القس/ نصرالله زكريا
Rev_Nasralla@yahoo.com
 
لقد كان مجمع القاهرة الإنجيلي حين اتخذ قراره التاريخي برسامة المرأة قساً، مدركاً للاختلاف بين المفاهيم اللاهوتية التي يؤسس عليها كل طرف بين مؤيد أو معارض لرسامة المرأة وجهة نظرة، كما كان مدركاً ومتفهماً للنظام الكنسي الذي تتبعه الكنيسة الإنجيلية المشيخية –بصفة عامة- في مصر.
 
فما هي تلك المفاهيم اللاهوتية التي استند عليها مجمع القاهرة الإنجيلي حين اتخذ قراره بحق المرأة في الرسامة قساً في الكنيسة الإنجيلية؟ وما هو النظام الذي تتبعه الكنيسة الإنجيلية في مصر الذي يعطي الحق لمجمع القاهرة أو غيره أن يتخذ قراراً خطيراً ومؤثراً مثل هذا القرار؟  
 
أولاً: المفاهيم اللاهوتية لرسامة المرأة قساً
تتعدد المفاهيم اللاهوتية التي تؤمن بها الكنيسة الإنجيلية والتي تعتمد على فهم ودراسة نصوص الكتاب المقدس في سياقها الكتابي والتاريخي والحضاري، للوصول بما كان يريد الكاتب الملهم بالروح القدس أن يقوله ويعلمه لمستمعيه وقارئيه وقت كتابة النص المقدس، ومن ثم تطبيق تلك الدروس على الواقع والظروف المعاصرة بما لا يخل بروح النص الكتابي، وهذا اعتماداً على ما يقوله الكتاب المقدس بفم الرسول بولس حين يقول: "وَنَحْنُ لَمْ نَأْخُذْ رُوحَ الْعَالَمِ بَلِ الرُّوحَ الَّذِي مِنَ اللهِ لِنَعْرِفَ الأَشْيَاءَ الْمَوْهُوبَةَ لَنَا مِنَ اللهِ. الَّتِي نَتَكَلَّمُ بِهَا أَيْضاً لاَ بِأَقْوَالٍ تُعَلِّمُهَا حِكْمَةٌ إِنْسَانِيَّةٌ بَلْ بِمَا يُعَلِّمُهُ الرُّوحُ الْقُدُسُ قَارِنِينَ الرُّوحِيَّاتِ بِالرُّوحِيَّاتِ" (1كورنثوس 2: 12، 13).
 
وما سنعرض له هنا هو ما يتعلق برسامة المرأة قساً، وسندرس مفهوماً أو إثنين –كنموذج- لتلك المفاهيم اللاهوتية التي اعتمد عليها مجمع القاهرة الإنجيلي في إقرار حق المرأة في الرسامة قساً، 
 
1) مفهوم المساواة بين الرجل والمرأة. 
إن الكتاب المقدس عبر أسفاره جميعاً يؤكد على المفهوم اللاهوتي الذي يساوي بين الرجل والمرأة، سواء في الخلق، أو الصورة التي خلقا عليها، أو في شمولية الفداء لكليهما، لأدوار ووظائف تناوبا عليها كليهما.
 
ويذكر سفر التكوين أن الله حينما أراد أن يخلق الإنسان قال: "نَعْمَلُ الإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِنَا كَشَبَهِنَا" (تكوين 1: 26)، ثم يقول: "فَخَلَقَ اللهُ الإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِهِ. عَلَى صُورَةِ اللهِ خَلَقَهُ. ذَكَراً وَأُنْثَى خَلَقَهُمْ" (تكوين 1: 27). وعن الكيفية التي خلق بها الله الإنسان، يقول: "وَجَبَلَ الرَّبُّ الإِلَهُ آدَمَ تُرَاباً مِنَ الأَرْضِ وَنَفَخَ فِي أَنْفِهِ نَسَمَةَ حَيَاةٍ. فَصَارَ آدَمُ نَفْساً حَيَّةً. وَغَرَسَ الرَّبُّ الإِلَهُ جَنَّةً فِي عَدْنٍ شَرْقاً وَوَضَعَ هُنَاكَ آدَمَ الَّذِي جَبَلَهُ" (تكوين 2: 7-8).

