النفور ابتعادًا وخشية وربما إلى حد البكاء.
ماذا قدمت المرحومة وفاء، شهادات ممزوجة بالحزن الشفيف من أولياء الأمور، طيبة، كريمة، نفَسها هادى، تحب الأطفال، تلاعبهم، تذاكر معهم، كانت أمًا لليتامى، وصديقة للبنات، ومُربية للأولاد، رؤومًا، قلبها كبير، ومعلمة خبيرة بالنفوس الصغيرة، نالت حبًا حية وميتة، رحلت فى وداع راقٍ يليق بأم رائعة، عندما يبكيها الصغار، ويودعها الكبار، وتتشح الأمهات بالسواد، وتحزن قرية بكاملها على معلمة فثق أنها كانت ملاكًا يمشى على قدمين.
لو كنت مسؤولًا فى المشيخة الأزهرية/ قطاع المعاهد الأزهرية، لفكرت مليًا فى إطلاق اسم المعلمة وفاء على المعهد الذى أعطته عمرها، مثل هذه النماذج الراقية ما ينقصنا فى زمن الكراهية، ومثل هذه الصور ما ينقصنا فى زمن الاستقواء المتبادل بين الطلبة والمدرسين، صور محزنة تطالعنا بها الأخبار عن العنف فى المدارس والمعاهد والجامعات، يقينًا مثل هذه الصورة التى رسمها تلاميذ كفر معهد أبوعلى لم ترَ عينى، التى بكت على البُعد فى وداع أبلة وفاء.. الله يرحمها.
نقلا عن المصرى اليوم