الكاتب
جديد الموقع
مسئولية المجلس العسكرى عن جريمة بور سعيد
بقلم: حنا حنا المحامي
كارثة بورسعيد من أبشع الكوارث التى بليت بها مصر منذ أن قام العسكر باقتناص السلطه والسطو على الحكم. لم يعد فى مصر اسلوب للتفاهم أو الحوار أو الجدل الراقى (لا سمح الله) المثمر البناء. فهذه جميعا قد اندثرت منذ أن بليت مصر بحكم العسكر منذ ستين عاما. إلا أنه إحقاقا للحقيقه فإن البلاء الذى بليت به مصر خلال الثمانى والخمسين عاما الماضيه تتضاءل أمام البلاء الذى بليت به مصر خلال العام الماضى.
لقد أباح المجلس العسكرى الجريمه منذ أن استولى على السلطه. ولكن والحق يقال لم تكن الاباحه لتمتد إلى كل الجرائم بل الاباحه قاصره على التعدى على الاقباط فقط. ولا داعى لذكر تفاصيل حوادث إمبابه أو قنا أو المدرس الذى قطعت أذنه أو العوامريه أو جبل المقطم أو ماسبيرو وخطف البنات القبطيات والقائمه معروفه وإن طالت. هذا الخطأ الفادح كان له تأثير خطير على المجتمع المصرى كله. فالمتطرفون وجدوا أن الجريمه ضد الاقباط مباحه وليس على اى مجرم إلا أن يعرف ديانة المعتدى عليه حتى يأمن الحكم أو القضاء أو العقوبه. فثمة عقيدة ترسخت فى أذهان الكافه أن التعدى على الاقباط أمر مباح لانهم كفره.
وهنا على أن استطرد قليلا عن الموضوع الاصلى لاوجه اللوم على كل جاهل ينشر هذه الفريه. فهو إما أنه لا يفهم شيئا عن المسيحيه إما أنه ينتزع تلك الفريه انتزاعا حتى ينفث سموم أحقاده ويلطخها بسواد الحقد. ومن المعروف أن الحوار الثقافى فى الامور الدينيه تخالف القانون ذلك أن القانون قد شرع لحماية مناقشة الاسلام ولكنه أباح التعدى على المسيحيه. أما الحوار الثقافى فهو أمر محرم إلا فى التعدى على المسيحيه. هذه للأسف الشديد حقيقه لا بد من ذكرها. وإنى أعود وأكرر مرات ومرات أنه لم يسئ إلى الاسلام إلا المسلمون. وعلى أى حال إنها مسئوليتهم أولا وأخيرا. وقد قال المثل العامى "كل واحد معلق من عرقوبه". وإننا إذا تعرضنا للاديان ففى الجعبه الكثير. لذلك أليس من الاكرم أن يحترم كل طرف عقيدة الآخر فالدين علافه بين الانسان وربه "فقط".
ولم يقتصر موقف المجلس العسكرى على تشجيع الجريمه, بل ارتكب عدة جرائم وكان أولها فى ماسبيرو حين هوجم المعتصمون لم يكن إلا بالمدرعات التى كانت تسحق المعتصمين بلا رحمه أو أخلاق أو إنسانيه. وكان بعض سائقى المدرعات يهتفون قائلين "يا كفره". وطبعا تلك الجريمه الشنعاء والنكراء جعلت العالم يضج ويصرخ. ماذا كان موقف المجلس الموقر؟ كان موقفه الكذب. نعم الكذب أنكر وتنكر للجريمه وحين ووجه بالمدرعات الجربيه قال إنها سرقت. نعم "سرقت" وبكل بساطه. كانت النتيجه أن العالم ضحك فى سخريه. حتى الكذب لا بد أن يحترم فيه عقلية الكافه.
على العموم ما يهمنا الآن هو الاثر الاجتماعى.
أعود وأقول إن المجلس العسكرى أباح الجريمه. والامر لا يهم إن كانت هذه الجرائم ضد المسيحيين أو لا. ولكن إباحة الجريمه ولو على الماعز شئ خطير جدا على المجتمع وعلى القيم الانسانيه والمفاهيم الاخلاقيه. ومن ثم بدأت الاخلاق تتداعى بل وتنهار. كما أن الجريمه بدأت فى الانتشار. ورغم هذا لم يتحرك المجلس العسكرى بل تشبث أكثر بالكرسى والجاه والسلطان تطبيقا لمقولة "أنا والطوفان من بعدى".