وهنا يجب أن نؤكد على بعض الحقائق:
1) يميز سفر التكوين في اللغة العبرية، بين الكلمة "إنسان، آدم"، كمصطلح يشير إلى الجنس البشري والإنساني في مقابل خلائق الله الأخرى، وبين الكلمة "آدم"، كالشخص الأول أو رأس الجنس البشري.
 
وعندما نعود لدراسة الكلمة العبرية المستخدمة في خلق الله للإنسان، والتي جاءت في النصوص السابقة، نجدها "אֶת־הָאָדָם"، وتُنطق "آدم"، وهي هنا تأتي مسبوقة بأداة التعريف "אֶת־הָ"، وهو ما يعني أن كلمة "آدم" المستخدمة هنا لا تشير إلى "آدم"، كإسم علم، أو شخص، فمن المعروف أن اللغة العبرية لا تستخدم أداة التعريف أبداً مع أسماء الأشخاص.
وعبر دراستنا لقصة الخلق حسبما جاءت في سفر التكوين يُستخدم مصطلح "آدم" أو "الإنسان"، بمعني شمولي للجنس البشري وهو تعبير يشير إلى الجنسين معاً، الرجل والمرأة، بما في ذلك من تأكيد على مساواة الكتاب التامة بينهما، هذا بينما يأتي استخدام الكلمة العبرية "آدم" كاسم شخص علم، دال على الرجل الأول "آدم" في سفر التكوين الإصحاح الرابع، حين يقول: "وَعَرَفَ آدَمُ امْرَأَتَهُ" (تكوين 4: 25). 
 
2) يستخدم الكتاب المقدس عبارة: "فَخَلَقَ اللهُ الإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِهِ. عَلَى صُورَةِ اللهِ خَلَقَهُ. ذَكَراً وَأُنْثَى خَلَقَهُمْ" (تكوين27:1) لتؤكد أن صورة الله لا تُمثل فقط في الرجل أو المرأة منفردين، بل صورة الله تعني الرجل والمرأة معاً.
 
3) عندما يستخدم الكتاب المقدس عبارة: "وَقَالَ الرَّبُّ الإِلَهُ: "لَيْسَ جَيِّداً أَنْ يَكُونَ آدَمُ وَحْدَهُ فَأَصْنَعَ لَهُ مُعِيناً نَظِيرَهُ" (تكوين 2: 18)، فهو يستخدم كلمة "آدم" في معناها الأوسع الدال على الإنسانية "إنسان"، وليس الدال على اسم شخص، كما أنه باستخدام كلمة "معين"، فلا يفهم منها أن المرأة جُلبت لتعين الرجل فهي أقل منه، فبدراسة الكلمة العبرية "עֵזֶר" والتي تُترجم "معين"، نجد من ضمن استخداماتها في العهد القديم ما يدل على المساعدة العسكرية (2ملوك 14: 26، 27، إرميا 47: 4)، وأيضاً ما يشير لمساعدة الله لشعبه (تكوين25:49، خروج 4:18، مزمور 1:121-2)، كما يستخدم جذر الكلمة مضافاً إلى الأسماء الإلهية "إيل أو يهوه": مثل عزاريا، التي تعني "الرب أعان أو ساعد"، عزار، أي "الرب يساعد"، وقد استخدمت الكلمة أيضاً للإشارة لمعونة الرب نفسه، يقول المرنم: "هُوَذَا اللهُ مُعِينٌ لِي" (مزمور 54: 4)، وفي كل هذه الاستخدامات الكتابية لا يوجد ما يشير إلى أن الشخص المعين أقل من الذي يعينه أو يساعده.
 
