عمرو الشوبكي
لم أشاهد مسلسل ممالك النار حتى أعلق على جوانبه الفنية، ومع ذلك تابعت بعض الانتقادات وجهت له من ناحية دقة بعض الوقائع التاريخية، إلا أن الشىء المؤكد أن إسقاط مشاعر الوطنية المصرية التى ظهرت فى القرن التاسع عشر وتعمقت مع ثورة 1919 على حروب المماليك والعثمانيين أمر لا وجود له فى تاريخنا العربى الإسلامى.
ومع ذلك يظل الخطر الأكبر فى تحويل صراع سياسى مع تركيا أردوغان إلى صراع مع حقبة من التاريخ الإسلامى تتعلق بالدولة العثمانية التى من حق المؤرخين أن يدرسوها بشكل علمى ومستقل ويستخلصوا النتائج التى يرونها، وهو أمر جرى فى تركيا وأوروبا وأيضا فى بعض جامعاتنا ومع بعض أساتذتنا، ويجب ألا يوظف ذلك فى أى صراع سياسى مع تركيا.
والحقيقة أنه لم يعد أحد فى بلاد العالم المتقدم أو النامى يستخدم فى العصر الحالى هذه الأساليب، فهل سنجد أن الخلاف الإيطالى الفرنسى فى أوروبا، أو الخلاف الأمريكى الأوروبى استدعى قيام أى منهم بعمل مسلسل ضخم للتحريض على الطرف الآخر؟ وهل الصراع التجارى الصينى الأمريكى استلزم أيضا عمل مسلسل تاريخى يثبت أن الصين كانوا «همج» وقتلة، وهل احتاج الأتراك لمسلسل ضد الكرد لكى يبرروا غزوهم لشمال سوريا ويسيطروا على حدود آمنة بعمق 30 ميلاً؟. الإجابة أنه لم يحدث، خاصة فى عالمنا المعاصر، فالمعركة يجب أن تحدد ولا تكون عشوائية وتشمل «تلطيش» فى كل الجوانب الثقافية والتاريخية والحضارية، إنما هى محددة فى مواجهة سياسات أردوغان وتوجهاتها خاصة تجاه دولة مجاورة لمصر وتمثل عمقا قوميا واستراتيجيا وهى ليبيا العربية.
مشكلة كثيرين مع أردوغان سياسية، ويجب أن تظل كذلك، فالرجل يعطى العرب دروسًا فى الديمقراطية وهو بقى فى السلطة ما يقرب من 20 عاما، وربع المحبوسين من الصحفيين حول العالم فى تركيا، وهناك آلاف الممنوعين من السفر وآلاف المعتقلين (لا يعنى أن العرب أفضل)، وهناك سياسات توسعية استغلت حالة الضعف العربى فجعلته لا يكتفى بالتدخل فى سوريا إنما جاء على حدودنا فى ليبيا. الدول التى تنجح فى معاركها الاستراتيجية هى التى تركز على الجوهر وتترك الحواشى، وهدف مصر هو عدم السماح لتركيا بأن تهدد أمنها القومى بالتواجد فى ليبيا بهذه الطريقة وتنحاز لطرف هو حكومة فايز السراج (يمثل أقلية مؤثرة) على حساب الأغلبية الرافضة له، ودور مصر هو مواجهة هذه السياسات بفتح قنوات اتصال مع الجميع (ماعدا قوى الإرهاب) حتى لو دعمت قوات حفتر. أمر كارثى القيام بحملات تحريض وكراهية ضد شعب كامل يختلف أكثر من نصفه مع أردوغان، وسيذهب الأخير وسيبقى البشر الذين حتى اللحظة يتبادلون التواصل عبر واحد من أكبر خطوط الملاحة الجوية (5 رحلات يومية) بين القاهرة وإسطنبول.
نقلا عن المصري اليوم