ماجد سوس
عشرون عاما مضت على هجرتي إلى الولايات المتحدة قضيت معظمها في أسقفية لوس أنجلوس وأتذكر عندما قررت البقاء في ولاية كاليفورنيا الاستقرار في جنوبها، أنا واسرتي،  تكلمت مع أبي الحبيب نيافة الأنبا موسى أسقف عام الشباب وهو بمثابة أبي الذي خدمت معه حوالي خمسة عشر عام وسافر من القاهرة إلى الإسكندرية ليشترك في صلاة إكليلي، قابلته في بداية هجرتي وقلت له أنني توجهت إلى مدينة لوس أنجلوس للعيش هناك فبادرني قائلاً أهنئك فأنت ستخدم مع أحد أحكم رجال المجمع المقدس خدمة وعلماً ونشاطاً ثم أسرد لي صفات كثيرة حميدة عن اسقف لوس أنجلوس (مطرانها الحالي) بكلمات ثناء قلما تجدها في خدام هذا الزمان .
 
مرت سنوات كثيرة كنت فيها شاهد عيان عن خدمة هذا المطران الجليل الذي يعمل بطاقة عشرات الرجال.
 
كنائس هذا عددها كأنك تعيش في مدينة قبطية، تحيطك  كنائسها من كل جهة فعندما كنت أسكن في مدينة إيرفاين – على سبيل المثال – كانت حولي اربعة أو خمسة كنائس قبطية أرثوذكسية كأنك من ساكني شبرا. كل كنيسة تبعد من مثيلتها من عشر دقائق إلى خمسة عشر دقيقة . خدمة قوية، كهنة تم اختيارهم بعناية فائقة، خدام نشطاء، مدارس أحد تعليمية بمناهج جيدة، مدارس أحد أخري خاصة بتدريس اللغة القبطية والألحان الكنيسة حتي أني سمعت تعليقاً من أحد الأباء الكهنة الزائرين من كبار السن أن كنائسكم أعادة ألحان قديمة لم نسمعها منذ عقود كثيرة.
 
 هكذا الرجل حول إيبارشيته إلى كنيسة مضيئة كنجم ساطع يشع بضوئه لمن حوله حتى صارت كنيسة كارزة فكان من الطبيعي أن يقوم معها بإنشاء كنائس قبطية أمريكية سيم عليها آباء ولدوا أو نشأوا في هذا البلد، كنيسة للأمريكيين وللجيل الثاني والثالث من أبناء الأقباط يتعلمون فيها كل ما يخص الكنيسة القبطية من إيمان وعقيدة ودرس كتاب وألحان باللغة الإنجليزية فامتلأت الكنائس وازداد عدد المنضمين لها وصارت أرض لوس أنجلوس ملتهبة بعمل الروح القدس في كل مكان، أسبوع الآلام ، سهرات كيهك ، نهضات القديسين كل المناسبات تجد كنائس ممتلئة. لقد وجدت شباب يقف بالساعات على قدميه في كل مدائح كيهك دون أن يجلس ودون أن يطلب أحد منهم الوقوف.
 
أما عن خدمة الفقراء والمعوزين والمحتاجين والأسر المستورة يعي نيافته جيداً انها من مفاتيح خلاصه وخلاص كهنته وشعبه . يخدم آلاف الأسر في مصر وأفريقيا ويكفلهم منذ سنوات في خدمة جليلة باسم القديسة فيرينا لا يكتفي بالمساعدة المالية بل يتابعهم بكل دقة حتى يسدد احتياجاتهم وحتي تتيسر حياتهم كل هذا في عمل منظم بكل دقة محتفظا بسرية الأسرة المكفولة حفاظاً على كرامتهم.
 
