الأقباط متحدون | حان وقت دفع فاتورة الحساب!
ستظهر الصفحة بشكل مختلف لآنك تستخدم نسخة قديمة من متصفح أنترنت أكسبلورر، استخدم نسخة حديثة من انترنت اكسبلورر او أى متصفح أخر مثل فايرفوكس لمشاهدة الصفحة بشكل أفضل.
أخر تحديث ١٩:٤٢ | الاربعاء ٨ فبراير ٢٠١٢ | ٣٠ طوبة ١٧٢٨ ش | العدد ٢٦٦٤ السنة السابعة
الأرشيف
شريط الأخبار

حان وقت دفع فاتورة الحساب!

الاربعاء ٨ فبراير ٢٠١٢ - ٠٠: ١٢ ص +02:00 EET
حجم الخط : - +
 

بقلم: منير بشاي
قانون الطبيعة يقول إن ما يزرعه الإنسان إياه يحصد. فالإنسان لابد أن يحصد نفس نوع ما يزرعه، وأضعاف كمية ما يزرعه. وعلى ذلك، فقبل أن يزرع الإنسان عليه أن يفكر ماذا سيفعل عندما يحين وقت الحصاد.

وقانون الاقتصاد يقول: لا تنفق أكثر مما تملك. فمثلاً الإنسان الذي لا يمتلك شيئًا وليس له مصدر ثابت للدخل إذا وصله ذات يوم كارت من البنك يعطيه الحق في صرف مبلغ عشرة آلاف دولار (على الحساب)، يجب أن لا يظن أن أزمته المالية قد انفرجت. فلا يجب أن يأكل كل يوم في أفخر المطاعم ويدفع بالكارت، أو يذهب ويشتري سيارة فخمة ويدفع العربون بالكارت، ويذهب إلى أغلى محلات بيع الملابس ويشتري عدة حلل وأقمصة وأحذية ويدفع بنفس الطريقة. فسرعان ما ينفذ المبلغ المتاح فيتوقف عن الصرف. ولكن المشكلة الكبرى تحدث بعد ذلك وعندما يحين وقت دفع فاتورة الحساب، عندها يكتشف الشخص أنه لا يستطيع سداد الفاتورة للبنك. وقد تتعقد الأمور وتصل إلى الحجز على البيت والسيارة، وقد يضطر إلى إعلان إفلاسه فتصبح نقطة سوداء تدمر سجله المالي، أو قد تجعله يلجأ إلى اقتراض مبالغ جديدة ليدفع الفواتير القديمة بنسبة فوائد باهظة ثم يكتشف أنه غير قادر على دفع الجديد أو القديم. الخلاصة، أنه سيدخل في دوامة من العواقب الوخيمة لتصرفاته التي لا يعرف مداها إلا الله.

للأسف، يبدو أن حكام "مصر" هم ذلك الإنسان غير المسئول الذي استمر يتصرف بطريقة رعناء على مدى عشرات السنوات، والآن تواجه "مصر" بضرورة دفع فاتورة الحساب، وإلا...

على مدى أربعة عقود شهدنا تراكم المشاكل في "مصر" بينما كان النظام ينظر إلى الناحية الأخرى في سياسة تغافل المشاكل أو تأجيلها للمستقبل عسى أن يكون الزمن كفيلاً بحلها. وعندما كانت تتأزم الأمور كان النظام يلجأ إلى العلاج التجميلي الذي يعالج السطح فقط بينما المرض ينخر في جسد الوطن. والآن حان وقت دفع فاتورة الحساب.

على مدى أربعة عقود، عاشت "مصر" حياة التسيب الأمني ومارس المسئولون سياسة الانتقاء لمن يظنون أنه يستحق الحماية، وهم عادة مسئولو الدولة والسياح الأجانب، أما الأقباط فكانوا يمرون من مذبحة إلى أخرى دون اهتمام، بداية بالزاوية الحمرا، ثم أبو قرقاص، والكشح، ونجع حمادي، وكنيسة القديسين، وماسبيرو، وغيرها.. فلا حماية ولا جدية في القبض أو محاكمة المعتدين، بل أن مذبحة "نجع حمادي" ليلة عيد الميلاد والتي قتل فيها (6) أقباط ومسلم كان متواجدًا، والتي أُعدم فيها "الكموني"، هناك من يشكك في أن "الكموني" قد أُعدم بالفعل، وحتى إذا كان قد أُعدم فيعزو الكثيرون إعدامه لوجود مسلم بين الضحايا. في كل هذه الاعتداءات لم يتلق الأقباط من العدالة سوى الوعود، بل أحيانًا كانوا يتلقون ما يهين ذكائهم، مثل الكلام عن المدرعة المسروقة والعيارات الفشنك في "ماسبيرو". وغالبا يلعبون لنا نفس الخدعة القديمة الجديدة عندما يقبضون على أفراد من الجناة والمجنى عليهم وبعد تحقيق هزلي يفرجون عن الجميع فيفرح الكل وينسوا المشكلة، أو هكذا يظنون!.. ولكن كل شىء مسجَّل في ذاكرة الزمن، والآن نرى هذا التسيب يمتد ليطال كل المواطنين كما حدث في معركة الجمل ومعارك الميدان وأخيرًا في استاد "بورسعيد". ولا أظن أن الشعب سيسكت هذه المرة بعد قتل وضرب وسحل وفقء عيون المتظاهرين وتعرية أجساد وفحص عذرية المتظاهرات. لقد جاء وقت الحصاد، وبعد تأجيل التعامل مع المشكلة، حان الآن وقت دفع فاتورة الحساب.

