فاطمة ناعوت
حوارٌ جميل أجرته معى بالإنجليزية طفلةٌ بالكاد تحلُّ ضفائرها لتبرحَ باحة الطفولة وتدخل ساحة الصِّبا، أنقله لكم بسبب فرادة زاوية التقاطها للُغز الكتابة الأدبية.
المُحاوِرةُ الصغيرة مصرية، مولودة فى أستراليا، اسمها: «آنجلينا فادى سلامة»، من مدرسة «سانت لوقا» الأسترالية، وهناك يصنعون عقولًا تفكر وتحلل وتنقد حتى تبنى المعلومةَ على البحث والاستقراء المجتمعى، وليس عقولًا تحفظ وتردد. العقلية النقدية الحُرّة، وليس النقلية الجامدة، وقد بدأ التعليمُ المصرى الآن فى صياغة العقلية الناقدة فى عهد د. طارق شوقى. فى فصل «آنجلينا»، سألت المعلّمةُ التلاميذ عن أحلامهم، وماذا يريدون أن يصبحوا حين يكبرون، ثم طلبت منهم إجراء حوار مع رمز من رموز الحقل الذى اختاروه. الصغيرة «آنجلينا» وزميلتها «إيشانى» تحلمان أن تُصبحا أديبتين. ووقع اختيارهما علىَّ، فأجريتا معى حوارًا لطيفًا أنقله لكم حتى تشاركونى فرحتى بأبنائنا بالخارج.
1- كم يستغرقك من الوقت تأليف كتاب؟
** يختلفُ الأمر من كتاب لآخر. ثمة كتبٌ استغرقتنى سنوات لإنجازها، وثمة كتبٌ مربوطة بموعد تسليم يتحدد مع الناشر، تستوجبُ ساعات محددة للعمل يوميًّا. الشِّعر، على سبيل المثال، حالةٌ مزاجية حُرّة، لا يحدّها زمان. حين تطرقُ القصيدةُ الباب تُزيح كل ما عداها وتأخذ مكانها فى ديوان محتمل. قد تزورنى القصيدة فى أسبوع أو شهر أو عام، فالشعرُ زائرٌ مفاجئ، يأتى دون دعوة. لهذا فقد أطبع ديوانًا كل عام أو كل ثلاثة أعوام. الكتب الفكرية تأخذ فى العادة مدة محددة حتى تتبلور الأفكارُ المتصارعة فى عقلى فى تلك الفترة. استغرقتنى إحدى ترجماتى للبريطانية «فرجينيا وولف» سبع سنوات حتى اكتملت. بينما استغرقت ترجمتى للأمريكى «فيليب روث» 15 شهرًا فقط. أما كتابى الأخير «الكتابة بالطباشير الملون» فأخذ ثلاثة عشر عامًا ليرى النور. الكتبُ مثل الأطفال، دائمًا تختار وقت ولادتها.
2- ما الذى يُلهمك للكتابة؟
أى شىء فى الكون بوسعه أن يكون مُلهمًا. مرّةً عقدتُ صداقة مع نملة فارسية، ظهرت فى بلكونتى فجأة، ووضعت أمامها حبّة سكر. وللعجب ظلّت تزورنى كل يوم فى نفس الموعد، وظللتُ أقدم لها السكر، وأطلقتُ عليها اسم «أنَس». بعد أسبوع توقفتْ عن المجىء. حزنتُ وكتبتُ فيها قصيدة. يمكن أن تُلهمنى ورقة شجر صفراء منسية فى الطريق، أو قطّة نحيلة جائعة، أو امرأة عجوز تحمل أغراضها، أو رجلٌ كفيف، أو شجرة مُصدَّعة، وهلمّ جرا.<
3- ما الذى جعلك ترغبين أن تصبحى أديبة ومؤلفة؟
لم أفكر يومًا أن أغدو مؤلفة. حلمتُ أن أصبح مُعلّمة. ثم دخلتُ كلية الهندسة، وغدوتُ معمارية. كنتُ أُدوّن أفكارى فى طفولتى وأكتب أحلامى على هيئة رسائل إلى الله أو قصائد. ولكن للقسمة دائمًا قراراتها. وفى الأخير أنا سعيدة بكونى مهندسة، وشديدة السعادة لأننى شاعرة.<
4- ما خطوات عملية تأليف كتاب؟
فكرةٌ مُهوّمةٌ شاردة، تتحول إلى سؤال يجول فى الرأس، يتعدل وينتظم على هيئة تصّور ورؤية. ثم ساعات طوال من التأمل لتنقية الأفكار وبلورتها. ثم أيام وشهور فى الكتابة والتحرير. وفى النهاية: كتاب.<
5- ما أصعبُ المواقف التى واجهتكِ خلال تلك العمليات؟
اللغةُ دائمًا عاجزةٌ عن صياغة مشاعرنا وأفكارنا على النحو الأكمل. جميع اللغات ليس بوسعها أن تستوعب إدراكاتنا اللانهائية. على سبيل المثال، بوسعكِ أن ترسمى بالكلمات وردةً، ولكن كيف ترسمين شذاها وعطرها؟ بوسعك أن تكتبى عن وجه طفل باكٍ، ولكن مستحيل أن تكتبى الوجع. الكتابةُ ليست مهمّة سهلة.<
ملحوظة:
بعدما أرسلت الحوار للبنات، شعرتُ بقسوة إجابتى للسؤال الأخير، لئلا تصيبهن بشىء من اليأس. إن كانت اللغة قاصرةً وعاجزة عن التعبير، ألَا يفتّ ذلك فى عزيمتهن إن كنّ يردن أن يصبحن كاتبات؟ المحنةُ الدائمة: «الصدق أم الحكمة؟». ودائمًا «الدينُ لله، والوطنُ لمَن يحبُّ الوطن».
نقلا عن المصرى اليوم