عبد المنعم سعيد
هناك أسباب كثيرة لكى تكون المحليات، والمحافظات، من أهم مداخل التنمية في مصر؛ وللأسف فإن هذه جميعا تمثل عبئا على الموازنة العامة، وللأسف أيضا أن التشريعات الراهنة لا تعطى للمحافظين والقائمين على الأحياء والمدن والقرى من السلطات ما يسمح لهم بالتحول من الخصم إلى الإضافة، ومن أن يكونوا جزءا من حل مشاكل النمو بدلا من أن يكونوا جزءا من هذه المشاكل. حل هذه الإشكالية يرتبط إلى حد كبير بمجموعة من القوانين يقع في مقدمتها قانون الإدارة المدنية الذي من المتصور أن يضع كل أمور إدارة الدولة في نصابها، من الوزارة إلى الوحدات المحلية. ولما كان ذلك ليس معلوما حتى الآن، وحتى يأتى قدره، أو يأخذ ملفه دوره ضمن ملفات مصر العديدة والمعقدة، فإن المحافظ والمحافظة عليهم أدوار هامة يمكنها أن تختصر الزمن حينما تأتى اللحظة المناسبة، وهذه يمكن تلخيصها في «الوصايا العشر» التي سوف يلى ذكرها دون ترتيب في الأهمية. والأولى هي ميكنة المحافظة التي هي بناء إدارى يحتاج أن ينتقل بكامله إلى استخدام الآلات الحاسبة، فإذا كان ذلك قد جرى بالفعل، فإن المهمة تصبح إنشاء شبكة موحدة قادرة على تبادل المعلومات فيما بينها، وتوفيرها لمن يشاء المشاركة في تعمير وتنمية المحافظة. والثانية مرتبطة بالأولى فهناك مجموعة من الخدمات والتصاريح والتسهيلات التي تقدمها المحافظة للجمهور العام، وهذه أيضا تتطلب قدرا عاليا من الميكنة واستخدام الحواسب التي في إمكانها توفير الخدمة للجمهور بالسرعة اللازمة تحقيق ذلك يتم بالتعاون مع وزارة الاتصالات التي أعتقد أن جزءا من مهامها ميكنة المحافظات المصرية جميعها، واعتبار ذلك جزءا من أولويات الحكومة التي توفر التمويل اللازم لها. والثالثة هي الحصر الكامل للأراضى والمبانى غير المستخدمة داخل كردون المحافظة، وكافة أنواع رأس المال الميت والذى يتوافر في أراضى القطاع العام الذي ما زال منتظرا طريقه إلى التصفية.
.. والرابعة هي رسم صورة إحصائية للمحافظة توضح المناطق الأثرية فيها أو السياحية في العموم التي يمكن استخدامها في جلب السياحة الداخلية أو الخارجية. وهذه ترتبط بوصية خامسة وهى أن كافة محافظات مصر تعرف موالد كثيرة لأولياء الله الصالحين، وهذه كانت تستخدم دائما لجلب السياحة الداخلية وتوفير منافع الاتصال بين التجار.
الوصية السادسة تبدأ بالتعرف على الإمكانيات التعليمية والمهارية الموجودة في المحافظة، ويدخل في ذلك المعاهد، وورش التدريب، لأن هذه سوف تكون عون المحافظ في إجراء البحوث الاقتصادية والاجتماعية، وربما الصحية أيضا إذا ما توافرت كلية للطب في المحافظة. كل هذه المؤسسات عليها أن تعطى اهتماما كبيرا للجوار القريب منها، والتعرف على معدلات الفقر، وتوافر الطبقة الوسطى، أي أن تكون هناك خريطة متكاملة للتنمية البشرية في المحافظة. العون الكبير هنا سوف يأتى من الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء الذي لن يوفر المعلومات فقط عن المحافظة، وإنما عن المحافظات الأخرى أيضا بحيث يمكن التعرف على إجابات للأسئلة لماذا كانت محافظات القناة الثلاث ودمياط والدقهلية أغنى المحافظات المصرية وأكثرها تعليما وأقلها فقرا وأكثرها صحة، قياسا بالعمر المتوقع عند الميلاد. السابعة متصلة بذلك كله حيث يكون مطلوبا التعرف الدقيق على القطاع الخاص في المحافظة، ومن يتوسع فيه ومن ينكمش، ومن الذي تراهن عليه المحافظة في خلق فرص عمل جديدة لو أتيح له مزيد من الأرض أو مزيد من المال أو تدريب العمالة الماهرة. وفى هذا فإن التعرف على القطاع الاقتصادى غير الرسمى يمنح مساحات ومسافات للتوسع في البنية الإنتاجية للمحافظة. مثل ذلك يحتاج صلات وثيقة مع فروع البنوك الموجودة في المحافظة، وكذلك مكاتب البريد، ولمن لا يعرف فإن البنوك المصرية لديها أربعة تريليونات من الجنيهات، أما مكاتب البريد فلديها عشرات من المليارات. معرفة نصيب المحافظة يوصف إلى حد كبير حالتها الاقتصادية، بل درجة النشاط الاقتصادى بها والمجالات التي يعمل فيها المواطنون، والقطاعات الاقتصادية الصاعدة أو تلك الموشكة على الانقراض.
