عاطف بشاي
حينما تكالبت قوى الشر.. وتوحدت إرادة الضباع والثعالب للفتك بممدوح الليثى.. تذكرت تلك النصيحة الغالية التي نصحها «مصطفى أمين» لمبدع شاب طموح يحقق قفزات مبهرة في مجاله مردداً: أحذرك من السطوع السريع.. انجح ولكن بالتقسيط حتى لا يتكاثر أعداء النجاح حولك ويتحالفوا ضدك.
و«ممدوح الليثى» كان يجرى في ماراثون طويل بسرعة فائقة.. يحطم المواقع وينسف العوائق.. ويجتاح بقوة وإرادة حديدية كل المعاقل.. ويسبق الجميع وينتزع المناصب.. ويحصد الجوائز.. ويشرئب بقامته إلى عنان السماء.. ويصارع الوقت.. ويغالب النوم.. لذلك انتشرت وذاعت النكتة التي تعبر عن كثرة حصده للمناصب ولكنه رغم ذلك يتمسك برئاسة قطاع الإنتاج.. فقيل إن رئيس الجمهورية عينه وزيرًا للاعلام ورئيسًا لقطاع الإنتاج. وإثر مقال صحفى نشر في إحدى المجلات الحكومية لفق المتآمرون قضايا ضده للإطاحة به.. فقضى في ساحات القضاء سنوات يدافع عن نفسه وعن تاريخه.. وبرأته ساحة الحق.. وشهدت له بالنزاهة والترفع عن اقتراف تلك الخطايا ليعود نقيبًا للسينمائيين ورئيسًا للجمعية المصرية للكتاب ونقاد السينما.. ورئيسًا للاتحاد العام للنقابات الفنية ورئيسًا لجهاز السينما (2001 – 2011).
لم يكن «ممدوح الليثى» بحاجة إلى أقوال الحكماء المأثورة التي تؤكد على أن الأشجار المثمرة هي التي يتم قذفها بالحجارة.. وأن النوابغ والأفذاذ دائماً ما يدفعون ثمناً باهظاً من جراء تلويث الأدنياء والفاشلين وأصحاب النفوس الضعيفة لسمعتهم وشرفهم.. ذلك أن نفسه الكبيرة تجاوزت الأزمة بروح إنسانية فياضة بالتسامح ومغفرة ما سماه بالضعف الإنسانى في تبرير سلوك الذين خانوا وغدروا به وسعوا لتدميره. وحينما قابلته في ذلك الحين قال لى بنبرة سعى أن تكون بسيطة وموجزة إنه إن لم يتسامح مع هؤلاء.. لما استطاع أن يحتمل الحياة دقيقة واحدة.. والعبارة تشى بإشفاقه على نفسه أن ينزلق إلى عاطفة الكره البغيضة التي يعلم أنها سوف ترتد إلى صدره فتؤذى مشاعره وتعكر عليه صفو حياته وتشغله عن النظر إلى أفق أيام جديدة قادمة. أظن أنه أيضاً استلهم فلسفة اليوجا التي تركز في عمق فحواها حول مدلول مثال يورده أحد فلاسفتها حينما يؤكد أن الإنسان إذا كان يقف داخل وسيلة نقل مزدحمة بالركاب وداس أحدهم على قدمه فصرخ من الألم واستشاط غضباً وأوشك على الاشتباك مع المعتدى فإن عليه أن يهدئ من روعه متذكراً أن هذه لحظة.. مجرد لحظة.. لن تبقى أو تدوم في عمر الزمن اللا متناهى.. وأنه لو تمثل حركة الكاميرا (زوم أوت) لرأى الأتوبيس الذي يستقله في حجم ربما علبة الكبريت.. ورأى البشر- وهو واحد منهم- مثل رؤوس أعواد الكبريت، من هنا فقد عاد «ممدوح الليثى» من جديد.. بروح وثابة.. وقلب شاب ينبض بالحب والرغبة المخلصة في التجاوز.. وعزيمة تفل الحديد.. تدهش الأصدقاء وتصعق الغرماء.
وربما كانت معانقة الحياة من جديد.. في حب دون رواسب من ضغينة- كما أتصور- هي كلمة السر التي جعلت شهيته تنفتح من جديد لطموحات إدارية وفنية جديدة.. وقد راعنى شخصياً أن أراه يسعى إلى دخول انتخابات جمعية صغيرة الشأن والقيمة وبلا موارد.. وتكاد تحتضر هي «جمعية كتاب ونقاد السينما» التي لا يتجاوز أعداد المشتركين بها أكثر من مائة عضو. بل إنى صارحته بأن رئاستها لا تليق بمكانته وتاريخه.. فنظر لى بابتسامته الساخرة المعهودة.. وكأنه يلومنى على قصر نظرى.. وكأنه يقول لى إن الجمعية سوف تكبر به.. وفعلاً ما هي إلا أشهر قليلة حتى كان للجمعية كيان وقيمة ونشاطات هامة ومؤثرة.. شأنها في ذلك شأن كل مجال اقتحمه فنفخ فيه من روحه المثابرة لتدب فيه الحياة.
نقلا عن المصرى اليوم