منى مينا
نظام طب الأسرة هو حجر الزاوية لأى محاولة جادة للإصلاح الصحى.. وطبعًا هو أساس نظام التأمين الصحى.. حيث إن طبيب الأسرة هو الطبيب الذى يبدأ رحلة العلاج مع أى مريض من أفراد الأسرة فى المنطقة التى يتابعها، وقد يكمل علاجه مريضه إذا كان المرض فى حدود تخصصه، أو يقوم بتحويله لاستكمال العلاج مع طبيب متخصص آخر. معادلة علمية معروفة إذا تحققت شروطها أضحت النتيجة محسومة لصالح المواطن المصرى، طرفا المعادلة هما طبيب أسرة مؤهل جيدا + بعض الأدوية البسيطة والرخيصة + معمل بسيط فى الوحدة الصحية أو مركز طب الأسرة = قدرة على علاج 70 : 80% من الأمراض، وعلاج الأمراض البسيطة يمكننا من تفادى مضاعفات خطيرة تهدد حياة المريض، وتحتاج علاجا أصعب وأكثر تكلفة، ونتائجه أضعف! كمثال: المتابعة والعلاج المنتظم لأمراض الضغط والسكر، أسهل وأقل تكلفة، ويعطى نتائج أفضل كثيرا من علاج مضاعفات الضغط والسكر (غير المعالج) مثل الذبحة والجلطة ونزيف المخ والقدم السكرى والفشل الكلوى و... و... طبيب طب الأسرة أيضا قادر على الانتباه مبكرا للأمراض التى تحتاج لفحوص وعلاج أعلى من الإمكانيات البسيطة للوحدة الصحية، حيث تقدم الوحدة الصحية ما يسمى «الرعاية الصحية الأولية»، طبيب الأسرة هو المؤهل لتحديد مكان تحويل المريض عند الاحتياج للرعاية الصحية المتخصصة الأعلى، إلى المكان الذى يقدم العلاج الذى تحتاجه الحالة المرضية بالضبط، وبذلك لا يضيع وقت ثمين لأن المريض «تائه» وسط أطباء وعيادات كثيرة قد تكون بعيدة عما يحتاجه مرضه، وبذلك الصحية الأولية.
.. ونتفادى التأخير الذى يتسبب غالباً فى تدهور الحالة وتقليل نسب الشفاء. من النقاط المهمة أيضا أن قيام طبيب الأسرة ووحدات الرعاية الصحية الأولية بدورها يمنع إغراق أماكن الرعاية المتقدمة- مثل المستشفيات الجامعية- بمئات الحالات البسيطة، مثل نزلات البرد والنزلات المعوية التى يمكن بل ويجب علاجها بكفاءة فى أقرب وحدة صحية للمريض، وبالطبع فإن هذا الإغراق يضعف قدرة المستشفيات الجامعية على أداء دورها الأساسى، فى التقاط وعلاج الحالات المتقدمة التى تتوه نسبة لا بأس بها منها وسط طوفان الحالات البسيطة.. لكل ذلك فطبيب الأسرة فى إنجلترا من أبرز الأطباء وأعلاهم دخلاً.. أما فى مصر، فتخصص طب الأسرة تخصص مظلوم ومكروه من أغلب الأطباء.. لماذا؟ لأن طبيب الأسرة الذى يمر بدراسة طويلة وصعبة للحصول على هذا التخصص، يظل «مرميًا» فى وحدة صحية، ضعيفة الإمكانيات جدًا، بالأغلب ليس بها معمل بسيط، ولا تتوافر الأدوية الأساسية للرعاية الصحية الأولية، ولا يتوافر بها مكان إقامة يحترم آدميته بالأساس، قد تكون هناك مشاكل فى توافر الماء والكهرباء بانتظام فى الوحدة الصحية، أيضا لا توجد لطبيب الأسرة أى مميزات فى الأجر تشجعه على اختيار هذا التخصص الذى لا يحظى بإمكانية شغل خاص يعوض الضعف الشديد فى المرتبات الحكومية. حتى لا ننسى راتب الطبيب حديث التخرج حوالى 2300 جنيه يصل إلى 5500 جنيه قبل خروجه على المعاش، ولا معنى للقول بأن نظام التأمين الصحى الجديد سيصلح مرتبات الأطباء، أولا: لأن نظام التأمين الصحى مزمع تطبيقه على مدى خمسة عشر عاما، وبالتالى لن يتجه الطبيب لتخصص محتمل إنصافه بعد خمس عشرة سنة !! ثانيا: يجب أن ننتبه لأن توافر أطباء طب أسرة أكفاء هو شرط مهم لتأسيس نظام تأمين صحى حقيقى، وبالتالى نحتاج لتشجيع تخصص طب الأسرة قبل وليس بعد، أى محاولة جادة لعمل نظام تأمين صحى شامل. الحقيقة هناك محاولات من وزارة الصحة لزيادة فرص الالتحاق بتخصص طب الأسرة، ولكن الأطباء فى الأغلب يبتعدون عن هذا التخصص «المظلوم»! ووزارة الصحة لم تحاول التفكير حتى الآن فى تحفيز هذا التخصص، وتغيير نظرة الأطباء بل والنظرة المجتمعية كلها لهذا التخصص، وبالتالى فأغلب من يتجه لهذا التخصص من الأطباء يأخذه «مضطرًا»، ويسعى فور الحصول على الدرجة العلمية للتخصص (ماجستير أو زمالة) لإيجاد فرصة عمل فى الخارج بهذا التخصص المقدر جدا خارج مصر والمظلوم جدا فيها! وبذلك يستمر العجز فى التخصص، وتستمر الأزمة بلا حل. إن أى محاولات لإصلاح صحى حقيقى، يجب أن تبدأ بالاهتمام بقطاع الرعاية الصحية الأولية، الذى يعتمد بالأساس على طبيب الأسرة، هذا الطبيب الذى يجب أن نهتم به، ونحفزه لاختيار هذا التخصص لذا أتقدم ببعض المقترحات علها تكون حافزًا لهم.. مثلا:
■ إقرار «بدل ندرة» لطبيب الأسرة.. أقترح يكون 1000 جنيه شهريا للطبيب المقيم أو متدرب زمالة طب الأسرة، 2000 جنيه لإخصائى طب الأسرة، 3000 جنيه لاستشارى طب الأسرة.
■ تحسين أحوال السكن فى الوحدات الصحية فى القرى (مكان إقامة طبيب الأسرة)، والاهتمام بضمان توافر الكهرباء والمياه فيها، توافر الأجهزة الكهربائية الأساسية، ومستوى أثاث مقبول، كمبيوتر مرتبط بالإنترنت، وبرامج تعليم طبى مستمر متاحة مجانا فى مجال طب الأسرة. وتوفير سكن يصلح كسكن عائلى لائق للطبيب الذى يرغب فى الزواج والاستقرار بالمكان.
■ توفير قائمة الأدوية الأساسية فى الوحدة الصحية.
■ توفير معمل بسيط بكل وحدة.
■ ربط الوحدة بنظام إحالة لأقرب مستشفى مركزى.. وأقرب مستشفى عام.. وأقرب مستشفى تعليمى أو جامعى، حتى يستطيع الطبيب تحويل ومتابعة المريض الذى يحتاج لعلاج أعلى من مستوى الرعاية الصحية الأولية.
نقلا عن المصري اليوم