بقلم : د . مجدى شحاته
بعد ميلاد السيد المسيح ، بدأ عصرا جديدا من حياة البشر ، يتمايز عما سبقه من عصور . وأصبح ميلاد السيد المسيح يفصل التاريخ والزمن الى تاريخ و زمن ما قبل الميلاد ، وما بعد الميلاد . لقد قدم الميلاد مفاهيم سامية جديدة للحياة ، وأساليب راقية يتعامل بها الناس بين بعضهم البعض ، ومفردات انسانية لم يكن يعرفها الناس من قبل ، بالاضافة الى ممارسات روحية بالغة العمق غيرت مفاهيم الحياة للبشر نحو الافضل والاسمى روحيا واجتماعيا وأخلاقيا ونفسيا وكل نواحى الحياة . فجاء فى الكتاب المقدس " الأشياء العتيقة قد مضت ، هوذا الكل قد صار جديدا " . وبعد ان سمع الناس تعاليم السيد المسيح اعترفوا مهللين قائلين " ما سمعنا قط كلاما مثل هذا !! ". ميلاد المسيح جاء ينشر الحب بين الناس ، وبين الناس والله . جاء يقدم الله للناس أبا محبا يصلون له " أبانا الذى فى السموات .. " جاء ينشر سلاما بين الناس ، وبين الناس والله ، لذا رنمت الملائكة ليلة الميلاد " .. وعل الارض السلام .. " ولد المسيح ينشر المحبة الباذلة المضحية المبنية على مبدأ " ينبغى أن ذاك يزيد ، وانى أنا أنقص " . جاء المسيح مقدما مفهوما جديدا للقوة ، فالقوة لا تعنى ان نهزم الغير ونقهره ، انما القوة ان تحتمل الغير وتربحه معك . يعوزنى الوقت ومساحة المقال ان أذكر الفضائل الروحية التى جاء المسيح ينشرها بين الناس بعد الميلاد . انما لابد ان نتأكد ان عصر ما بعد الميلاد جاء عصرا جديدا بكل المقييس ، لحياة روحية ودنيوية أفضل واسمى وأرقى لكل البشر .
هنا أنتهز هذه الفرصة الطيبة المباركة ، لأقدم خالص التهانى وأطيب الامنيات الى صاحب القداسة أبينا الطوباوى المكرم الانبا تاوضروس الثانى بابا المدينة العظمى الاسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية . الذى نرى بعين الرجاء كل ما يقدمه بكل الامانة والاخلاص للكنيسة القبطية الارثوزكسية ، وليس لكنيسة مصر فقط ، ولكن للعالم كله . مقدما أيمانا و فكرا وتراثا وابوة ومحبة وقدوة طيبة . قداسة البابا الذى جاء فى ظل ظروف سياسية صعبة ومعقدة للغاية يعرفها الجميع . واستطاع بارادة الله وبكل الحكمة ، ان يقود السفينة الى بر الامان بكل اقتدار وعقلانية ووطنية . وان يحتوى العديد من الازمات فى هدوء وبكل فكر راجح ، فى وقت كانت أخطار جمة تستهدف كنيسة الله وتستهدف البابا شخصيا . ليؤكد يوما تلو الآخر انه الشخصية الانسب لقيادة الكنيسة فى الاوقات الحرجة . وهنا لابد أن اشيد واقدر شجاعة قداسة البابا وحكمته الفائقة التى يواجه بها بعض الاصوات التى تزعم وجود خلافات فى المجمع المقدس . حيث يؤكد قداسته على ضرورة تنوع الآراء وهو أمر طبيعى حتى يقطع كل الطرق والسبل على أصحاب صفحات التواصل الاجتماعى الذين يسعون بكل الجهد زعزعة الكنيسة وشق الصف واحداث انقسام داخلها . لمصلحة من ؟؟؟؟
قداسة البابا يتمتع بابوة نادرة ، له قدرة فائقة على احتواء الكل ، خاصة المختلفين معه فى الرأى . البابا له شخصية مميزة لها قدرة كبيرة على الانفتاح والتواصل مع الاوساط السياسية والشخصيات العامة المرموقة فى الدولة . يتمتع بعلاقات مميزة مع كل أجهزة الدولة على كافة المستويات ، ليصل بالكنيسة الى مكانة رائعة لم تشهدها الكنيسة القبطية فى أى عصر من العصور .
