أمينة خيري
مازلت في خانة السرعات المتفاوتة في الدولة. جهات تتحرك بسرعة الصاروخ وتتمسك بفكر تنويرى رشيد، وأخرى لم تكتف بمنهج السلحفاة، بل عاندت وقررت أن تسير في الاتجاه المعاكس. الاتجاهات المعاكسة للمسارات الطبيعية لتطور الأمم أثبتت أن البقاء ليس لها. صحيح أنها حين تتمسك بتلابيب الرجعية تكتسب شعبية بين فئات بعينها، وقد يهيأ لها أن شعبيتها تلك ضامن لبقائها، إلا أن التنوير والتطور ونفض غبار التشدد والتطرف والانتصار للإنسانية ضمانات اللحاق بركب التطور البشرى.
التطور البشرى الذي تحاول جهات عدة في منطقتنا العربية عرقلته أو وأده أو خنقه سيمضى قدماً في طريقه رغم أنوف الكارهين والممانعين. واستخدام الفكر والعقيدة لتحقيق أهداف سياسية أو للتمسك بهيمنة أو سيطرة إلى زوال. لكن كلما تأخر هذا الزوال، تكبدت المنطقة المزيد من الأرواح والممتلكات والفرص.
انعقاد منتدى شباب العالم بنسخته الثالثة فرصة ذهبية لقراءة الأفكار، ورؤية السرعات المتفاوتة تفاوتاً شديداً بين جهات هنا وهناك في الدولة، ناهيك عن رؤية أمارات وعلامات التمسك بتلابيب أفكار أكلت عليها الإنسانية وشربت قبل عقود، ومازلنا نحن هنا في العقد الثالث من الألفية الثالثة نتمسك بها. المسألة لا تحتاج سوى قليل من التمعن في رسائل الرئيس السيسى، لا سيما تلك المتعلقة باستخدام الفكر والعقيدة لتحقيق الأهداف، وفى حديثه عن الإرهاب في مصر أو خارجها. هو أشار بشكل واضح وصريح إلى حقبة الخمسينيات في القرن الماضى والتى شهدت بداية الإرهاب الحقيقى. صحيح لم يعبر هذا الإرهاب في حينها عن وجهه القبيح كاملاً، لكننا اليوم وعلى مدار العقد الماضى نشاهد وجهه الحقيقى واضحاً دون رتوش المساعدات الخيرية، أو المستوصفات العلاجية، أو المدارس والمعاهد العاملة تحت مظلته وغيرها من أشكال المسام التي تسلل عبرها إلى التفاصيل الدقيقة في حياتنا اليومية.
حياتنا اليومية في مصر مليئة بالأعباء والمسؤوليات التي غالباً ما تقف حائلاً أمام تدقيق الغالبية فيما آلت إليه أوضاعنا الفكرية. والفكر لا ينفصل عن العقيدة، وعقيدة بلا فكر هي تحويل البشر إلى قوالب ثابتة جامدة بغرض السيطرة عليها وسهولة توجيهها بقوة التنويم الدينى المغناطيسى. ولأن العقيدة لا ترضى بالظلم أو التفرقة أو الفوقية أو الدونية أو الجمود أو التحجر أو السير عكس قيم الإنسانية أو القتل أو التشدد أو التطرف أو تحريم ما حلل الله أو احتكار الدين أو احتقار الآخرين أو تحديد مآل البشر في الحياة الآخرة أو استخدام سلاح الترويع لاستعباد المؤمنين وضمان بقائهم في سجون يهيمن عليها بشر مثلهم، فإن التأمل في السرعات المتفاوتة، والتفكر في المسارات المتاحة أمام مصر حيث إما المضى قدماً والخروج من نفق الفكر المظلم، أو الإمعان في الغوص نحو القاع، أمور أصبحت ضرورية وحتمية. تجديد الخطاب الفكرى في مصر لم يعد اختيارًا.
نقلا عن المصرى اليوم