الوصية الثامنة هي الحصر الدقيق، والمتابعة من خلال الوسائط المشار لها سابقا، للعاملين من المحافظة في الخارج وقدر تحويلاتهم إلى مصر. وخلال السنوات الأخيرة تراوح حجم تحويلات المصريين في الخارج ما بين ٢٥ مليار دولار- نعم دولار- و٢٩ مليار، وهناك نصيب لكل محافظة من هذا القدر، وكثير منه ينفق على بناء الجوامع ولكنه يمكن أن ينفق أيضا على بناء المدارس والمستشفيات، وفى شراء أسهم شركات تشجع عليها المحافظة إذا كانت توسع من قدراتها الصناعية أو الزراعية أو التجارية بشكل عام. وبالمناسبة فإن هناك شركات عربية متعددة تركز الآن على فتح «مولات» وبناء مدارس ومستشفيات خاصة في عواصم المحافظات المختلفة بعد أن أصبحت القاهرة والإسكندرية مشبعة بها. والتاسعة أن لكل محافظة من محافظات مصر نصيبا من «رؤية ٢٠٣٠» وعلى المحافظ أولا أن يبحث عن نصيب محافظته منها، وثانيا إذا كان جاريا تنفيذها فإن عليه المتابعة وبصورة يومية، وثالثا التأكد من أن هذه المشاريع تساهم في النهضة الزراعية والصناعية والتجارية بالمحافظة. ورابعا أن يستفيد من الروابط التجارية والصناعية والمهنية في المحافظة لكى ترفع من خلال نقاباتها وروابطها مطالب واحتياجات المحافظة. وبالطبع فإنه على المحافظ في هذه الشؤون كلها أن يعمل على تحقيق الترابط، والمنافسة، بين الوحدات الإدارية التابعة له، وهى مهمة صعبة ولكنها ضرورية. الوصية العاشرة والأخيرة ليست في الأهمية، وإنما هي هكذا حتى تبقى في الذاكرة وهى تحقيق المعجزة الكبرى الخاصة بالنظافة، لأن هذه على الأرجح سوف تكون وسيلة الجمهور، وليس الدولة، لتقييم أداء المحافظ وبقائه أو استمراره في منصبه.
الوصايا العشر ليست كل الوصايا الممكنة الذكر بالطبع نظرا لاعتبارات المساحة، ولأنه من المرجح أن ورشة العمل التي جرى عقدها للسادة المحافظين قبل توليهم مناصبهم عرضت عليهم كل هذه التوصيات، والمؤكد أن كثيرا منها أعقبته أسئلة حول التمويل اللازم، وما ينبغى عمله للتعامل مع تضارب التشريعات والأجهزة. ولكن أيا كان ما جرى عرضه ونقاشه فإن ما تم عرضه هنا هو فقط لإبقاء أساسيات الموضوع في الذاكرة التي تستدعى مكتبا للمحافظ لديه طريقة لحفظ واستدعاء كل المعلومات عن المحافظة المعنية، فيكون عونا للمحافظ وليس عبئا عليه.
نقلا عن المصرى اليوم