هذه الروح التي تؤكد على المساواة بين الرجل والمرأة نجدها تتردد عبر صفحات الكتاب المقدس، سواء في العهد القديم أو العهد الجديد، وهو ما أكدَّ عليه الرسول بولس وحتى لا يُفهم خطأ حين قال: "لأَنَّ الرَّجُلَ لَيْسَ مِنَ الْمَرْأَةِ بَلِ الْمَرْأَةُ مِنَ الرَّجُلِ. وَلأَنَّ الرَّجُلَ لَمْ يُخْلَقْ مِنْ أَجْلِ الْمَرْأَةِ بَلِ الْمَرْأَةُ مِنْ أَجْلِ الرَّجُلِ" (1كورنثوس 11: 8، 9). فقد أكدَّ قائلاً بالروح القدس: "أَنَّ الرَّجُلَ لَيْسَ مِنْ دُونِ الْمَرْأَةِ وَلاَ الْمَرْأَةُ مِنْ دُونِ الرَّجُلِ فِي الرَّبِّ. لأَنَّهُ كَمَا أَنَّ الْمَرْأَةَ هِيَ مِنَ الرَّجُلِ هَكَذَا الرَّجُلُ أَيْضاً هُوَ بِالْمَرْأَةِ. وَلَكِنَّ جَمِيعَ الأَشْيَاءِ هِيَ مِنَ اللهِ" (1كورنثوس 11، 12).
 
وفي ضوء تلك النصوص وغيرها لا يمكننا أن نرى في تعاقب خلق المرأة بعد الرجل أي إقلال أو نقص من مكانتها أو مساواتها بالرجل، ولا لخلق تسلسل هرمي أو رئاسي بقدر ما نرى فيه إظهار الحاجة للشركة الإنسانية بين الرجل والمرأة اللذين يشكلان كلاهما معاً صورة الله.
 
وبناء على هذا المفهوم نجد أن المرأة تبوأت العديد من المناصب القيادية خلال تاريخ شعب الله سواء في العهد القديم أو العهد الجديد باختلاف الحضارات أو الظروف التي قد تكون في صالحنا اليوم وليس ضدنا، ففي القديم وجدت المرأة مكانها وسط الأنبياء نبية كمريم أخت موسى (خروج 15: 20، 21)، أو دبورة (قضاة 4، 5)، أو خلدة (2ملوك 22: 14- 20)، أو في القضاء كدبورة (قضاة 4، 5)، أو في القيادة كقائدات للشعب (عزرا 2: 5، 6، نحميا 7: 67)، أو في الملك كعثليا الملكة (2ملوك 11: 1-16)، أما إذا انتقلنا إلى العهد الجديد، فنجد النساء تساهمن في نفقات الخدمة (لوقا 8: 1-3)، أو الخدمة كقائدات وخادمات (رومية 16: 25)، أو الشموسية والخدمة الكنسية كفيبي خادمة كنيسة كنخاريا (رومية 1: 16)، أو النبوة كبنات فيلبس (أعمال 21: 9)، أو الوعظ (1كورنثوس 11: 5)، أو التعليم كبريسكلا (أعمال 18: 26).      
 
هذا هو المفهوم الكتابي واللاهوتي عن المساواة بين الرجل والمرأة، وتطبيقاته المختلفة عبر صفحات الكتاب المقدس، أما كيف فهم التاريخ الكنسي ذلك المفهوم، وكيف طبَّقه على أرض الواقع، فيمكننا بسهولة أن نجد التناقض الواضح بين آباء الكنيسة أنفسهم في فهمهم لتلك النصوص، ففي حين يؤكد إكليمندس الإسكندري على قيمة المرأة وتساويها في القيمة الروحية مع الرجل، ولا تختلف عنه بل يجب أن يكون لها نفس الفرص الروحية، حتى في الخدمة والاستشهاد، وهذا ما سبقه فيه يوستينوس الشهيد وأكدَّه حين قال: "لقد خلق الله النساء قادرات أن يَصِلن إلى كل بر وكل فضيلة"، نجد بعض الآباء يستخدمون بعض النصوص الكتابية للتدليل على خضوع النساء وتبعيتهن للرجال والاكتفاء بدورهن معينات، مع حصر فكرة المعونة في دور المرأة فقط في ولادة الأطفال، هكذا كتب أغسطينوس في تعليقه على (تكوين 2: 18)، حين قال: "أعتقد أنه لا يوجد سبب يبرر وضع المرأة معينة للرجل إذا استبعدنا سبب إنجاب الأطفال"، وهكذا كانت دعوة ترتليانوس إلى الإقلال من شأن ومركز المرأة عن الرجل، وقد وصلت حيرة الآباء في اتخاذ موقف واحد من المرأة إلى ذروته مع يوحنا ذهبي الفم، الذي كان لع رأيان متضاربان في ذلك، فحين يشدد على المساواة الكاملة في الكرامة والمتأصلة بين آدم وحواء، اعتبر أن دور المرأة كمعين قارن بين معونتها للرجل ومعونة الحيوانات الأخرى للرجل، حين اعتبر أن دور حواء يسمو بكثير من دور الحيوانات التي عملها الله أيضاً لمساعدة آدم، كما اعتقد ذهبي الفم أن المرأة ليس لها صورة الله كما كان للرجل، وربط بين مركزها كمعينة للرجل بهذا النقص.
 
وعندما كان الآباء يستخدمون نصوص العهد الجديد المؤيدة أو المعارضة لمكانة المرأة كانوا يركزون أيضاً على الأجزاء التي تُحِد من حرية المرأة وليس التي تؤكد تحريرها، وهكذا بالدراسة المتأنية نجد أن هناك فارقاً بين المفهوم اللاهوتي الكتابي العام الذي يؤيد ويؤكد المساواة التامة بين الرجل والمرأة، وبين المفهوم اللاهوتي التاريخي الذي يبدو فيه التضارب والتناقض، بل وأحياناً الإقلال من المبدأ الكتابي الذي يساوي بين الرجل والمرأة، وقد يكون الظروف الاجتماعية أو المجتمعية أو الحضارية سبباً من أسباب ذلك التناقض والتضارب. 
 
2) مفهوم كهنوت جميع المؤمنين. 
من أهم المفاهيم والمبادئ اللاهوتية التي نادى بها الإصلاح الإنجيلي للكنيسة وارتكز عليها، مفهوم وعقيدة كهنوت جميع المؤمنين، وهو ما تؤمن به الكنيسة الإنجيلية وتفعَّلُه بشكلٍِ عملي سواء على المستوى الروحي أو الخدمي أو الإداري، والأسئلة التي تطرح نفسها –وبشدة- في هذا النقاش تدور حول ما معنى كهنوت جميع المؤمنين؟ وهل انتهى الكهنوت الذي نقرأ عنه عبر صفحات الكتاب المقدس؟ ما هي تلك الأسس الكتابية التي يستند عليها القائلون بكهنوت جميع المؤمنين؟ كيف يؤثر ذلك المفهوم على الممارسة العملية في نظام العبادة في الكنيسة الإنجيلية؟
يمكننا أن ندرك فكرة الخدمة الكهنوتية من الديانات القديمة والكتاب المقدس تحديداً، فمن الدراسة التاريخية والكتابية نتعرف على مفهوم الكاهن، وعمله الكهنوتي، حيث نرى بدء الكهنوت أو ما يمكن تسميته بالكهنوت البطريركي، وكان هذا الكهنوت تاريخياً سابقاً لموسى، ولم يكن فيه رتباً كهنوتية، وكان رب الأسرة هو كاهنها، وهو الذي يقدم بنفسه وعن نفسه وأهل بيته الذبائح الواجب تقديمها لله، وهكذا فعل نوح وإبراهيم ويعقوب وأيوب (راجع ما جاء في سفر التكوين 8: 20-21، 12: 7-8، 31: 54، 33: 20، أيوب 1: 5).
 
