بقلم: فادي ميخائيل
تعرضت مصر على مر العصور إلى العديد من الإحتلالات شبه المتتالية في التاريخ الحديث و المعاصر فمن الفرنسي إلى العثماني و منه إلى الإنجليزي و
الإسرائيلي بالإضافة إلى الإحتلال الداخلي فمن ملوك إلى عسكر طغاه و من شرف ثورة 19 إلى مذلة إنقلاب يوليو 52 حيث لم تقوم المحاكم الثورية حينها بمحاكمة رموز بل حاكموا ثورة 19 نفسها ! و أتوقع الآن أن نُساق إلى أسوأ أنواع الإحتلالات ألا و هو الإحتلال الفكري و الثقافي و النفسي أيضاً .
ها قد بدأ هذا من الحكم على الفنان عادل إمام بالحبس ثلاثة أشهر و تغريمه بسبب فيلمه "الإرهابي" , و منع الفنانة نيللي كريم من تصوير مسلسلها الجديد في جامعة عين شمس بسبب ملابسها القصيرة , و طلب حزب النور زيادة الرقابة على الأعمال الفنية و تهجير الأقباط من منطقة العامرية لأنهم كفره , غيره و غيره و ما خفي كان أعظم.......و أتوقع أن يزداد هذا و بشدة و سيسمح به الإخوان ليظهروا سماحتهم و طيبة فؤادهم عن السلفيين (المنافسين)
تعالوا معي لنبتعد قليلاً عن هذا لنتأمل في بعض لقطات التاريخ المصري و إليكم بعضها :
- عرفت مصر التوثيق التاريخي على يد عبد الرحمن الرافعي (1889-1966) و قبلها و أثنائها و بعدها و إلى الآن يقوم علماء و مؤرخو الغرب بتوثيق تاريخنا. و للأمانة أيضاً كانت كتبه غير حيادية فكان عنده إنحياز واضح للحزب الوطني الذي كان ينتمي إليه و عداء شديد تجاه حزب الوفد الحاكم حينها , مما جعله عاطفي غير واقعي !
- أول طابعة دخلت مصر كانت عن طريق الحملة الفرنسية و عندما رحلوا أخذوها معهم.
- الإحتلال الإنجليزي هو من أمدنا بالكباري المعدنية و كل السكك الحديدية في جميع نواحي البلاد و لولاه ما كانت , الأغرب أنني تحدثت مع أستاذي في الجامعة ذات مرة و هو رئيس قسم هندسة السكك الحديدية بجامعة الاسكندرية و أبلغني بأننا – في مصر – نقوم بأعمال الصيانة فقط للسكك و ليس الإنشاء !
- في ظل الحملة الفرنسية ظهرت المقاومة عن طريق بعض المرتزقة المصريين و المقابل لم يكن أموالاً بل حُكم مصر لخمسة قرون !
- جميع أنواع الجبن و الطهو المتنوع و طريقة الأكل بالشوكة و السكينة و الملعقة , و كل أساليب الإتيكيت كانت عن طريق الإحتلال العثماني .
- تتسابق أمريكا و الصين الأن فيما بينهم على السيطرة على الفضاء و القمر و نحن مازلنا نتكلم هل السينما حرام أم حلال ؟
- في الكارثة اليابانية الأخيرة قام الجيش الياباني بعمل جسر من الضباط و الجنود ليمر فوقهم الناس و نحن هنا تدهسنا مدرعات جيشنا .
- في أي ثورة ناجحة حدثت في العالم أول شىء يليها هو دستور جديد , و هذا بديهي .
- الديمقراطية هي الأخذ برأي الأغلبية و لكن عدم إهمال رأي الأقلية فما بالك بالتحريض على قتلهم ؟
- المحتل هو من يسلب حقوقك و يتنعم بخيراتك و يهينك و دمك يكون رخيص في عينيه ألم أذكركم بمجلسٍ ما ؟
ما أريد أن أوضحه هو إعتمادنا على غيرنا في التفكير لنا أو إعتمادنا على نخبة صغيرة و نحن معها كالقطيع بلا عقل بلا حكمة بلا معرفة إلى أين نذهب , بالإضافة إلى بعدنا كل البعد عن التقدم و المنافسة العالمية و إفتقادنا للمعايير الإنسانية.
لا تغضبوا من كلامي فإن لم نعترف بعيوبنا لن نحلها أبدا.
و لابد أيضاً أن نحكم على الأمور كما هي و ليس كما نريد أن نراها نحن .
نحن في كارثة و لدينا مشاكل عديدة و أن لا أرى إلا شيئاً واحداً و هو الإنحدار و التراجع و التراخي و الإستسلام بالإضافة إلى الفتنة الطائفية و العرقية بين مسيحيين و مسلميين , مصريين و "بدو" و لهذا أتسائل بنبرة متشائمة شجنة ....
هل نحتاج إلى إحتلال جديد ينهضنا كما في الأمثلة السابقة؟ أم أننا نكفي ؟
سؤال صادم و لكنه حقيقي لما نحن فيه من تخبط و فوضى غير خلاقة و تدني في المستوى الثقافي و العلمي و حالة الشتات و عدم توحد الهدف و إختفاء المساحات المشتركة بين التيارات المتناحرة حاولو أن تفكروا في الأمر جيداً.
ها أسأل مجدداً ....... هل نكفي ؟
هذا ما سأجيب عنه في الجزء الثاني من المقالة , الله معنا .