إن الانسان –أى إنسان- يحتوى على جينات الخير والشر. وجينات الخير تنمو فى الانسان بالثقافه والتربيه والنشأه والتمسك بالمبادئ الدينيه التى تحض على المحبه والسلام. أما جينات الشر فهى تنمو باباحة المبادئ التى تتعارض مع الاخلاق مثل الكذب واختلاس حقوق الغير, والانانيه ... إلى آخر هذه العوامل التى لا محل لسردها الآن فهى معروفه.
خلاصة القول إن المجملس أباح الجريمه.
لم يكتف المجلس العسكرى بهذه المخالفات الخطيره التى ينبذها أى حاكم يحب وطنه ويرعى سلامته وقوته بل ووحدته. بل راح يقوم هو بدور القاتل. دبر جريمه ماسبيرو بواسطة المدرعات وقد كان الجنود الذين كانوا ينفذون الجريمه يقولون أثناء دهس المعتصمبين "يا كفره". علما بأن هؤلاء الضحايا شركاء فى الوطن. والاخطر من هذا ... نعم ... الاخطر من هذا أن المجلس العسكرى راح "يكذب". وينكر حتى علمه بالجريمه. وحين ووجه بالمدرعات كانت الكذبه أقبح من ذنب فقد ادعى أن المدرعه قد سرقت. كذب وبهتان مروع.
بدأ المجلس العسكرى يفقد أعصابه. بدأ يتعامل مع الشعب بصوره إرهابيه وبالعنف وفرد العضلات والارهاب والبطش. فقد نسى المجلس العسكرى أن الشعب قد نفض عن كاهله غبار الخوف والجبن وأصبح يتمسك بالحريه وبالعداله مهما كان الثمن. فكانت النتيجه مزيدا من العنف ومزيدا من الكذب من قبل المجلس. ومن ثم شاع السلوك الاجرامى فى كل شبر فى مصر.
وهنا لنا وقفة أخرى فى موضوع الكذب. إن أى مجتمع يسوده الكذب –كما هو الحال فى مصر الآن- قصير الاجل ولا بد أن ينهار. إن الدوله التى تمارس الكذب على أى نطاق نفقد احترام المجتمع الدولى برمته ولا يمكن أن تكون محل ثقه. حين كنت صغيرا كنا نأخذ المثال التالى: "إن كان الكذب منج فالصدق أنجى". ولكن وجدنا الكذب منذ عام 1952 قاسما مشتركا فى جميع النشاطات السياسيه. ولا أخال بحال من الاحوال أن استرسل فى وصف مناقب الكذب ولكن فى أبسط صوره أنه يشجع الكبير والصغير على ارتكاب كل الكبائر وما عليه إلا أن يكذب. والمؤسف حقا أن الكذب قد استشرى فى الفن أيضا. فقد شاهدت فى أحد الافلام الممثله تقول "... فكذبت عليه وقلت له كذا....." بهذه البساطه!! هل يعلم حضرات الساده والسيدات أن الكذب من أكبر الكبائر؟ فهو لو نجح يشجع على الفساد والافساد, وإذا فشل فهو يؤدى إلى الاحتقار والازدراء.
.... وهكذا نجد أن المجلس العسكرى حمى الجريمه وارتكب الجرائم القانونيه كما ارتكب الجرائم الاخلاقيه.
كان لذلك آثارا خطيره. فقد انتشر التذمر فى الشعب. والتذمر أثمر سخطا عاما شاملا. فقد شعر كل إنسان بعدم الامان ذلك أن كل إنسان أصبح غير آمن على غده ومستقبله. وهذا السخط له عدة آثار حسب درحة الثقافه لدى الانسان وكذلك حسب جينات الجريمه الوراثيه التى اكتسبها الانسان. يقول علم الاجرام إن أخطر عامل للجريمه هو عامل الوراثه, وهذه العوامل تبدأ فى الطهور حين تجد ما يؤججها. وبسبب ارتكاب الجرائم على النحو السابق, بدأ الشعب المسالم فى التذمر والسخط, على ذلك من تسرى فيه جينات الجريمه بدأت تلك الجينات تصحو وبدأت جينات الجريمه تتفاعل مع الانسان والاحداث فوجدت المناخ ملائما لارتكاب الجرائم. ذلك أن االشعب والعامه وجدوا أن الجريمه مباحه وأن القياده ترتكب الجرائم القانونيه والاخلاقيه فبدأت تنمو فى الاغلبيه التى لها استعداد للجريمه . ومن ثم انتشرت الجريمه.
خلاصة القول أن السخط خلق جوا ملائما لارتكاب الجرائم, كما أن من له استعداد للجريمه وجد الجو ملائما لارتكابها, فمن ثم انتشرت الجريمه على النحو السائد. ذلك أنه من المعلوم أن جينات الجريمه أو عوامل السخط الاجتماعى كلاهما يكبح جماحهما بالقوانين والعقوبه والردع. ولكن فى المناخ السائد على النحو السابق لم تجد الجريمه مناخا إفضل من ذلك المناخ لتنتشر.
