ماهر فرغلي
تعبث بعض الدول ومنها تركيا، كما بعض التنظيمات، بقومية الإيغور المسلمة بشمال الصين؛ حيث قامت بنقل بعضهم إلى سوريا، وسهلت مرورهم إلى تنظيمات إرهابية، كما نقلت بعضهم إلى دول مثل مصر.
ونظراً لأن أصول الإيغور من الأقلية القومية التركية في "شينجيانغ" الصينية، فإنهم نشطوا مؤخراً كورقة ضغط تركية على الصين، وتحريكهم ضد الحكومة المركزية في بكين، من أجل إقامة دولة (تركستان الشرقية).
التحدّي الأمني الأبرز للصين
ترى الصين في "حركة استقلال تركستان الشرقية"، التحدّي الأبرز على مستوى الأمن والاقتصاد والاستقرار الاجتماعي، وتُعتبر تركيا الداعم السياسي الأبرز لها، إن لم يكن الوحيد، مع معلومات متداولة عن أنّ عدد الإيغور في تركيا نفسها يصل إلى 300 ألف، وأنّ أنقرة منحت جوازات سفر تركية لحوالي 100 ألف ممن لجأوا إليها منهم في العقود الماضية.
ترى الصين في"حركة استقلال تركستان الشرقية"المدعومة من تركيا التحدّي الأبرز على مستوى الأمن والاقتصاد والاستقرار الاجتماعي
ويتنامى القلق الصيني من تزايد احتمالات وقوع أعمال إرهابية في "شينجيانغ" أو غيرها على يد الإيغور المتطرفين، حتى إنّ السلطات المحلية في الإقليم رصدت أخيراً مكافآت تصل في مجموعها إلى مئة مليون يوان صيني (14.5 مليون دولار) لمن يقدم أي معلومات عن الأنشطة الإرهابية المحتملة، وتتدرج المكافآت بحسب نوع المعلومات المقدمة، لتصل إلى 5 ملايين يوان صيني (725 ألف دولار) لمن يبلغ عن عمل إرهابي مقبل.
تركيا ونقل الإيغور إلى سوريا
هناك معلومات تم تناقلها عن توطين "الإيغور" في شمال غرب إدلب، وأفادت تقارير صحافية أنّ "نحو خمسة عشر ألفاً" منهم قد استوطنوا في قرى سورية قريبة من الحدود مع تركيا والرقم في ازدياد، وأغلب هذه القرى تقع في محيط جسر الشغور (400 كيلومتر شمال دمشق) التي كان لـ"التركستان الإيغور" دور حاسم في انتزاعها من قبضة النظام، وتمتد هذه المناطق من جسر الشغور غرباً وشمالاً وحتى الحدود التركية عند جبل التركمان أو ما يُعرف جغرافياً باسم "جبل الباير" وشمالاً حتى سلقين، إضافة إلى عدة "مستوطنات" في جبل السماق الواقع بالقرب من حارم، وكلها تقع على الشريط الحدودي المحاذي لولاية هاتاي – انطاكيا.
في1/12/2014 نشرت وكالة "الأناضول" للأنباء التركية تقريراً حمل عنوان: "مسلمو الأيغور يفضلون نار الحرب السورية على قمع السلطات الصينية"، أشار فيه المسؤول في حزب تركستان الإسلامي إبراهيم منصور إلى أنّه يترأس جماعة الأيغور المؤلفة من عشرات العائلات المهاجرة إلى سوريا، وأنهم "فضّلوا نار الحرب السورية؛ على التضييق والتسلط، وكبت الحريات، ومنع المسلمين من أداء شعائرهم الدينية؛ تلك الممارسات التي تقوم بها السلطات الصينية".
مصدر مقرّب من الحزب الإسلامي التركستاني (TIP)، قال في بيان صحفي له في نيسان (إبريل) 2017: إن المميز في الهجرات الأخيرة للإيغور إلى سوريا، أنّها لم تعد هجرة لمقاتلين أفراد؛ بل تحولت إلى هجرة عائلات بأكملها، وتبلغ تكلفة الرحلة 3000 دولار للشخص الواحد، إذا كان المُهاجر يملك أوراقاً ثبوتية تركية، في حين يصل المبلغ إلى 9 آلاف دولار إذا ما كان المُهاجر مطلوباً للسلطات الصينية.