اختاره قداسة البابا تواضروس الثاني ليكون رئيساً لدير القديس العظيم الأنبا أنطونيوس أب رهبان العالم ببرية كاليفورنيا، بالطبع وضع بصماته المباركة، يديره باقتدار وبحكمته المعهودة ومن أجمل قرارته حين ألغى إطعام الشعب بالمال وقرر أن يقدم الدير الطعام مجانا لشعب المسيح وأرسي مبدأه الشهير بإطعام الشعب مجاناً فيسدد الله احتياجات الخدمة بأثني عشر قفة مملوءة .
 
لم يهتم رجل الله أن يكون هو الآمر الناهي والقائد الوحيد لإيبارشية تفوق مساحتها نصف مساحة جمهورية مصر . عيناه مثبتتان على المسيح الباذل المتضع ، قلبه متجه نحو حلم واشتياق وضعه على محراث نشر كلمة الله ومفصّلها باستقامة، بناء بيوت حية خادمة للرب في كل مكان، لذا طلب من قداسة البابا أن يسيم له أسقفان من أولاده الروحيين ليشاركاه الخدمة الرسولية في اتضاع عجيب فأعطى العالم اللاهوتي القدير نيافة الأنبا كيرلس عمادة المدرسة اللاهوتية الأرثوذكسية العظيمة التي أنشاءها وأعطى الخادم الباذل المحبوب نيافة الانبا ابرام مسئولية الخدمات والدياكونية.
 
حين حدثت مشكلة في إيبارشية ملبورن بأستراليا وقدم نيافة الأنبا سوريال طلب إعفاءه من الخدمة هناك، سارع نيافة الأنبا سيرابيون بحكمته المعهودة إلى الطلب من قداسة البابا أن يرسل نيافة الأنبا سوريال للخدمة معه فازدادت الخدمة قوة ونجاحاً دون أن يلتفت لمجد أرضي فاني.
 
قبل ان يتصور أحد أن لي اية مصلحة في الكتابة عن هذا الرجل العظيم فأنا أكتب هذا بعد أن تركت إيبارشية لوس انجلوس لظروف عملي منذ سنوات عدة كما أنني لا التقي نيافته ولا أتحدث إليه ، وإن كان هذا شرف عظيم لي وبركة لا أستحقها . على أن الذي دعاني إلى الكتابة عن نيافته اليوم حين وجدت أن هناك مزايدة على نيافته من أعداء الخير .
 
كل إخوته في المجمع وكل كهنته وخدامه وشعبه ومن تعامل مع الرجل يعرف جيداً نقاء تعليمه وتمسكه الشديد بإيمان الكنيسة الأرثوذكسية ومنهجها وآباءها وتعاليمها وعقيدتها وطقسها بل أنه أعاد أمور طقسية قد أهملت في كثير من كنائس مصر ومن يتابع عظاته ومحاضراته وتعاليمه يجد أنه مطران كنسي مدقق لتعاليم الكنيسة لم ولا ولن يحيد عنها.
 
في منتصف العام المنقضي أعطى المجمع المقدس لإبارشيات المهجر حق تنظيم الخدمة للشعب حسب الاحتياج الرعوي وطالب المجمع الأسقف أن يتحاور مع كهنته ويعود ليشارك قداسة البابا الأمر والطلب .
 
وجد نيافة الأنبا سيرابيون أن جزءً غير قليل من شعبه لا يستطيع حضور قداس العيد والاستمتاع بقراءاته نتيجة صعوبة حصولهم على اجازة في هذا اليوم،  فقرر أن يعيد تجربة قداسة البابا شنودة الثالث الذي قام بها مع الكنيسة الإنجليزية التي أرادت الانضمام إلى الكنيسة القبطية ، فأصدر يومها قداسة البابا شنودة قراراً باستثناء هذه الكنيسة بصلاة العيد يوم ٢٤ ديسمبر وبالاحتفال ٢٥ ديسمبر.
 
صار نيافته على نهج البابا المتنيح وقرر أن يستثني من يرغب لظروف قاهرة من أولاده بإقامة قداس لهم في هذا اليوم وحين وجد ان الكنيسة تتذكر أعياد البشارة والميلاد والقيامة كل ٢٩ في الشهر القبطي وتصلي فيه بلحن الفرح أن يكون هذا القداس قداساً تذكارياً وشدد على أن العيد كما هو يوم ٢٩ كيهك وأن لا يجوز كسر الصوم .
 
أيد قراره وباركه وأثنى عليه قداسة البابا تواضروس وأكد أن من حق الأسقف أن يهتم باحتياجات أولاده وأكد البابا مرة أخرى انه لا مساس بالعيد ولا تغيير لميعاده، بعدها وللمرة الثالثة صدر بيان من كهنة الإيبارشية ورؤساء شمامستها بتأييد قرار مطرانهم وللتأكيد للمرة الثالثة أنه قداس تذكاري ليس عيدا بديلا أو موازياً ثم توالى تأييد آباء المهجر في كل مكان ، حتى بات أمر الاعتراض مَريب ولغرض في نفس يعقوب .
 
الاحتياج الرعوي يا أحبائي ليس له شأن لا بالعقيدة ولا بالإيمان. ولا يمسهما الأقباط الأمريكيون حاليا غالبيتهم هم من الجيل الثالث بمعنى أن الشباب تحت سن الثلاثين هم أحفاد الأقباط الذين أتوا في ستينيات القرن الماضي ، ولدوا في أمريكا، آباءهم وأمهاتهم متوسط أعمارهم في الخامسة والخمسين أتوا هنا في سن الخامسة  إلى الثامنة غالبيتهم لا يعرفون شيئاً كثيراً عن مصر سوى ما تسلموه من الأجداد، هؤلاء الأحفاد يشكلون حاليا يشكلون حوالي ٨٠٪ من الشعب القبطي وغالبية زيجاتهم من غير المصريين علة سبيل المثال، هناك كنيسة في منطقة أورنج كاونتي بها ١٢ جنسية ، دخلوا الكنيسة بالتعميد.  
 
سؤالي اليوم إلى فريسي الكنيسة الحاليين، أيهما يفرح قلب الله أن نصلي ليلة العيد دونهم أم نحاول ان نجمعهم في قداس إلهي يوم عيد الكريسماس لنشعرهم بفرحة الميلاد أيهما يطيب قلب مولود المزود .
 
 هل سألت أنفسكم لماذا تمسك قداسة البابا شنودة  ب٧ يناير – وهو تقويم جريجوري - وترك ٢٩ كيهك حتى أنه في أربعين عاماً صلى عشرة أعياد في ٢٨ كيهك لأنه لم يرغب في تغيير ميعاد ٧ يناير الذي أتفق فيه مع الحكومة المصرية فلماذا لم نسمع أصواتاً تطالب بالصلاة كل اربع سنوات – السنة الكبيسة – يوم ٨ يناير لأنه يوافق ٢٩كيهك دون الالتفات للحكومة المصرية . 
 
من الطرائف المحزنة التي وجدتها على السوشيال ميديا في الأيام الأخيرة ، أحدهم كتب يحذر تحذيراً شديداً من خطورة أن يفطر البعض يوم ٢٥ ديسمبر إذا قمنا بعمل قداس في هذا اليوم ، فرد عليه آخر قائلا يا عزيزين أولاد الكنيسة لن يفطروا المهم أنت لا تفطر فأجاب انا لم اصم بعد ! هكذا من يحملون الناس أحمال عسرة ولا يحملونها .
 
عزيزي الكلام عن إنجازات نيافة الأنبا سيرابيون وخدمته وإيبارشيته وإخوته الأساقفة العاملين معه في كرم الرب بنجاح منقطع النظير ، يحتاج إلى كتب قصدت في عجالة محاولٍ إعطاء رجل الله القليل مما يستحقه مطالبا تعضيداً له من الرب يسوع ملتمساً بركة نيافته وصلاته من اجلنا وأجدد له عهد البنوة مؤكداً له وقوفنا خلفه بكل قوة 
 
وأقول له الرب عن يمينك يا أبي والحرب للرب.