وبكل الاسف مازالت تظهر فى الافق بين الحين و الأخر، بعض التيارات المعاكسة الغريبة المحسوبة على المجتمع الكنسى ، تحاول أن تقاوم وتعرقل المسيرة فى هذا الوقت الحرج ، بدون أى مبررعلى الاطلاق ولا سند مقبول ولا سبب معقول !ّ! وتطاول غير لائق من مراهقى كتائب الفيس بوك من نشر أكاذيب وشائعات غير حقيقية ، بلا أدنى خجل أو استحياء على القيادات الكنسية . يكتبون ادعاءات كاذبة مغلوطة للشوشرة وتشويه الحقائق . ان مجتمع الكنيسة يختلف تماما عن مجتمعات الدنيا ، لذا فان ترتيبات ونظم العالم لايليق بأى حال من الاحوال ان تمارس وتطبق فى كنيستنا والتى تكتنفها أصلا مخاطر جمة من الخارج . فكم من ذئاب خاطفة من الداخل ، اتخذت ثياب حملان اندست وسط القطيع تريد الفتك به وليس هناك من يزعجها . لقد سبق لى الكتابة فى هذا الشأن أكثر من مرة ، وان شاء الله وأذن ، سأكتب وأكرر الكتابة بناء على رغبة كثيرمن المحبين المخلصين ، ولن أمل من الكتابة و التكرار.
هناك من يحاولون حرمان الكنيسة من التدبير الالهى والحماية والعناية الالهية التى سلمت الى راعى الرعاة ، يسعون لتحويل بيت الله الى مؤسسة بشرية خاضعة لضعفهم البشرى فليس من الحكمة أن ندين أبرار هم فى بوتقة التنقية كالذهب ، وأقول للمتربصين من هواة الادانة ، عليكم ان تدينوا أنفسكم التى تعرفونها جيدا فلديكم الكثير الذى يمكن ان تدينوا أنفسكم عليه . ان رب المجد يسوع لا يمكن أن يترك أصفيائه فريسة لفم الذئاب ، او يترك أتقيائه لكيد المقاومين " لولا الرب الذى كان لنا عندما قام الناس علينا اذا لأبتلعونا أحياء .. مبارك الرب الذى لم يسلمنا فريسة لاسنانهم .. الفخ انكسر ونحن انفلتنا" ( مز 124 : 2 -7 )
أقول للذين يتطاولون على قداسة البابا رجل الله وأيضا على أحبار المجمع المقدس الاجلاء ، وأرجو ان يكون لديكم الشجاعة الكافية والاجابة على سؤالى هذا : هل بامكانهم التطاول على رؤسائكم ومديريكم فى العمل بتلك الصورة المخزية كما يحدث فى رسائلكم التى تبعثون بها لقداسة البابا أو أحبار المجمع المقدس الاجلاء ؟؟ اجلسوا مع انفسكم قبل الاجابة عن سؤالى ، وعندى يقين انكم لن تفعلوا ... وسبب صعوبة الجلوس مع النفس لمثل هؤلاء ، أوضحها مثلث الرحمات قداسة البابا شنودة الثالث فى احدى عظاته فقال : " ان الشيطان مستعد ان يتساهل معنا فى كل شئ ، ماعدا أمرين لا يحتملهما ، هما جلوس الانسان مع نفسه وجلوسه مع الله ، الشيطان لا يريدنا ان نجلس مع أنفسنا حتى لانعرف حقيقتها وخباياها ونقائصها وأمراضها الخفية والظاهرة وشهواتها وأهدافها وانحرفاتها ، لا يريدنا أن نجلس مع أنفسنا حتى لانكشف خطايانا ونبكت ذواتنا عليها ، ونندم