ويمر الإيغور في رحلتهم بثلاثة بلدان رئيسية؛ قرغيزستان وأوزباكستان وصولاً إلى أذربيجان؛ حيث يصبح التنقل أيسر وأسهل.
ويقود "الحزب التركستاني" في سوريا حالياً، عبد الحق، وهو رجل يبلغ من العمر 53 عاماً، والقائد العسكري للحزب هو أبو ابراهيم، ولم يتجاوز الأربعين.
"داعش" على الخط الإيغوري
أصدر تنظيم داعش الإرهابي نهاية شهر شباط (فبراير) 2017، مقطع فيديو مدته 28 دقيقة بعنوان "أولئك هم الصادقون" هدّد فيه أحد مسلمي الإيغور الصينَ بتنفيذ عمليات إرهابية غير مسبوقة، حيث قال: "أيها الصينيون الذين لا يفهمون لسان الناس، نحن جنود الخلافة، وسنأتي إليكم لنوضح لكم بلسان السلاح، ونسفك الدماء كالأنهار ثأراً للمسلمين".
ظهر بالإصدار عدد من أطفال الإيغور أثناء تدريبهم داخل "داعش"، فيما أبدت السلطات الصينية إثر ذلك قلقها الشديد، مشيرة إلى أنّ ما يقرب من 100 من مسلمي الإيغور انضموا للتنظيم الإرهابي، في حين ذكرت مصادر سورية أنّ عدد المقاتلين الإيغور هناك وصل إلى ما يقرب من 600 مقاتل.
أصدر "داعش" أوائل 2017 مقطع فيديو هدّد فيه أحد مسلمي الإيغور الصينَ بتنفيذ عمليات إرهابية غير مسبوقة
ليس "داعش" وحده من نجح في استقطاب أعداد من مسلمي الإيغور لصفوفه، بل يوجد أيضاً عدد منهم بايعوا تنظيم القاعدة الإرهابي وحركة طالبان، وآخرون أنشأوا عدداً من الأحزاب والجماعات الدينية، التي تستغلها الآن بعض الدول مثل تركيا، ومنها: الحركة الإسلامية لتركستان الشرقية ETIM (الحزب الإسلامي التركستاني)، ومؤتمر شباب الإيغور الدولي (WUYC ) والمركز الإعلامي لتركستان الشرقية (ETIC ) في ميونيخ – ألمانيا، ومنظمة تحرير تركستان الشرقية (ETLO).
تحاول حركات الإسلام السياسي أن تستغل قومية الإيغور، وموقعهم ومكانتهم؛ حيث يبلغون حوالي 24 مليون نسمة، وتؤكد تقارير أخرى أنّ أعداد المسلمين في الصين تجاوز حاجز الـ50 مليون نسمة على أقل تقدير، منهم الإيغور، الذين ترجع أصولهم إلى شعوب تركية ويتمركزون في منطقة تركستان الشرقية التي كانت تتمتع بحكم ذاتي قبل أن تضمها الصين لها العام 1949، وتعرف حالياً باسم شينجيانغ، ويتواجدون في بعض مناطق جنوب وسط الصين أيضاً.
والإيغور بلادهم شاسعة (1.6 مليون كيلو متر مربع تمثّل خمس مساحة الصين وثلاثة أضعاف بلد مثل فرنسا) تتمتع بوفرة ثرواتها الطبيعية، إذ يقدر احتياطي النفط لديها بنحو 8 مليارات طن، ويجري في الوقت الحاضر استخراج 5 ملايين طن منه كل يوم.
هذا إلى جانب أنّها تنتج ستمئة مليون طن من الفحم الحجري، وبها 6 مناجم يستخرج منها أجود أنواع اليورانيوم، إضافة إلى وجود معادن أخرى على رأسها الذهب.