على مدى أربعة عقود، ترك النظام التعصب الديني القادم عبر الصحراء الشرقية يستحوذ على مشاعر الناس ويحكم تصرفاتهم تجاه أخوتهم في الوطن. والآن أصبح سكان "مصر" لا يسمون "مصريون" بل "مسلمون" و"مسيحيون"، بل وأحيانًا يزدرون بالمسيحيين فيسمونهم نصارى كفار مشركون أو عباد الصليب. هذا بعد أن كان الجميع مواطنين مصريين، يحمل معظمهم نفس البصمات الوراثية، ولا تستطيع أن تفرق بينهم في الشكل أو الملبس أو المأكل أو العادات أوالتقاليد، الفارق أنه عند الصلاة في يوم الجمعة يذهب المسلم إلى الجامع وفى يوم الأحد يذهب المسيحي إلى الكنيسة. ولكن كل هذا قد مضى وحل مكانه الكراهية الدينية التي تراكمت وأصبح الوطن يضيق بعنصريه وحان الآن وقت دفع فاتورة الحساب.

على مدى أربعة قرون، ظلت "مصر" تعيش في عشوائية التخطيط. وقبلها كانت عشوائية التفكير، وبعدها عشوائية التنفيذ. هناك بلاد بأكاملها قامت كعشوائيات، حيث قد تجد بعض البيوت مبنية في منتصف الطريق العام!!. "مصر" بلد يزداد في العدد وينكمش في الموارد.. لا تخطيط لمستقبل الأجيال الجديدة من ملايين المصريين، ولا تنمية تتمشى مع احتياجاتهم المستقبلية، وبدل التخطيط هناك حالة من الفوضى. أين سيسكن هؤلاء؟ ماذا سيأكلون؟ أين سيذهبون للتعليم؟ أين سيمكنهم العمل؟ مستقبل داكن ينتظر هذه الأجيال. وربما من هنا جاءت ظاهرة أبناء الشوارع والبلطجية. ومن لا يخطط للمستقبل وكأنه لا يوجد غد سيأتي اليوم الذي يطالب فيه بدفع فاتورة الحساب.

على مدى أربعة عقود، عاشت "مصر" تحت حكم أناس برعوا في التدليس. ما لا يستطيعوا إثباته بالدليل والبرهان يفبركونه بالتلفيق والتزوير. ما أسهل توقيع اتفاقيات دولية للالتزام بحقوق الإنسان، ولكن بدون تنفيذ. حقوق المواطنة يضمنها البند الأول من الدستور للجميع ويلغيها البند الثاني للبعض. الانتخابات تتم بطريقة ديمقراطية، على الطريقة المصرية، حيث يمارس المواطن حقه في التصويت وتمارس الدولة حقها في التزوير. كل ما هو طيب يتم بطريقة عشوائية وكل ما هو ردىء يحدث عن قصد وسبق إصرار. وبعد تراكم هذا الكم من التدليس لم يعد هناك مجال للمزيد، وحان الآن وقت دفع فاتورة الحساب.

لا أكون مبالغًا إذا قلت أن "مصر" تعيش اليوم أحلك أيام تاريخها الحديث. فبالإضافة إلى المشاكل التي تعودنا عليها منذ فترة، هناك ظاهرة العنف الدموي بحيث أصبحت عملية إزهاق الأرواح وذبح الإنسان (الحلال!) أمرًا سهلاً يتم لأتفه الأسباب أو بدون أسباب إلا ربما مجرد محاولة القضاء على الملل!.

وبعد أن وصلنا إلى هذا المدى لابد أن نقف لندرك أن فاتورة الحساب قد آن موعد سدادها، وأنها أصبحت أكبر من مقدرتنا على الدفع.




كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها



تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
تقييم الموضوع :