بقلم: أندرو أشعياء
ولما كان اليوم السابع من شهر ديسمبر، أعلن المتحدث الرسمي باسم حكومة فنلندا في مؤتمر صحفي عالمي أن سانتا (بابا نويل) قد دخل في غيبوبة مجهولة الأسباب، وهو يخضع لرعاية طبية مكثفة، عساه يستطيع استعادة وعيه وصحته قبل عيد الميلاد.
وفور إعلان الخبر تناقلته الصحف ووكالات الأنباء وقنوات التليفزيون ومواقع التواصل الاجتماعي، وصارت حالة من الكآبة والحزن والاضطراب في كل أنحاء العالم، ما بين الكبار والصغار على السواء.
وهرع أساتذة الطب لتلك القرية المتجمدة في شمال الكوكب ليقدموا المساعدة، وأعرب الأمين العام للأمم المتحدة عن بالغ قلقه، وناشد المجتمع الدولي بالاصطفاف لحين تجاوز المِحنة.
وتوالت البيانات الصحفية، سواء من الدول أو الشركات، ووجدت البرامج الحوارية مادة خصبة لعدة حلقات. وفِي بعض الغرف المقفلة، كان ممثلون عن حكومات الدول الخمس الدائمي العضوية بمجلس الأمن يضعون خطة للتصرف حال حدوث الحادث المشئوم وموت سانتا كلوز، واختلفوا حول مكان دفنه، ومن سيتحدثون في جنازته وكيفية تأمينها. وبدأ بعض الوجوديين يُشكّكون في وجود بابا نويل أصلًا، واعتبر بعض الاشتراكيين أن موته سيحدّ من النمط التجاري الاستهلاكي للأعياد الذي كرّس لسيطرة جشع التجار والرأسماليين، ورأى رجال الدين في موته فرصة ليتعظ الناس عن فناء الحياة مهما طالت، ونادى بعض الحقوقيين بأن سانتا لابد قد مات أو اُغتيل والحكومات تعتّم على حقيقة الوضع، و... وكان الجميع يتحدثون، وفِي كل مكان من العالم، سأل طفل والديه: «ألن أحصل على هدية في عيد الميلاد؟»، وفِي كل مرة لم يكن هناك جواب!
وخارج غرفة الرجل الغائب عن الوعي، كان مساعدوه جالسين يرقبون صعود وهبوط صدره، امتنعوا عن الطعام والنوم وتعبئة هدايا العيد، كانوا يحسون أنهم سيموتون لو مات بابا نويل !! .
وبدأت جموع غفيرة من الناس تتوافد على فنلندا لرؤية الرجل المحتضر، وسعد رئيس الحكومة بهذا النشاط السياحي في بلده، وبسرعة اُفتُتِحت مجموعة من النُزُل ومحطات البنزين والمطاعم لخدمة هؤلاء.
وفِي اليوم الرابع عشر من الشهر، أعلن رئيس الحكومة في مؤتمر صحفي عالمي أن الحالة لم تتحسن، وأنه يدرس مع قادة الاتحاد الأوروبي نقل سانتا لإحد المستشفيات في فرنسا أو ألمانيا، وفِي لفتة طيبة قدّم رئيس الوزراء اعتذارًا لأطفال العالم لأنهم لن يحصلوا على هدايا عيد الميلاد، ولكن حكومته مسئولة أمام المجتمع الدولي لتدبير الأمر مستقبلًا.
وفِي مكان ما من العالم، قرّرت مديرة أحد ملاجئ الأطفال أن تأخذهم لزيارة بابا نويل في مرضه الأخير، وقد كان. وتجمع حول فراشه قرابة خمسين طفلًا بعضهم فقد أبويه، وبعضهم لم يعرف من هم والديه، وبعضهم من اللاجئين. وفِي لفتة طيبة حمل كل طفل منهم وردة وشمعة مضيئة. وبينما كان ممثل داعمي الملجأ يتحدث لوسائل الإعلام عن الدور الخطير الذي تقوم به المؤسسة الداعمة في رعاية الطفولة المشرَّدة، قام أحد الأطفال بالبدء في الغناء، كان ينشد إحدى أغنيات عيد الميلاد التي حفظها في الملجأ، وفِي تلقائية شاركه إخوته الغناء، صوتهم رقيق عذب بريء مثلهم... وياللعجب! لقد حدثت المعجزة وفتح سانتا عينيه، وعلى الفور تدافع الأطباء والممرضون لغرفته وطردوا الأطفال، فعاد الرجل لغيبوبته. أحد الأطباء ربط بين غناء الأطفال واستفاقة بابا نويل اللحظية، فقام بتشغيل تسجيل لبعض أغاني الأطفال ولكن دون نتيجة، فما كان منه إلا أن طلب من طفلته ذات الستة أعوام أن تغني لسانتا... وصدق حسه وفتح الرجل عينيه لثوانٍ.
في خلال ساعات عُقِد مؤتمر صحفي عالمي، ناشد فيه المتحدث باسم الحكومة زعماء العالم أن يرسلوا أطفالهم ليغنوا لسانتا في دوريات مستمرة على مدار أيام الأسبوع السبعة، واستجاب الآباء والأمهات قبل الحكومات، ومنذ اليوم الثامن عشر من ديسمبر لم ينقطع الغناء ليلًا ولا نهارًا عن قرية سانتا كلوز. وبعد أربعة أيام، أي في اليوم الثاني والعشرين بدأ الرجل في استعادة وعيه، وفِي اليوم الثالث والعشرين طرد كل الأطباء ومساعديهم ورجال الأمن والإعلام. وفِي ليلة الميلاد، وللمرة الأولى في التاريخ ينقلب الوضع، وبدلًا من أن يتسلل بابا نويل للدخول للبيوت ليضع الهدايا للأطفال، فقد حضر الأطفال من شتى بقاع العالم، وأحضر كل منهم وردة وشمعة هدية لجالب الهدايا، وأخذوا يغنون طول الليل رغم برودة الجو، ومن لم يستطع الحضور تجمعوا في الميادين يحملون الورود والشموع ويغنون.
وفِي تلك الليلة، وعلى موسيقى غناء الأطفال، توقفت الحرب في عدة بلدان، وامتنعت الجرائم، وأفاق عدة مئات من الغيبوبة، وأضاء الكوكب الأزرق بملايين الشموع، واشتم سكانه عبير ملايين الزهرات، واغتسل في مطر كثيف من دموع منهمرة من الكثيرين تأثُّرًا، بل أنه لم تُسجَّل ولا حالة وفاة واحدة!
وفِي يوم عيد الميلاد، أعرب الأمين العام للأمم المتحدة عن ارتياحه لاسترداد سانتا لصحته، ومنحه لقب «سفير السلام الدولي»، ولكن بابا نويل لم يسمع بيان الأمين العام، فقد امتطى زلاجته ومضى لأحد الملاجئ ليشارك أطفالها الغناء، فقد اكتشف أنه يتنفس بهجتهم، أمّا في عالم البالغين، فلم يفطن أحد لهذه الحقيقة، وظنوا أن الأكسجين هو ما يحتاجه البشر ليتنفسوا ..