قالوا قديما "الناس على دين ملوكهم". فإذا كان المجلس الحالكم يمارس جريمتى القتل والكذب فالنتيجه الطبيعيه أن يمارس الشعب نفس هذه الجرائم. ولكن نفسية الشعب فى هذه الحاله تختلف عن نفسية الحاكم. فالحاكم يرتكب الجرائم استتادا على أنه صاحب السلطه والسلطان. أما الشعب فقد كان فى البدايه ينظر إلى الحاكم نظرة إكبار. ولذلك ينتظر منه أن يحقق أهدافه وأمانيه. وقد كانت أهداف الشعب واضحة جليه إذ أنه نبذ الفساد والافساد وفى هذه الحاله لو كان المجلس العسكرى قد تجاوب مع أهداف الشعب النبيله لحقق نجاحا لمصر يسجله التاريخ. ولكنه تجاهل كلية أهداف شباب الثوره وراح يوجه مصر وجهة دينيه متطرفه تنبذ شريك الوطن وتعمل على تفتيت وحدته فراح يوجه كل التيارات توجهات دينيه ولكن دينيه متطرفه تبنى على الانعدام الاخلاقى وعدم احترام إرادة الشعب أو إرادة الغير أو ديانة الغير أو عقائده. وفى غمرة الانغماس فى هذا التوجه والاتجاه كان النظام الفاسد السابق يمارس كل أنشطته الغير مشروعه فى ظل حمايه كامله من المجلس الحاكم.
فأصبح المناخ ملائما جدا للحريمه ذلك أنه لا ردع, ولا عقوبه.
لم يقتصر الامر على ذلك بل كان المجلس العسكرى يبرر الجرائم ا لتى ترتكب بأن "اللهو الخفى" تدخل لارتكاب تلك الجرائم. وقد تناسى المجلس العسكرى أن قصة اللهو الخفى هو أيضا المسئول عنها ذلك أنه بكل بساطه هو مسئول عن أمن الشعب وسلامته.
ولا يشترط أن يكون المجلس الحاكم على درايه بما يدبره أعضاء النظام السابق بكل فساد وشر وتخريب, بل غض الطرف على بعض الجرائم التى ترتكب فى حق الشباب والشعب تكفى لنشر الاحساس بالفساد ومن ثم تنتشر الجريمه كما هو الحال الآن.
الطامة الكبرى أنه فى إحدى قرى الصعيد ارتكب أجد المواطنين جريمة قتل على رجلين. الجانى معروف فى القريه. الجانى يروح ويجئ فى خيلاء فى القريه فى أمان كامل. نعم لابد للجريمه أن تنتشر. الطامة الكبرى أن المسيحيين فى قرية العامريه يهجروا بدعوى الخوف على حياتهم. عذر أقبح من ذنب. إن الدوله تقرر بعجزها عن فرض الامن واستتبابه. فلماذا لا تنتشر الجريمه؟
فى ظل هذا المناخ الفاسد الذى ينشر الجريمه كان طبيعيا أن ينطلق كل من على استعداد لارتكاب الجريمه. على ذلك سادت الجريمه وانتشرت.
فى ظل هذا المناخ الاجرامى قامت مباراة الاهلى والمصرى على ستاد بورسعيد. يتعين هنا أن ندرك أن شعب بورسعيد عن بكرة أبيه شعب محب وكريم جدا وقد عشت فى بورسعيد أغلب أيام صباى وجزءا من أيام شبابى. وهو شعب مضياف وإن كان مصاب بجنون الكره. ولكن لا يمكن أن يصل الامر إلى الجريمه. لقد تابعت جل ما قيل عن تلك المذبحه. وقد قال أحد أبناء بورسعيد بعد أن قدم بعض الحجاره السوداء التى استخدمت فى القذف على رؤوس الابرياء "إن هذه الحجاره لا يوجد منها إطلاقا فى بورسعيد. كما أنه لا يعقل أن يعتدى الضيوف القادمون من مصر على أبناء البلد التى تستضيفهم. ماذا يمكن أن تكون النتيجه ومن يمكن أن يكون المعتدى؟ إنه اللهو الخفى الذى عجز مجلسنا الموقر عن اكتشافه أو تتبعه وهى خيبه بليت بها مصر سواء بمجلسه الموقر أو فى داخليته التى تدين بالولاء للعادلى وسيده.
ولك الله يا مصر.
كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها
تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :