طارق الشناوي
عند تقييم المبدع، هل نستطيع أن نفصل بين الإنسان والفنان؟، ربما يرتكب الإنسان في حياته أخطاء، إلا أنها لن تخصم بالضرورة من رصيده الفنى؟
قال يومًا الشاعر الكبير كامل الشناوى عن عبدالحليم حافظ (يصدق فقط عندما يغنى)، هل نحاسب عبدالحليم إذن على الكذب؟ هناك جرائم عديدة نتجاوز عنها ومنها الكذب، الذي نصفه أحيانا بالأبيض، طالما لم يؤذ أحدًا، عبدالحليم مثل أستاذه عبدالوهاب، كثيرا ما استخدم هذا (النوع الأبيض) للخروج من مأزق اجتماعى.
على الجانب الآخر، لدينا جرائم لا تسقط بالتقادم ولا ينهيها الموت، مثل الشاعر الكبير بابلو نيرودا، تشيلى الجنسية، الذي قال عنه جبرايل جارسيا ماركيز، إنه أكبر شعراء القرن العشرين وبكل اللغات، نساء تشيلى للمرة الرابعة يرفضن منذ 20 عاما، أن يطلق اسمه على مطار العاصمة (سانتياغو)، لأنه أجرم في حق النساء، حتى ابنته التي ولدت مريضة لم يحضر جنازتها، بل اعترف بأنه اغتصب فتاة وباح بكل التفاصيل، وكيف أنها رفضت ممارسة الجنس فأجبرها عنوة، الفتاة الضحية من (سيريلانكا) اغتصبها عندما كان يعمل دبلوماسيًا هناك، نيرودا حصل على نوبل، الجريمة تجاوز عنها المحكمون في أهم جائزة عالمية، إلا أن نساء تشيلى لم يغفرن.
نيرودا رحل قبل 48 عاما، الناس من الممكن أن تتسامح عن بعض الأخطاء الشخصية، مثل تعاطى المخدرات أو حتى التزوير، ولكن جرائم الاغتصاب والقتل والخيانة للوطن تظل تلاحق الفنان حتى بعد نهاية العمر.
لديكم المخرج رومان بولانسكى فرنسى- بولندى الجنسية، والذى يبلغ الآن 87 عاما، ولا يزال لديه مساحته على الشاشات والمهرجانات، فاز فيلمه الأخير (جاكيوز) في شهر سبتمبر الماضى بجائزة لجنة التحكيم الكبرى من مهرجان (فينسيا)، وكانت رئيسة لجنة التحكيم قد صرحت بأنها لن تصفق له لو حصل على الجائزة، إلا أن هذا لم يمنعها من أن تمنحه صوتها، فهى ترفضه كإنسان فقط، بولانسكى مطلوب أمام العدالة ولا يستطيع العودة لأمريكا لاتهامه بجريمة اغتصاب لقاصر قبل نحو 40 عاما، في بعض المهرجانات عندما يطرح اسمه للتكريم تثور العديد من جمعيات حقوق الإنسان، وفى العادة يتم سحب التكريم.
لديكم جريمة أخرى تدخل في إطار الوشاية، واجهت المخرج الأمريكى إيليا كازان، والذى قدم روائع السينما الأمريكية ومنها (عربة اسمها الرغبة)، عند تسلمه جائزة الإنجاز عن تاريخه الحافل من (الأوسكار 1999) وكان يقف وقتها على مشارف الـ90 من عمره، اشتعلت صالة الاحتفال بالاستهجان لمجرد ذكر اسمه، لأنه في الخمسينيات من القرن الماضى وشى بزملائه، واتهمهم باعتناق الشيوعية مثل شارلى شابلن.
هل من الممكن أن نعزل الفنان عن سلوكه الشخصى، نقيم الإبداع وليس المبدع؟ الأمر نسبى مثلا توفيق الحكيم كان مشهورا عنه البخل، إلا أن هذا السلوك لا يؤذى أحدا ربما سوى العائلة والأصدقاء، بليغ حمدى (بوهيميا)، وقالت عنه وردة بعد الطلاق (أحسن ملحن وأسوأ زوج)، وأنور وجدى كثيرا ما صنع مكائد لزملائه حتى يظل في المقدمة، كل ذلك وغيره، من الممكن أن تغفره الناس، إلا أن الخيانة والاغتصاب والقتل تظل تلاحق الفنان حتى بعد الموت، ولو كان في عبقرية نيرودا، هذا هو (عذاب القبر)!!
نقلا عن المصرى اليوم