كتب – روماني صبري
خيم الحزن على كل الحركات العلمانية، وكل الصادقين الذين يحلمون بعالم أفضل، لا يقتل فيه الإنسان بيد إنسانا مثله كونه جعل من نفسه قاضيا باسم الدين ليقتله إرضاء لله، وذلك منذ إعلان خبر رحيل الدكتور محمد شحرور، المفكر الإسلامي السوري، في العاصمة الإماراتية أبو ظبي يوم 21 ديسمبر 2019 عن عمر 81 عاما.. فطوال حياته لم يعرف الراحل ما يقوله القول المأثور " مسك العصا من النصف"، بل كان يدرك الخطر الحقيقي الذي يهدد البلاد العربية والعالم، فهو المفكر السوري المعني بالدراسات الإسلامية، حيث دائما ما أعلنها صراحة خلال ظهوره في البرامج التليفزيونية، أن وصول جماعات الإسلام السياسي إلى الحكم، في ظل ما أسموه ثورات الربيع العربي، خلق صدمة لدى الملايين ما جعل الكثيرين منهم يبتعدون عن الدين ويلجؤون للإلحاد.
البداية
ولد "شحرور" في العاصمة السورية دمشق عام 1938، وفي عام 1957 حصل على الشهادة الثانوية، ليسافر بعدها إلى الاتحاد السوفييتي لدراسة الهندسة المدنية، وشهد عام 1964 تخرجه بدرجة دبلوم ، ليعين معيدا بكلية الهندسة المدنية بجامعة دمشق، كما حصل الراحل على درجتي الماجستير والدكتوراه من جامعة دبلن بأيرلندا.
من الخطر صعود الإسلام السياسي للحكم
ودائما ما حذر شحرور من تولي حركات الإسلام السياسي مقاليد الحكم في البلاد العربية، لعدم إيمانهم بالآخر وبثهم الكراهية ضد كل غير مسلم في خطاباتهم، ما جعله عدوا لهم، وما أكد رؤيته الثاقبة في هذا الصدد، ظهور تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام "داعش".. التنظيم الذي اغتصب الفتيات وشرد الآلاف لإعادة دولة الخلافة، ويعلق شحرور على ذلك بقوله :" نزلت الصدمة بالملايين في الوطن العربي جراء وصول داعش'> داعش لحكم بعض البلاد العربية .. كذلك كان وصولهم صدمة لأصحاب الفكر الإسلامي العادي."
لماذا اختار البعض الإلحاد ؟
وأشار شحرور إلى أن التنظيمات الإرهابية التي دفع باسمها إلى المشهد السياسي العربي بعد ثورات الربيع العربي، جعلت الملايين يعيدون حساباتهم حول التفكير في العلاقة ما بين الدين والمجتمع والدولة، ليترك الكثير منهم الدين بعدما نجحت هذه التنظيمات في إقناعهم أن هذا هو الدين ."
ويقول شحرور في كتابه "الدين والسلطة.. قراءة معاصرة للحاكمية:" أن أزمة العالم الإسلامي بدأت في القرن الثاني الهجري ..حيث تم تأطير الإسلام ضمن قوالب مستمرة حتى هذا اليوم، وتم خلالها تعريف السنة، ووضع أصول الفقه واللغة العربية، وذلك ضمن أطر جاءت من المعارف السائدة، أي من قبل أناس محكومين بالنظم المعرفية السائدة في ذلك الوقت."
والحل ؟
واعتبر شحرور أن الحل للمجتمعات الإسلامية يكمن في الخروج عن هذا المنهج، وهو ما عرف بخطته الفكرية لحل أزمات المجتمعات الإسلامية، موضحا أن مجامع الفقه الإسلامية لا يمكن منعها من الاجتهاد، ولكنها تجتهد ضمن أطر رسخت منذ القرنين الثاني والثالث الهجريين، مشددا على انه يجب العودة إلى قراءة القرآن الكريم وفق معارف اليوم، مع اعتماد أصول جديدة للفقه الإسلامي، والخروج من هذه الأطر، مؤكدا أن الثقافة الإسلامية الموروثة ليست بريئة من المسؤولية تجاه الأعمال الإرهابية التي ترتكب باسم الدين، ولكنها تحمل جل المسؤولية، كما شدد على أن هذه الثقافة تحلل دماء الآخرين، مطالبا بضرورة إعادة النظر في أدبيات التراث الإسلامي.
إسهاماته الفكرية
سعى شحرور منذ شبابه على فهم الدين من نظرة جديدة منطقية، لا تقصي الآخر بل تؤمن به، فدرس القرآن الكريم خلال إقامته بإيرلندا بعد حرب 1967، ولشحرور العديد من المؤلفات حول الدراسات الإسلامية المعاصرة ومنها : تجفيف منابع الإرهاب عام 2008، الكتاب والقرآن – قراءة معاصرة عام 1990، الدولة والمجتمع 1994 ،الإسلام والإيمان منظومة القيم 1996، نحو أصول جديدة للفقه الإسلامي .. فقه المرأة .. الإرث .. القوامة .. التعددية ..اللباس عام 2000، القصص القرآني صدر في عدة مجلدات منذ عام 2010، والكتاب والقرآن .. رؤية جديدة 2011، السنة الرسولية والسنة النبوية .. رؤية جديد 2012، أم الكتاب وتفصيلها.. قراءة معاصرة في الحاكمية الإنسانية .. تهافت الفقهاء والمعصومين عام 2015.
وشهدت العديد من الجامعات والمراكز البحثية الأوروبية محاضرات للراحل حول المواضيع الدينية ومنها : مجلس العلاقات الخارجية الأمريكية في نيويورك، جامعة هارفارد، بوسطن، دورتماوث، برلين.
