مع موجة خلع الفنانات للحجاب وتخليهن عنه، أصبح النقاش حول جدلية فرضيته من عدمه يثار مجددًا، وبالتوازي تظهر أحاديث الشيوخ الذين يكفرون من لاترتديه، كل هذه الموجة من الجدالات والصراعات يتابعها عن كثب الكاتب والمفكر شريف شوباشي، الذي سبق وأكد تكرارًا عن رأيه في قضية فرض الحجاب، بل وكانت له مبادرة حث من خلالها الفتيات التخلي عن غطاء الرأس، ودائمًا مايشير إلى الشيوخ المصريين والعرب بأصابع الاتهام في تغييب الوعي المصري بكافة مناحي الحياة، وحول هذا الإطار كان لـ"الدستور" حديث معه، وإلى نص الحوار:
- باعتبارك أحد أجرأ المثقفين المصريين، كيف تصف وضع الثقافة في مصر الآن؟
في رأيي المتواضع أن الوضع الثقافي بمصر يوصف بأنه متردي، لأنني أقارنه بالوضع الثقافي في القرن العشرين عندما كان بيننا طه حسين، توفيق الحكيم، أما اليوم فلا يمكننا ذكر أي كاتب واحد يرشّح للحصول على جائزة نوبل، لا يوجد، وهذا ناتج عن تغيير رؤية المصريين للحياة بسبب "شيوخ الضلالة"، و"آئمة الإفك"، الذين غسلوا عقول الناس في آخر أربعين عام، ووضعوا مفاهيم غريبة جدا منها إرضاع الكبير، إلى حديث الذبابة، وضرب الزوجات، وما شابه من المفاهيم التي شوّهت الثقافة الشعبية المصرية.
- ما السر وراء نقدك للحجاب؟
أنا لا أهاجم الحجاب، لكنني أهاجم فرض الحجاب بالقوة والقهر والإرهاب، وحرمان الفتيات من دونه، وهذا يحدث، لكن ينكره المنافقين الكاذبين، لأنه يحدث في 90% من البيوت المصرية، فمن أرادت أن ترتديه بإرادتها الحرة دون ضغط من "رجالة" العائلة، أو من المجتمع، وألا يكون لغرض ما كالزواج مثلا، فلترتديه.
-هل ترى أي تقدم فيما يعرف بتجديد الخطاب الديني؟
الحقيقة لا، إطلاقًا، أرى أن الشيوخ الذين يظهرون في التليفزيون لا يصلحون للقيام بهذا الدور، باستثناء وزير الأوقاف مختار جمعة، الذي تصدّى لمن يدعى عبدالله رشدي.
- على من يقع عاتق تجديد الخطاب الديني؟
الأزهر يعتقد أن تجديد الخطاب الديني قضيته هو-هذه هي المشكلة- فتجديد الخطاب الديني يجب أن يأتي من خارج الأزهر، فهو مسؤولية المثقفين، الكتاب، والفنانين، لأنهم سيقومون بتعديل الأخلاقيات والسلوكيات التي يبثها رجال الدين، الذين يوصون بمقاطعة المسيحيين، وعدم تهنئتهم بأعيادهم على سبيل المثال، فالتفرقة بين الناس على أساس، الدين، اللون، والجنس أصبحت هي السائدة في المجتمع، مثل الحجاب فهو تفرقة في حد ذاته، وأذكر أنني قد كتبت مقالا في جريدة الأهرام بخصوص النقاب، فوصلتني رسالة من شاب مهذب يسأل: إذا البنات خلعوا الحجاب إزاي هفرق بين المسلمة والمسيحية"، فكان ردي: أنا أطالبك بألّا تفرّق، فهذا غير مقبول في المجتمعات الراقية.
- لو كنت وزيرا للثقافة ما هو أول قرار ستتخذه؟
الاستقالة هي أول قرار اتخذه، فالعمل العام في مصر صعب جدا لأن العقليات الوظيفية اختلفت، فأنا لا أتمنى أن أكون مسؤولا.
- كثيرون يتهمونك بأنك تسعى للتغريب وسلخ المجتمع من هويته؟
أنا من أريد إعادة الهوية الحقيقية للمجتمع المصري، التي قام شيوخ الضلالة بتشويهها، ونشروا مفاهيم الكراهية، الحقد، التفرقة والقهر والجبر، سمعت أحد الشيوخ يقول أن الموسيقى ليست حرام ولابد من إجبار الطلبة على تعلّمها، فلا تخلو تعليماتهم من الإجبار، أنا أؤمن بالحرية بمفهوم رفاعة الطهطاوي، بمفهوم الشيخ محمد عبده وهو دارس بالأزهر، ففكرة الحرية كانت هي أساس الفكر الثقافي المصري، لكنها اليوم أصبحت "بعبع" يخيفون به الناس.
- كنت رئيسا سابقا لمهرجان القاهرة السينمائي، هل ترى أن مهرجان القاهرة تراجع لحساب مهرجان الجونة السينمائي؟
من المبكّر جدا أن نقول هذا فمهرجان الجونة حديث، وأعتقد أنه ليس كافيا للحكم على الأمور.
- ما تقييمك لوضع السينما المصرية اليوم؟
تمر السينما المصرية بأزمة شديدة جدًا، والأفلام الموجودة حاليا خالية من المعنى، والمضمون، قوة السينما المصرية في الحقيقة كانت في الممثلين، الممثلين هم الضلع الأقوى في السينما المصرية.
