مراد وهبة
يتميز القرن العشرون بأنه قرن الثورة العلمية والتكنولوجية. وتتميز هذه الثورة بإفرازها ظاهرة جديدة هي ظاهرة الجمهور ورُكبت من لفظ الجمهور عدة مصطلحات مثل إنتاج جماهيرى، ووسائل إعلام جماهيرية، وثقافة جماهيرية، ومجتمع جماهيرى، ووسائل اتصال جماهيرية. ومع انفجار السكان في النصف الأول من القرن الماضى أصبحت ظاهرة الجماهيرية موضع اهتمام من الفلاسفة وفى مقدمتهم الفيلسوف الإسبانى أورتيجا إى جاسيت الذي أصدر كتاباً عنوانه «تمرد الجماهير»، ارتأى فيه أن لانفجار السكان ثلاث نتائج: الزحام في كل مكان وامتلاك الجماهير أماكن كانت قد كرستها الحضارة للنبلاء.
وديكتاتورية الجماهير الأمر الذي أفضى بأورتيجا إلى صك مصطلح «ديمقراطية مفرطة» والتى يعتبرها أساس الدولة الحديثة. وفى رأيه أن هذا النوع من الديمقراطية مهدد للحضارة لأن الجماهير لا ترى في الدولة سوى أنها آلة للحصول على المتطلبات المادية ولكنها في الوقت نفسه آلة لسحق الفرد.
وأظن أن خطأ جاسيت يكمن في أنه لم يكن على وعى بأن ظاهرة الجماهير هي من إفراز الثورة العلمية والتكنولوجية وليس من إفراز ظاهرة انفجار السكان، ومن ثم فإنه لم يكن على وعى بأن «الثقافة الجماهيرية» هي من إفراز تلك الثورة. ومعنى هذا المصطلح أن جماهير القرن العشرين مثقفة، وبالتالى لا يمكن أن يقال عنها إنها دهماء.
والسؤال إذن:
ما دور النخبة إزاء جماهير الثورة العلمية والتكنولوجية؟
هذه الجماهير لم تكن موضع اهتمام من النخبة، ومن هنا أصبحت الجماهير فريسة «سوء الطوية» من قِبل السلطة الحاكمة. وقد تمثل سوء الطوية في الترويج لما أسميه «المحرمات الثقافية» التي يمتنع معها تنوير عقل الجماهير، ومن ثم يدخل هذا العقل في «سُبات دوجماطيقى»، أي في نوم عميق محكوم بتوهم امتلاك الحقيقة المطلقة. ويلزم من ذلك توهم النخبة أنها وحدها القادرة على إحداث التغيير المطلوب، ومن ثم تصبح في حالة «هروب» من الجماهير بدعوى أنها حاصلة على ثقافة رفيعة المقام، وعلى أن هذه الثقافة من شأن العبقرى، والعبقرى هو الذي يدعم انحطاط الجماهير، وهو الذي يدلل على اتساق الديمقراطية مع هذا الانحطاط لأنها ضد الفرد وضد النزعة الفردية؛ بدعوى أن الجماهير ليست مكونة من أفراد إنما من كتل.
هذه مقدمة لازمة إذا أردنا الكشف عن هوية ثورة 25 يناير وعما حدث لهذه الهوية من تغير. إن هذه الثورة اشتعلت في إطار الثورة العلمية والتكنولوجية، إذ استعانت بالـ«فيس بوك» وهو أحد منجزات هذه الثورة بعد أن أحدثت تغييراً في وظيفته، فبدلاً من كونه وسيلة للنميمة أصبح وسيلة لإحداث تغيير جذرى في الوضع القائم بعيداً عن رقابة الدولة ووصاية الأحزاب السياسية. ومن هنا يحق لنا القول إن ثورة 25 يناير ثورة جماهيرية إلكترونية. وما هو إلكترونى فهو سريع الحركة إلى الحد الذي فيه يكون قادراً على نسف الحدود الفاصلة بين الشعوب والدول بحيث تتداخل فيما بينها وتصبح أمور الدنيا كلها نسبية، ومن ثم يلزم التفكير فيها في إطار ما هو نسبى وليس في إطار ما هو مطلق.
نقلا عن المصري اليوم