د. محمود العلايلي
قامت الدولة المصرية على مدى السنوات الأربع الماضية بعمل إصلاحات اقتصادية ونقدية جذرية، وإذا كانت الدولة قد قامت ببعض الأدوار فى الاقتصاد فى ظرف سياسى واقتصادى خاص جدا، حيث حرصت فى تلك الفترة على زيادة الإنفاق الحكومى الذى أدى إلى إنجاز العديد من المشروعات الكبرى مما ساعد على زيادة التدفقات النقدية فى الأسواق المحلية، ومما أدى أيضا لخلق فرص أكبر للتوظيف وخفض معدلات البطالة، وهذا بالإضافة إلى دخولها مجالات استثمار أخرى، مما أثار الجدل على حدود تدخل الدولة غير المطلوب فى الاقتصاد أغلب الأحيان، أو انسحابها بالكامل غير الممكن، وخاصة فى الحالة المصرية.
ويعتمد الاقتصاد المصرى على السياحة وقناة السويس وتحويلات المصريين فى الخارج كروافد لتدفق العملة الأجنبية، وهى بالطبع قطاعات لا تكفى لتعافى الاقتصاد، كما أنه لا يمكننا تركيز الاستثمار فى الأوراق المالية وأدوات الدين بشكل مبالغ فيه، ولكن علينا بالتوجه للاستثمار المباشر سواء كان محليا أو أجنبيا، وهنا يأتى دور الدولة المفهوم والمطلوب بخلق بيئة جاذبة لهذه الاستثمارات لقطاع الصناعة، ومحاولة إعطاء امتيازات ومحفزات لدفع هذه الصناعات لتقوم على أساس التصدير، مما يساعد على تدوير عجلة الاقتصاد بشكل سليم وفى اتجاه محدد، والأهم توجيه المجتمع ليصبح مجتمعا صناعيا بأفكاره وأسلوب حياته، مما يؤدى إلى تحسين الخدمات العامة والارتفاع بمستوى معيشة الفرد.
ولكى نرتقى بقطاع الصناعة يجب أن يكون لدينا رقم مستهدف للتصدير فى فترة زمنية محددة، على أساس القدرات التصنيعية المتوافرة، ثم على أساس القدرات التصنيعية المستهدف توفيرها، مع فتح أسواق جديدة مناسبة للمنتج المصرى، حيث تصدر مصر حاليا بما يقل عن 30مليار دولار سنويا وهو ما يعنى أن نصيب الفرد من التصدير أقل من 300 دولار، وهو رقم ضئيل جدا بالنسبة لتطلعات رؤية 2030 والأهم أن الرقم يتحرك صعودا ببطء شديد فى قطاع الصناعة بينما يسجل صعوده فى مجالات النفط والمواد الخام والصناعات الملوثة وبعض الخضر والفاكهة، ولبيان ضآلة رقم نصيب الفرد من التصدير بالمقارنة العشوائية مع بعض الدول الصناعية نجد أن الأرقام تقريبا فى تايوان 15.200 وماليزيا 7.600 وكوريا 11.500 وهولاندا 32.600 وفيتنام 1.500 وألمانيا 18.500 دولار سنويا على التوالى.
إن الاستثمار لا يجب أن يكون استثمارا للموارد فقط، ولكن الاستثمار فى الفرص أيضا، فلقد أدى الظرف السياسى والاقتصادى إلى فرز مجموعة من السياسيين القادرين على اتخاذ القرارات الصعبة وتنفيذها، مما أدى إلى ثقة المؤسسات الدولية فى الإدارة المصرية، وانعكاس ذلك فى استكمال التعاون فى عدة مجالات، وهؤلاء هم الساسة الذين يجب استثمار توجهاتهم وتفعيلها، كما أدت متطلبات الإصلاح الاقتصادى لإقصاء مجموعة من الاقتصاديين زالت دولتهم وانقضت أفكارهم، وبرزت مجموعة من الاقتصاديين لديهم القدرة على فهم الواقع واستشراف المستقبل، وهم مجموعة من الأولى الاستثمار فيهم وبهم، وكما أدت هذه الخطوات إلى موجات من الغلاء استطاع المواطن المصرى تحملها بل وتجاوزها، فإن هذا هو المواطن الذى يجب استثمار قدراته وتوجيهها، وعدم الوقوع فى خطأ التعميم باتهامه بالكسل والتواكل، لأنه بتحمله أدى إلى نتائج إيجابية بزيادة معدل النمو السنوى، بالإضافة إلى انخفاض التضخم والبطالة وعجز الموازنة.
ومن أهم ملامح المرحلة التى يجب الوقوف عندها وتقييمها أن دور الدولة لم يقتصر فقط على إدارة الاقتصاد بل امتد بالمشاركة والمنافسة الفعلية فيه، مما أدى إلى تقليص دور القطاع الخاص فى العديد من المجالات، ولذا فقد جاء أوان استثمار خبرات تلك الفترة وتقييم إيجابياتها وسلبياتها للبدء فى تحديد دور أوضح للدولة، والتخطيط لانسحابها- بشكل ممنهج- من القطاعات التى دخلتها تحت ضغط الظرف السياسى، وذلك لصالح المناخ الاستثمارى المحلى والأجنبى على السواء، الذى يتطلع لاستبيان حدود انتهاء دور الدولة وحدود ابتداء دور القطاع الخاص.
نقلا عن المصرى اليوم