- كنا نرى في أفلام الستينات والسبعينات القبلات والبكيني ومشاهد الحب الجريئة، اليوم اختفت هذه المشاهد من الأفلام وحل محلها مشاهد العنف والبلطجة، كيف ترى هذه الظاهرة؟
المجتمع بأكمله مسؤول عن هذه النتيجة، للأسف الشديد الآن هناك شيء أسمه العفة الزائفة -زي إنك تقول (اوعى تخلي واحدة تبين صباع رجلها الصغير- ولكن هذا مجرد ادعاء للعفة، ونفاق لأن وراءه تخريب في المجتمع المصري وتخريب في الأخلاقيات، ونرى انتشار زنا المحارم والزواج العرفي وعمليات الإجهاض التي زادت بشكل رهيب، جميع -البلاوي الأخلاقية- ظهرت مع ادعاء العفة والفضيلة.
- من وجهة نظرك هل خلع الفنانات للحجاب في وقت واحد نوع من أنواع الصدفة؟
يقال إن الفنانات حصلن على أموال مقابل ارتداءهن للحجاب، أما أنا لا أعتقد هذا، لكن من الممكن أن هناك استفادة ما من القيام بهذا الفعل.
وأنا أول من تصديت لهوجة ارتداء الحجاب فور ظهورها وقلت للمرأة: اخلعي الحجاب إن كنتِ لابساه غصب عنك، وتعرضت للكثير من السباب والإهانة وأتمنى رؤية ردود أفعال من كان ينتقدني وهو يعاصر خلع الفنانات للحجاب مثل سهير رمزي أو صابرين أو عبير صبري.
وأتذكر إني قابلت عبير صبري في لبنان، وقلت لها "إنتي هتخلعي الحجاب" قالت لي: "عمري ما هخلعه، وخلعته بعد عامين، وأتوقع أن تخلع حنان ترك الحجاب قريبًا، حيث أرى أنها تتخلى عنه بالتدريج"، وعندما كنت رئيسا لمهرجان القاهرة السينمائي، قلت لها: "هتكوني خليفة سعاد حسني"، وكانت تحضنني وتقبلني على وجنتي، ثم توقفت فجأة وأخبرتني أن هذا لا يجوز قائلة "سأرتدي الحجاب".
- ما توقعاتك لمستقبل المرأة في مصر خلال السنوات المقبلة؟
متفائل بمستقبل المرأة في مصر لأنها بدأت تفيق من غيبوبتها وغفلتها وعندما أطلقت دعوتي فوجئت أن كثير من المعترضين من النساء، حدثت لهم أكبر عملية غسيل مخ في تاريخ مصر من أيام رمسيس الثاني إلى الآن هي التي حدثت في مصر خلال النصف الثاني من القرن الأخير في اليوم الذي تحالف فيه رئيس الجمهورية أنور السادات مع زعيم الإخوان تحالف استراتيجي لضرب ومواجهة كل التيارات التي كانت سائدة في ذلك الوقت (يسارية واشتراكية وماركسية وناصرية) هذا التحالف الشيطاني الذي قام على مقولة "لكم الحكم ولنا الدعوة"، بمعنى أن الحكم لرئيس الجمهورية والدعوة للإخوان هذه الصفقة الشيطانية هي التي أفسدت مصر.
- البعض يتداول في الغرف المغلقة أنّك تملك أسرار عن حياة محمد متولي الشعراوي، وستصيب الملايين بالصدمة إن خرجت للنور، هل هذه شائعة أم حقيقة؟
بالتأكيد أعرف الكثير عنه، لكن لا أحد يجرؤ على الحديث عن ذلك.
- ما هو سقف الحرية لديك؟
سقف الحرية هو عدم المساس بأساسيات القيم والمبادئ الحقيقية، مبادئ رفاعة الطهطاوي وطه حسين وتوفيق الحكيم، ولا أدعم المبادئ الزائفة وما يروج له أمثال الشعراوي وعبدالله رشدي.
- هل ترى أن الرقص الشرقي فن ولماذا ظهرت راقصات أجنبيات وتراجع دور المصرية؟
أنا شخصيًا لا أحب الرقص الشرقي، ولا يهمني أن أشاهده، أعتقد أنه نوع من أنواع الفن، وتراجع دور الراقصة المصرية لأنها أصبحت مهنة سيئة السمعة ويعتبرها المجتمع عاهرة.
- كيف ترى ظاهرة التحرش الجنسي؟
أرى أنها كارثة معبرة عن كل ما تحدثت عنه من تدني أخلاقي ونفاق مجتمعي، فالعقدة الأولى للرجل المصري هو جسد المرأة، إذا اختفت المرأة ستختفي ٧٠٪ من أمراض المجتمع المصري.
- لو خرج مشروع من نائب برلماني يطالب بتقنين الدعارة وعدم تجريمها هل ستدعم هذا المشروع أم لا؟
لن أدعمه لأنني أعتقد أنها ليست من أخلاقيات المجتمع المصري، على الرغم من وجود الدعارة بالفعل داخل المجتمع، وستظل موجودة في الخفاء.
- كلمة أخيرة توجهها للفتيات في عمر الزهور، سيدات الغد؟
أنا دائما أقول للشباب (القراءة) فهي تأخذك لتعيش حياة أخرى داخل كل كتاب ورواية جديدة، وأنا على أقل تقدير قرأت ١٥٠٠ كتابا في حياتي في شتى المجالات، وعندما انتهي من قراءة كتاب خصوصا لو رواية أشعر أنني عشت حياة أخرى.