ليس "داعش" وحده من استقطب الإيغور لصفوفه، بل يوجد عدد منهم بايعوا تنظيم القاعدة وغيرها
سياسات الصين المضادة
نظراً إلى رهانها على الأهمية الإستراتيجية للإقليم ورداً على النشاط المعارض، والاستغلال التركي للإيغور، قامت بكين ببعض السياسات المضادة، فهي تتهم أي حركة معارضة بالإقليم بأنّها من "دعاة الانفصال والانفصاليين" وهو تعبير دأبت الحكومة الصينية على استعماله، ويشمل: كافة القوى الوطنية والحركات السياسية والاجتماعية المناهضة للحكومة الصينية، وضمنها مؤسسات للإغاثة والعمل التطوعي، والشخصيات العامة والمثقفين داخل تركستان وخارجها، وحركات الاحتجاج الشعبية، المنظمة أو العفوية.
وفي الوقت نفسه أضافت الحكومة إلى تعبير "الانفصال والانفصاليين" تعبيراً آخر هو "التطرف والمتطرفين"، الذي يشمل: العلماء وطلبة العلم الشرعي والمشايخ والأئمة والخطباء والدعاة، العائلة التركستانية برمتها إذا لم تلتزم بشروط الحكومة الصينية فيما يتعلق بالتعليم الديني والعبادات، كما عارضت بناء المساجد أو ترميمها، وتضع قيوداً على مضمون الخطب الدينية والدعوة والإرشاد، واللباس والمظاهر الإسلامية، والاحتفال بالأعياد والمناسبات الدينية.
اتهامات بالتمييز والاضطهاد
ويتهم الإيغور السلطات الصينية بممارسة التمييز ضدهم، وفي آب (أغسطس) 2014 حذرت مجلة "الإيكونوميست" البريطانية من أنّ الصين تصنع "شيشان جديدة من مسلمي الإيغور"، لافتة إلى أن مسلمي الإيغور لا يشعرون أبدًا بالراحة في الصين.
وكانت الصين قد أصدرت بداية العام 1994 القرار رقم 145، الذي يقضي بغلق جميع أماكن العبادة السرية والنشاط الديني السري التي انتشرت في الصين في السنوات الأخيرة، ويتم مراقبة جميع النشاطات الدينية، والقرار رقم 144، الذي يقضي أنّ الأجانب لا يصرح لهم إنشاء معابد أو مؤسسات أو هيئات دينية يتحكمون من خلالها بالنشاطات الدينية أو المراكز الثقافية أو المدارس الدينية، كما يمنع الأجانب من الاتصال برجال الدين المحليين وتعيينهم أو توجيه نشاطهم.
وفي وقت لاحق في 12/3/1996 أطلقت الصين حملة "اضرب بقوة Yan Da". وكانت أبرز تطبيقات الحملة، استهداف المسلمين من منسوبي وموظفي أجهزة الحكم الصيني والنساء والشباب، ومنعهم من ارتياد المساجد، وحظر التعليم الإسلامي، وهدمت الصين عقب هذه الحملة 133 مسجداً وأغلقت 105 مدارس إسلامية؛ في بلدة قراقاش وحدها في محافظة "خوتن".
وقد صرحت ربيعة قدير رئيسة المؤتمر الإيغوري العالمي، لمجلة فوكس الألمانية بتاريخ 12/7/2009 ، قائلة: "الحكومة الصينية منحتنا منذ سنوات نوعاً من الحكم الذاتي، لكنها ما تزال تعاملنا كحيوانات.. كمواطنين من الدرجة الثانية"، وهو ما سبق وأشارت إليه صحيفة "كريستيان ساينس مونيتور" الأمريكية في تحقيق مطول العام 2008 من أن الإيغوريين أصبحوا "مواطنين من الدرجة الثانية؛ فهم ممنوعون من مجرد تمثيل هامشي في الهيئات الحكومية، كما لا يُسمح لهم باستخدام لغتهم في المدارس".
نقلا عن حفريات