في عصر الفيزياء الكمومية والكوسمولوجيا
سامي خليفة
خلال الأعوام السابقة، استحوذت فكرة أن قوانين الفيزياء مصمَّمة ومضبوطة لاحتواء حياة في هذا الكون على عقول العلماء واللاهوتيين المؤمنين وتفكيرهم على حدٍ سواء. فماذا إذًا عن فكرة الله والألوهية؟.
هل يجب أن يحاول العلماء الإجابة عن أسئلة حول الغرض من الكون؟. يفترض معظم الباحثين أن العلم والدين مجالان منفصلان تمامًا، لكن بينما يستكشف الفيزيائيون أهم خصائص الطبيعة، فإنهم يتعاملون مع قضايا لطالما كانت متقاطعة مع الفلاسفة واللاهوتيين.
سبب الكون
طرح الفيلسوف اللاهوتي في العصور الوسطى توما الإكويني أسئلة عن سبب الكون في كتابه الصادر في القرن الثالث عشر بعنوان "الخلاصة اللاهوتية"، والذي قدم فيه حججًا عدة تثبت وجود الله. ولاحظ أن جميع الكائنات الدنيوية يمكن أن تتغير من القدرة إلى الواقعية. وهكذا، يمكن اعتبار تاريخ الكون كسلسلة لا نهاية لها من التغييرات.
جادل الإكويني بأنه يجب أن يكون هناك كيان متعالٍ بدأ السلسلة، وهو أمر لا يتغير في حد ذاته وهو السبب الجذري لجميع الأسباب، معرفًا هذا الكيان بأنه الله.
الحجة الكوسمولوجية
أصبح هذا المنطق يُعرف باسم الحجة الكوسمولوجية، وشرحها الكثير من الفلاسفة. في القرن الثامن عشر، وصف الفيلسوف الألماني غوتفريد لايبنيز الله بأنه "كائن ضروري له سبب وجود في حد ذاته". ومن المثير للاهتمام أن نلاحظ أن لايبنيز كان أيضًا عالم رياضيات وفيزيائيًا؛ ابتكر حساب التفاضل والتكامل في الوقت تقريبًا نفسه الذي فعله إسحاق نيوتن.
بحلول القرن العشرين، لم يعد معظم العلماء يبتكرون أدلة على وجود الله، لكن العلاقة بين الفيزياء والإيمان لم تُقطع تمامًا. فأينشتاين الذي تحدث كثيرًا عن الدين، لم يكن يؤمن بإله شخصي يؤثر في التاريخ أو السلوك البشري، لكنه لم يكن ملحدًا أيضًا.
فضّل أن يطلق على نفسه اسم "اللاأدري"، على الرغم من أنه كان يميل في بعض الأحيان نحو وحدة الوجود للفيلسوف اليهودي الهولندي باروخ سبينوزا، الذي أعلن، في القرن السابع عشر، أن الله مطابق للطبيعة.
فرضية ستينغر
على الرغم من أن نظرية الكمّ هي الآن أساس فيزياء الجسيمات، فإن العديد من العلماء لا يزالون يشاركون أينشتاين في عدم ارتياحه لآثارها؛ إذ كشفت النظرية عن جوانب تبدو خارقة للطبيعة، حيث إن فعل مراقبة شيء ما يمكن أن يغير من واقعه، ويمكن التشابك الكمومي أن ينسج قطعًا بعيدة عن الفضاء.
تناول فيكتور ستينغر، فيزيائي الجسيمات الراحل، قضية الإيمان في كتابه الصادر في عام 2007 بعنوان "الفرضية الفاشلة"، فرفض المفهوم الإلهي المتمثل في الله الذي يستجيب للصلاة ويشفي الأطفال المرضى، وزعم أن العديد من قوانين الطبيعة (مثل الحفاظ على الطاقة) تتبع حتمًا التماثلات المرصودة للكون، ولا سبب – برأيه - يمنع قوانين الفيزياء من أن تأتي من داخل الكون نفسه.
بالنسبة إلى ستينغر، كان هذا الاحتمال النظري دليلًا على أن الله ليس ضروريًا للخلق، فكتب أن الكون الفارغ يتطلب تدخلًا خارقًا، لا كونًا كاملًا. لكن هذا الاستنتاج يبدو متعجلًا بعض الشيء، حيث لا يفهم علماء العالم الكمومي خلق الكون بشكل كامل حتى الآن، وافتراضاتهم حول اللحظات الأولى من الخلق ليست أكثر من تخمينات في هذه المرحلة.
قوانين الفيزياء
انطلاقًا مما ذُكر آنفًا، لمعالجة هذه القضية نحتاج اكتشاف القوانين الأساسية للفيزياء وفهمها، قبل أن نقول إنها حتمية. كما نحن بحاجة إلى استكشاف الكون وتاريخه بشكل أكثر شمولًا، قبل أن نتمكن من الإدلاء ببيانات محددة حول أصوله.
إذا أخذنا في الحسبان أن فرضية الخلق الكمومي صحيحة، وافترضنا أننا نعيش في عالم يُولد قوانينه الخاصة وأوجد نفسه، ألا يبدو هذا مثل وصف لايبنتز لله بأنه "كائن ضروري له سبب وجوده في حد ذاته؟". وهذا مشابه أيضًا لفلسفة سبينوزا الواحدية، أي اقتراحه أن الكون ككل هو الله.
لذلك، بدلًا من إثبات عدم وجود الله، ربما يوسع العلم تعريفنا على الألوهية.
نقلا عن إيلاف