بسببها ونبكى ، وحتى لا نفكر فيما يمكننا أن نعمله لاصلاح ذواتنا ونغير سبلنا الردية ، كما لا يريدنا أن نمكث مع الله حتى لا تكون لأنفسنا صلة به ، وحتى لا نأخذ منه مغفرة ، وحتى لا ننال منه معونة للسير فى طريقه . فخطة الشيطان ، ان يكون الانسان باستمرار فى متاهة عن نفسه " . والان .. هل أدرك هؤلاء المقاومين السبب فى صعوبة الجلوس مع النفس ؟؟؟
عند بداية الخليقة " وكان على وجه الغمر ظلمة " وللقضاء على تلك الظلمة لم يقل الله " لا تكون ظلمة " . وانما قال " ليكن نور " وكان نور . لذلك يردد الناس مقولة حسنة وهى : " بدلا من أن تلعنوا الظلام أضيئوا شمعة " . نعم .. سنشعل الشموع فى كل مكان ، ونبدد الظلام عملا بقول الرب " ليكن نور " .
مرت سبعة سنوات على حبرية قداسة البابا تاوضروس الثانى ، تحققت خلالها الكثير من الانجازات الروحية وترتيب البيت من الداخل بدراسة واعية وحكمة بالغة . ومن ناحية اخرى ، شهدت تلك الفترة أحداثا صعبة جدا ، ولكن بصلوات وأصوام ومحبة ومؤازرة المخلصون للكنيسة ، صنع الله فى كنيسته عظائم كثيرة . مع كل يوم يتأكد لنا ان الله يبارك ويعضد بقوة ابينا الطوباوى المكرم الانبا تاوضروس الثانى ، وان كل ألاحبار الاباء فى المجمع المقدس جميعهم على قلب رجل واحد يؤمنون بالابوة الروحية مؤكدين عبر التاريخ الطويل انه لم يكن هناك فى يوم من الايام وجود أى صراع على السلطة فى كنيستنا القبطية الارثوذكسية العريقة القوية . ويؤكد التاريخ ان كنيستنا القبطية .. كنيسة أم ليست عاقرا لكنها كنيسة ولادة تلد أجيال وأجيال، وما تسلمته الكنيسة القبطية من أجدادنا وقديسينا تسلمه للأجيال القادمة بكل الامانة .
ان كنا نؤمن بالعمل الايجابى البناء ، ينبغى ان نكرس كل جهودنا له . من منطلق قول الكتاب المقدس " ان لم يبنى الرب البيت فباطلا تعب البناءون " . لذا علينا أن نتمسك بالله ، وندخله فى العمل ، يقودنا كيفما شاء والى حيثما شاء .أما نحن فليتنا نكون أدوات صالحة طيبة طيعة فى يديه الطوباويتين . من خلال عملنا الايجابى ، ينبغى علينا ان ندافع عن الحق ونظهره بكل القوة ، لكننا يتحتم علينا ان نقوله فى أدب ، وفى اتضاع ، وفى حكمة ، وبما يليق بأبناء المسيح صاحب هذا العيد ، لاننا ان لم نفعل هكذا لا يرضى الحق عنا . وايضا من خلال عملنا الايجابى ان نتمسك بسلاح المحبة ، وان ندرك تماما ان المحبة فى المسيحية هى ان يكون الجميع واحدا ، فليست المحبة مجرد فضيلة ، او تفاعل انسانى راق ، بل هى أساس لاهوتى بدونها لا يكون الانسان مسيحيا . مع اطيب التهانى وأجمل الامنيات بعيد الميلاد المجيد وسنة جديدة وكل عام وانتم بكل الخير والصحة والبركة والسعادة.