حمدي رزق
لو استقامت المؤسسة الأزهرية على طريق الإمام الأكبر، الدكتور الطيب أحمد الطيب، الذي خطّه في رسالته الراقية «منشورة في عدد صوت الأزهر المعتبر بمناسبة عيد الميلاد المجيد»، لكسبنا المستقبل، ولربحنا ميلادًا وطنيًا باهرًا، ولَعَمّت المحبة القلوب جميعًا، ولكان على الأرض السلام وبالناس المسرة.
ما قرره الإمام الأكبر في رسالته يؤسس لعقد اجتماعى جديد ينعم فيه المسيحيون في وطنهم بحقوق المواطنة كاملة غير منقوصة، ويؤسس لعهد جديد على قاعدة «لهم ما لنا وعليهم ما علينا»، لهم الحق في حرية العبادة والمعتقد.
رسالة لمَن ألقى السمع وهو شهيد، وتشهد أن الإمام الأكبر في حواره مع نخبة من طلاب المعاهد الأزهرية، كان معلمًا وهاديًا ومرشدًا، ويلزم الاحتفاء برسالته، يشدد الإمام الطيب ويحذر: «أن تحترسوا أشد الاحتراس من أي فكر ضالّ منحرف يدعو إلى الإساءة إلى المسيحيين، أو إلى تكفير المسلمين، أو كراهية الوطن وقادته وجيشه وقوات أمنه.. فكل هذه أفكار خارجة عن هدى الإسلام وهدى رسوله، صلى الله عليه وسلم، وأحكام شريعته، التي أمرت المسلم بالإحسان إلى أخيه المسلم أيًا كان مذهبه في الفقه أو العقيدة، كما أمرته بالبر والإحسان إلى غير المسلم، أيًا كان دينه، وأيًا كانت عقيدته».
يلزم تسجيل الرسالة «الوصية» بحروفها المنيرة: «واعلموا أن الله تعالى لو أراد أن يخلق الناس على دين واحد أو لغة واحدة لخلقهم كذلك. سبحانه، شاء أن يخلق الناس مختلفين في أديانهم وعقائدهم ولغاتهم: (ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين)، فالقرآن الكريم يقرر أن الناس سوف يظلون مختلفين إلى يوم القيامة، وأن مرجعهم إلى الله، وهو مُحاسِبهم».
ويفتح قوس الرسالة على اتساعه عالميًا: «واعلموا أننا لسنا وحدنا في هذا العالم، وأن العلاقة بيننا وبين غيرنا هي علاقة التعارف والتعاون، وليست أبدًا علاقة الصراع، أو حمل الناس على الإسلام بالقوة، أو الإساءة إلى أديانهم وعقائدهم، فالناس، فيما يقول الإمام على، كرّم الله وجهه: (إما أخًا لك في الدين، وإما نظيرًا لك في الخلق)، وكما تحب ألّا يُساء إليك، أو يُنتقص من شأنك، فكذلك لا يجوز أن تسىء إلى الآخرين، أو تنتقص من شأنهم».
رسالة في صلب تجديد الخطاب الدينى المنشود، رسالة كالموج تكنس ركام الفتاوى التي صدرت في أزمان سحيقة، وفى ظروف بغيضة، يمسح الإمام عن وجه الإسلام الحنيف رذاذ فتاوى ما أنزل الله بها من سلطان، ولم يقل بها حبيبه المصطفى، عليه أفضل وأتَمّ السلام، يعود بنا إلى الأصول الإسلامية التي تعنى بأصحاب الديانات، وتوفر لهم ما للمسلمين من حقوق، يعود الإمام الطيب بهم وبنا وبالمسلمين جميعًا إلى منبع الإسلام الصحيح، الذي أوصانا بالرحمة والتعاطف.
نقلا عن المصري اليوم