د. محمود العلايلي يكتب.. معنى المصطلح وتوجيهه
من أهم سبل التفاهم بين البشر هو الاتفاق على سبل التفاهم، والتفاهم باستخدام لغة معينة هو أعم هذه الوسائل، ولكى تنجح هذه الوسيلة لا يجب فقط الاتفاق على المعنى الحرفى للألفاظ، ولكن أيضا الاتفاق الاصطلاحى على ألفاظ بعينها، والاصطلاح فى (المنجد) هو العرف الخاص، أى اتفاق طائفة مخصوصة من القوم على وضع الشىء أو الكلمة.
وبذلك لا يعد المصطلح معنى حرفيًّا للكلمات، ولكن معنى«اصطلاحى» أى له علاقة بسياق معين فى تخصص معين، وبالتالى فإن استخدام المصطلحات من الأشياء التى تستوجب التعامل بحساسية، لضبط التفاهم والتعامل، فمثلًا كلمة «انقلاب» مصطلح سياسى يعنى تغيير نظام الحكم بمؤامرة أو ثورة، بينما يعنى فى الجغرافيا التحول من فصل إلى آخر، ومصطلح «ارتداد» يعنى فى السياق الدينى الخروج من الملة، بينما يعنى فى الرياضة التحول من الدفاع إلى الهجوم أو من الهجوم إلى الدفاع، إلى آخره من المصطلحات.
وكما يتفق على العديد من المصطلحات العلمية بالطرق الأكاديمية، فإنه من الطبيعى انبثاق المصطلحات من موقف سياسى أو اجتماعى معين، ليكتسب سيادة دلالية خاصة من الممكن أن تمكث لفترة قيد الاستخدام، ومن الممكن أيضا أن تنمحى بنفس السرعة أو أسرع مما تكونت فيه.
والحقيقة أن الذى دفعنى للموضوع ليس استخدام المصطلح فى ذاته، ولكن توجيه المصطلح، لأنه فى بعض الأحيان يتم استخدام المصطلحات السليمة لدى الفئة الخطأ، فبالرغم من الاتفاق على بعض المصطلحات علميا، سيظل هناك اختلاف فى المعنى عند الذى يستقبل المصطلح، ولذلك ففى الوقت الذى نعمل فيه على ضبط المصطلحات يجب التأكد من ماهية الفئة الموجه لها الخطاب، لأن مصطلح «الإصلاح الاقتصادى»، مثلا، يعنى «للمواطن» خفض أسعار السلع وتوفير فرص العمل، مع توفير المسكن والملبس والمأكل والمواصلات بأسعار مناسبة، فى إطار خدمات صحية وتعليمية جيدة، أما معنى الإصلاح بالنسبة «للمستثمر»، فهو سهولة الإجراءات الروتينية مع تحسين بيئة الاستثمار، وتأثير ذلك فى سرعة دوران رأس المال، مع الاهتمام بخفض أسعار الفوائد على الاقتراض، وتقليل الضرائب، وارتفاع العوائد الاستثمارية، بينما يعنى مصطلح الإصلاح الاقتصادى لدى «الحكومة» حفض عجز الموازنة وخفض الدين العام، وخفض معدل البطالة بالإضافة إلى التحسن فى المؤشرات الاقتصادية الدولية مع الارتفاع فى التصنيف الائتمانى للدولة، وتحقيق زيادة فى الاحتياطيات القومية من العملة الأجنبية والأهم تحقيق معدلات عالية للنمو السنوى، وفى نفس الوقت الذى يعنى فيه نجاح الإصلاح الاقتصادى بالنسبة «للخارج» تحسن المؤشرات الاقتصادية مثل سهولة الأعمال وزيادة معدلات الشفافية وانخفاض معدل الفساد وارتفاع التصنيف الائتمانى.
ويعنى هذا أنه بالرغم من أننا نتحدث فى نفس المصطلح إلا أنه من غير المعقول عند توجيه الخطاب للمواطنين أن نتحدث عن خفض الدين العام، أو عندما نخاطب المستثمرين أن نتحدث عن زيادة معدلات النمو السنوى، ولكن إذا أردنا إدماج هذه القطاعات فى مرحلة التحول الاقتصادى ألا نركز اهتمامنا على ما يجب أن يفهموه، بقدر ما نركز على ما يهمهم وما يؤثر فى حياتهم تأثيرا مباشرا، كما أنه من المهم جدا حين محاولة شرح سياسة ما لتبرير أى انتقاد خارجى ألا نوجه الخطاب الإعلامى للداخل بمعايير الخارج مستخدمين المصطلحات التى لا تغير من فهم المواطن ولا تحدث تغيرا مباشرا فى حياته.
ولا يختص المصطلح فقط بالمعنى ولكن بالتأثير، فمثلا مع تعاون مصر مع صندوق النقد والبنك الدوليين خرجت من المقابر مصطلحات اكتسبت مصداقيتها بسبب شهرتها أو قدمها مثل «الإمبريالية العالمية»، و«المؤسسات الاستعمارية»، و«التدخل فى الشؤون الداخلية للدول» لمحاولة ابتزاز الدولة والتأثير على المواطنين، بفقاقيع لفظية تتفجر فتحدث دويًّا، إلا أنها أصوات خالية من المحتوى، حيث اللعب على وهم الماضى وجرس المصطلح.
نقلا عن المصرى اليوم