فالكاهن هو إنسان يتوسط ويتشفع بين الإنسان والله، ويٌقدم الذبائح والقرابين والصلوات لله، نيابة عن الإنسان وليصالح بين الله والناس، ومع مجئ موسى والناموس والشريعة، وُجِد الكهنوت الطقسي الذي انحصر في هرون ونسله حيث ووضعت لهذا الكهنوت الطقوس والممارسات المحددة لتقديم الذبائح عن البشر والتي كانت تشير وترمز إلى الذبيح الأعظم الآتي يسوع المسيح، لأن الذبائح الحيوانية أو تلك التي يقدمها البشر ما كانت تصلح لأن تغفر خطايا الإنسان، لكنها كانت فقط إشارة ورمزاً لذبيحة المسيح التي سيقدمها في ملء الزمان على صليب الجلجثة؛ يكتب كاتب الرسالة إلى العبرانيين "وَكُلُّ كَاهِنٍ يَقُومُ كُلَّ يَوْمٍ يَخْدِمُ وَيُقَدِّمُ مِرَاراً كَثِيرَةً تِلْكَ الذَّبَائِحَ عَيْنَهَا، الَّتِي لاَ تَسْتَطِيعُ الْبَتَّةَ أَنْ تَنْزِعَ الْخَطِيَّةَ" (عبرانيين 10: 11)، وهكذا مع مجئ المسيح وتقديمه ذبيحة نفسه ومن خلال كهنوت أعظم وأسمى من كهنوت هارون وذبيحة أسمى من ذبائح ذلك الكهنوت، أوجد فداء أبدياً لجميع من يؤمنون به، وحق لهم أن يدخلوا إلى الأقداس مباشرة دون الحاجة إلى وسيط أو كاهن إنسان لأنه في المسيح لم يعد الحاجة إلى وسيط بين الله والإنسان، لأن الكتاب يقول: "لأَنَّهُ يُوجَدُ إلَهٌ وَاحِدٌ وَوَسِيطٌ وَاحِدٌ بَيْنَ اللهِ وَالنَّاسِ الإِنْسَانُ يَسُوعُ الْمَسِيحُ" (1تيموثاوس 2: 5).
 
ومن هنا يمكننا أيضاً أن نفهم أن مفهوم وعقيدة كهنوت جميع المؤمنين بحسب الفكر الإنجيلي تتلخص في أن جميع الذين قبلوا المسيح رباً ومخلصاً لحياتهم، تمتعوا بغفران خطاياهم بحق دم المسيح، الذبيح الأعظم، الذي بدم ذبيحة نفسه وجد لهم فداء أبدياً، وهكذا أصبح الطريق مفتوحاً للدخول إلى الأقداس بدم يسوع (عبرانيين 9: 12- 14، 10: 20- 23)، وذلك دون وساطة بشرية من أحد، وهذا ما صرح عنه الكتاب المقدس صراحة قائلاً أن: "يَسُوعَ الْمَسِيحِ الشَّاهِدِ الأَمِينِ، الْبِكْرِ مِنَ الأَمْوَاتِ، وَرَئِيسِ مُلُوكِ الأَرْضِ. الَّذِي أَحَبَّنَا، وَقَدْ غَسَّلَنَا مِنْ خَطَايَانَا بِدَمِهِ، وَجَعَلَنَا مُلُوكاً وَكَهَنَةً لِلَّهِ أَبِيهِ، لَهُ الْمَجْدُ وَالسُّلْطَانُ إِلَى أَبَدِ الآبِدِينَ. آمِينَ" (رؤيا 1: 5-6، قارن أيضاً رؤيا 5: 10).
 
هذا ما ينصح به الرسول بطرس المؤمنين قائلاً: "كُونُوا أَنْتُمْ أَيْضاً مَبْنِيِّينَ كَحِجَارَةٍ حَيَّةٍ، بَيْتاً رُوحِيّاً، كَهَنُوتاً مُقَدَّساً، لِتَقْدِيمِ ذَبَائِحَ رُوحِيَّةٍ مَقْبُولَةٍ عِنْدَ اللهِ بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ .. وَأَمَّا أَنْتُمْ فَجِنْسٌ مُخْتَارٌ، وَكَهَنُوتٌ مُلُوكِيٌّ، أُمَّةٌ مُقَدَّسَةٌ، شَعْبُ اقْتِنَاءٍ، لِكَيْ تُخْبِرُوا بِفَضَائِلِ الَّذِي دَعَاكُمْ مِنَ الظُّلْمَةِ إِلَى نُورِهِ الْعَجِيبِ" (1بطرس 2: 5، 9). وعلى هذا الأساس يستطيع كل مؤمن أن يتقدم إلى الله مباشرة ويقدم لله الذبائح الروحية المقبولة عند الله بيسوع المسيح، مثل ذبيحة التسبيح، ذبيحة فعل الخير، ذبيحة التوزيع، يقول الكتاب: "فَلْنُقَدِّمْ بِهِ فِي كُلِّ حِينٍ لِلَّهِ ذَبِيحَةَ التَّسْبِيحِ، أَيْ ثَمَرَ شِفَاهٍ مُعْتَرِفَةٍ بِاسْمِهِ. وَلَكِنْ لاَ تَنْسُوا فِعْلَ الْخَيْرِ وَالتَّوْزِيعَ، لأَنَّهُ بِذَبَائِحَ مِثْلِ هَذِهِ يُسَرُّ اللهُ" (عبرانيين 13: 15- 16).
 
