محمد علي إبراهيم
ليس كل من يستخدم وسائل التواصل الاجتماعى يملك خلفية ثقافية أو اقتصادية أو سياسية ليفرز الغث من السمين.. والصالح من الطالح.. حتى الصحفيون والإعلاميون، والمفروض أنهم كريمة المجتمع، ما إن يلمحوا مقالًا أو بوستًا به نصائح للدولة أو نقد للصالح العام إلا وتبدأ مباراة حامية الوطيس فى تسفيه صاحبه والتطوع بتشويهه سواء بتعليمات أو تطوعًا.. لكن هؤلاء ليسوا خطرًا على المصريين فقد عرفوا بذكائهم الفطرى أنهم يفعلون ما يؤمرون لا يستطيعون مراجعة أو مناقشة، وفى النهاية غير مؤثرين فى الرأى العام.. لكن الخطر الحقيقى فى العيادات المفتوحة بدون ترخيص على الفيس بوك تقدم النصائح.. وتؤكد النتائج.. وتستشهد على ما تزعم بأقوال ليست فوق مستوى الشبهات.

فى مقهى شهير بمصر الجديدة يمتاز بتقديم سحلب ساخن بالمكسرات قابلت طبيبًا شهيرًا من أصدقاء الثانوى لم أره منذ عشرة أعوام.. بعد التحيات قال فجأة: المصريون يقتلون أنفسهم. أجبته: إنها حوادث فردية حتى الآن؛ فاستغرب متسائلًا: ماذا تقصد؟ استطردت: حالات الانتحار أليس هذا ما تعنيه؟! بسرعة نفى مؤكدًا أن الفيس بوك سيدمر صحتهم تمامًا ويدفعهم للوفاة بأيديهم.. استزدته فزادنى وأسهب: هناك مجموعات كثيرة على الفيس لمرضى السكر والضغط والقلب بالإضافة إلى عيادات التخسيس وأطباء تغذية يقدمون وصفات سحرية لعلاج مرضى الكلى والكبد وغيرهما.. يؤكد الطبيب أن الهدف الأساسى لكل من يطرح دواء على وسائل التواصل الاجتماعى هو تحقيق مكسب مادى.

وضرب مثالاً بطبيب أخصائى سمنة يستضيفه التليفزيون كثيرًا ويشير إلى أدوية التخسيس الآمن التى تعلى سرعة الحرق وتفقد 16 كيلو جراما فى شهر.. طبيعى أن يشتد الإقبال عليه فمعظم المصريين يعانون وزنًا زائدًا وحلمهم الأزلى والأبدى فقد عدة كيلو جرامات.. بمجرد أن تشاهد كليبًا له وهو يتحدث عن الدواء الآمن تفاجأ بمئات يسألونه عن السعر فيرسل مساعدوه عدة أسئلة للمستفسر عن الوزن والطول والعمر وإذا كانت هناك أمراض أخرى.. بعد أن تكتب الإجابة تفاجأ بعدة ردود أو مجموعات مرتفعة الثمن لسد الشهية وحرق الدهون مع التأكيد على أن هذه أسعار خاصة لفترة محدودة، أوكازيون على الدواء مثل البلاك فرايداى للثلاجات والغسالات والكمبيوترات.. ويعيد ذلك تذكيرك بالرجل الذى يرتاد الموالد فى الحسين والسيدة زينب فى الخمسينات والستينات وفى يده زجاجة يروج لها قائلا «شربة الحاج محمود.. تشفى بإذن الله المرض الموجود».

يؤكد الطبيب أن عيادته تشهد حالات انتكاسات كثيرة لاستخدام تلك الأدوية.. فدواء سد الشهية، مثلًا، لا يتلاءم مع مريض سكر يتعاطى أقراصًا أو «أنسولين».. يأخذ جرعة علاج السكر ومعها حبة لسد الشهية فيصاب بغيبوبة نقص سكر وينقل للمستشفى فى حالة متأخرة.. أيضًا بعض المرضى الذين يعانون من قصور بالكلية فبعض أدوية التخسيس تزيد معدل الكيرياتنين فى الجسم المسؤول عن تخليص الدم من السموم، وبالتالى تناول عقاقير الرشاقة من الفيس بوك أو استرشادا برسائل الماسنجر التى ترسلها عيادات الأطباء للمتلهفين ربما يؤدى إلى مضاعفات خطيرة قد تقتل المريض فى النهاية.

إن منطق تسويق هذه الأدوية يعتمد على ما اعتاده المصريون من وصف أدوية لبعضهم البعض فى حالات الإنفلونزا وآلام الأسنان والمفاصل وغيرها مع أن المبدأ الطبى الهام أن ما يصلح لمريض لا يصلح لآخر. يشد صديقى الطبيب شعره الخفيف وهو يقول إن أعجب ما يراه هو مجموعات المصابين بمرض السكر الذى تشير الإحصائيات إلى أن هناك ما بين 10% و12% من السكان يعانون منه.. والسكر نوعان الأول المعتمد على الأنسولين والذى يصيب الأطفال والشباب والثانى الذى يصيب الكبار بعد الأربعين ويكون البنكرياس عنده «شغال» لكن يحتاج لتنشيط.. تفاجأ بفتاوى غبية من الأصدقاء لبعضهم.. فمريض ينصح الآخرين بالامتناع التام عن الكربوهيدرات واتباع نظام يسمى كيتو.. يستحثه أعضاء الجروب على وصف الطعام اليومى ولا يتأخر.. هنا يموت المريض الذى يتعاطى الأنسولين إذا امتنع عن الكربوهيدرات تمامًا؛ فلا بد له من قدر ضئيل حتى لا يصاب بالأسيتون وخلل فى التمثيل الغذائى.. كل مريض له وزن معين ودواء يناسب عمره وحالته ولا يتم ذلك إلا فى عيادة طبيب متخصص.. أما التطوع بأطعمة ووصفات بلدية فخطأ تمامًا.. لا تصدقوا من يقول إن السكر التراكمى بلغ 16 عنده وبعد الأكل 700 ثم انتظم بدون دواء مع رياضة يومية لمدة ساعة ونصف ونظام غذائى صارم.. ونفس الحال مع كريمات إزالة التجاعيد وآلام المفاصل والعظام.

وينفعل صديقى قائلًا: تخيل مريضًا ذهب لطبيب قلب كبير وبعد عمل فحوصات وأشعات أخبره أنه يحتاج جراحة لتغيير 3 شرايين فإذا بأصدقائه ينصحونه بألا يجريها لأن الدعامات تذوب وتسد الشرايين مرة أخرى، والغريب أن 85% من المرضى يصدقون تجارب أصدقائهم الجهلة أصحاب الفتاوى ولا يثقون بالأطباء. وزيرة الصحة ومجلس النواب مطالبان بإلغاء الجروبات الصحية على الفيس وعيادات التطوع، ونقابة الأطباء عليها الاهتمام بمتابعة أعضائها ولفت نظرهم بدلًا من التركيز فقط على الانتخابات.
نقلا عن المصرى اليوم