إن عقيدة كهنوت جميع المؤمنين تساوي بين جميع المؤمنين في الكنيسة في إعطاءهم الحق الكامل في الخدمة الكنسية سواء على المستوى الروحي أو الإداري أو في تقديم الذبائح -التي حددها العهد الجديد- لله، وذلك دون تمييز بين ذكر أو أنثى، ولا بين أبيض أو أسود، ولا بين عبد أو حر.  
 
رسامة المرأة قساً والممارسة الديمقراطية
الممارسة الديمقراطية تعتبر أحد أهم ما يميز الكنيسة الإنجيلية المشيخية، ويحق للكنيسة الإنجيلية أن تتغنى بممارستها للديمقراطية –ولها كل الحق- كرائدة تطبيق وتفعيل الديمقراطية في منطقة الشرق الأوسط، فهي المؤسسة التي طبَّقت -ولا تزال- مبدأ تداول السلطة، وحرية الانتخابات والتعبير عن الرأي وقبول الرأي الآخر، واتخاذ القرارات بأغلبية الأصوات، وإلى آخر ذلك من تبعيات الديمقراطية، وهذا ما نراه أيضاً في اتخاذ مجمع القاهرة قراره برسامة المرأة قساً، فالأسس اللاهوتية والمبادئ الكتابية يتفق حولها التعليم الإنجيلي، والكنيسة الإنجيلية.
 
ولأن الاختلاف طبيعة الإنسان حيث لا يمكن أن تجد الإجماع في الرأي إلا الأنظمة الشمولية والدكتاتورية، كما يحدث الاختلاف تبعاً لتغيرات الظروف الاجتماعية أو التاريخية المحددة، أو لاختلاف مستويات فهم النص الكتابي والسياقات المختلفة سواء التاريخية أو الحضارية لتلك النصوص، فإن الكنيسة الإنجيلية بديمقراطيتها وقبل أن تتخذ أي قرار تسمح بالنقاش النخبوي والمجتمعي في داخلها، حيث تمنح كل طرف حريته الكاملة في التعبير عن رأيه، وقد يستمر هذا الأمر لسنوات كاملة قبل أن يُطرح القرار للتصويت، في جلسة قانونية، وإذا حاز القرار المطروح الأغلبية التي تمنحه حق الإقرار، أصبح القرار ملزماً للجماعة التي اتخذته، سواء كان في إطار مجلس الكنيسة أو المجمع أو السنودس.
 إن الديمقراطية الحقيقية تسعى بصدق لإعطاء كل طرف فرصته في التعبير عن رأيه بكافة الطرق التي تحترم الإنسان والأعراف والمواثيق الدولية والمبادئ الكتابية المسيحية –في حالة الكنيسة- ولا تعمد إلى قهر الأقلية أو إخضاع الأقلية فقط لأنها أقلية، ولا أن تتجاهل المخالفين في الرأي من منطلق أن رأي الأغلبية يمثل الحقيقة المطلقة.    
 
في هذا الإطار وبعد دراسات جادة استمرت لسنوات جاء قرار مجمع القاهرة بحق المرأة في الرسامة قسا، وهنا نرى إن رقي هذا القرار الذي اتخذه مجمع القاهرة، ليس في أنه جاء تقدمياً عن السياق المجتمعي العام بل أنه جاء على أسس كتابية أو لاهوتية، وفي إطار ممارسة ديمقراطية أصيلة تؤكد على حق الاختلاف في الرأي، والاستماع للرأي الآخر، واحترامه، فجاء القرار غير ملزم لأي مجمع آخر من مجامع الكنيسة الإنجيلية ولكل مجمع الحق في تفعيل هذا القرار وقتما يرى أن هذا في صالح خدمته ونمو الكنيسة.