ناجي جورج وهبي
التاريخ القديم يحذر الجيش التركي ومليشيات المرتزقة من كل جنس في ليبيا 👊 ..
...
تجمعوا على الحدود الغربية طمعًا في الوادي.. والفرعون عبأ الجيش المصري في أيام
جياع جاءوا من وراء البحر الأسود.. أجناس ولغات مختلفة.. والمعركة كانت مثل "نهاية العالم"
على جدران معبد مدينة هابو الفرعوني بالأقصر، ينتصب رمسيس الثالث بملابسه العسكرية فوق عربته الحربية الملكية، مطاردًا أعداء مصر الذين تجمعوا في ليبيا وطمعوا في السيطرة على وادي النيل.
كان ذلك قبل آلاف السنين، لكن الحدث العسكري الذي خلّد مسيرة رمسيس الثالث في سجل المعارك العسكرية الكبرى، قد يحمل دلالات عن الحاضر.
الآن، باتت ليبيا، كما كانت في العام 1190 قبل الميلاد، معقلا لتربص تركي بالدولة المصرية، وبدأ الحكام العثماني الذي يحلو له تخيل تكرار أمجاد سلطنة الأتراك، في تجميع مقاتلين أجانب في جارة مصر الغربية.
في كتاب "الفرعون الأخير.. رمسيس الثالث أو زوال حضارة عريقة"، لمؤلفه فرانسيس فيفر، ترجمة فاطمة البهلول، يصف لنا معارك الفرعون المصري مع "شعوب البحر"، الأعداء الذين تجمعوا في ليبيا، والذين انتصر عليهم ثلاث مرات في الأعوام 1193، 1190، 1187 قبل الميلاد.
يقول المؤلف إن أخبارا "سيئة جدا" وصلت من الدلتا إلى مسامع فرعون تفيد بأن هناك تجمعا عظيما للجيوش المعادية على حدود الأراضي المصرية المتاخمة للصحراء الليبية في الغرب.
سريعا بدأت الاستعدادت للمعركة: "بدأ النُساخ يطوفون في شوارع المحافظات للبحث عن الشباب الأشداء لضمهم إلى فرق جيش فرعون التي لم تكن أعداد المحاربين فيها كافية".
كانت عملية حشد كبرى، ففي طيبة، مركز الحكم آنذاك، "كان مستشارو رمسيس الثالث يسهرون على تنظيم الاستدعاء، حيث تركت فرق الجيش والمسعتمدية العسكرية مواقعها في الحاميات وتمت التعبئة في كل الوادي بسرعة كبيرة لخطورة الوضع".
من كان هؤلاء؟ إنهم "شعوب البحر"، وهي كلمة كان مبعوثو أقاليم الدلتا يرددونها على مسامع رمسيس الثالث وهم يتوسلون إليه بالإسراع وهم ساجدون أمام القبة الملكية.
غير أن هذا الخطر لم يكن جديدا على الدولة المصرية آنذاك؛ "فقد صد الفرعون ميرنبتاح، خليفة رمسيس الثاني، أول هجوم لهم منذ ثلاثين سنة، فبقي هؤلاء الغزاة المجهولون هادئين في ظل الإمبراطورية في السنوات التي تلت هذا الهجوم".
لكن الخطر عاد ليتفجر من جديد، كما يقول المؤلف الذي يبدأ في توضيح من هم "شعوب البحر"، قائلا إنهم أقوام رُحل كانوا يعيشون وراء البحر الأبيض المتوسط وجبال الأناضول الصعبة، فيما وراء البحر الأسود، حيث توجد أراض باردة، فيها سهول مليئة بالثلوج في الشتاء ويلفح الهواء الساخن حقولها في الصيف.
تلك القبائل الهاربة في الأغلب كانت "قادرة على اكتساح المشرق والمغرب على حد سواء، وعلى اقتحام سهول الأرز الصينية في الشرق، أو تنظيم غزوات ستتدفق على خزائن القمح في بلاد أخرى، بلاد تقع على شواطئ البحر الأبيض المتوسط".
هم قبائل جائعة إذن، يحطون على أي مكان مثمر. لذلك فإنه لم يكن يفوتهم "الشواطئ الرملية الليبية، الطويلة والخالية، والتي تبعد مسافة مسير بضعة أيام فقط عن الدلتا".
ذلك لأن "البلاد التي لجأوا إليها كانت ضيقة نوعا ما، فالسهول للزرع والمدن أقل وأصغر من أن تحوي هذا العدد من الجياع، أضف إلى ذلك مقاومة سكان البلاد الأصليين".
كان مستقرهم في تلك المرة في ليبيا، على حدود مصر، وهناك "نصبوا خيامهم واستقروا شيئا فشيئا"، لكن كان "لا بد أن تغريهم الواحة الخضراء الثرية القريبة منهم؛ فعرباتهم الكبيرة وخيولهم وحشود أطفالهم لن تستطيع البقاء طويلا في هذه الرمال أو في سهوب الشواطئ الليبية المقفرة".
وفي صورة قريبة من الوضع الحالي، كان هؤلاء أقوام مختلطة، متعددة اللغات، تردد أغاني الحرب والفرح تاركة وراءها النساء والأطفال لتستدعيهم فيما بعد إلى الواحة الواسعة التي سيخضعها الغزاة المنتصرون.
ويصف المؤلف منظرهم قائلا: "كان أصحاب الشعر الأشعث يسيرون إلى جانب محاربين آخرين يرتدون قبعات ذات قرون، وهناك أيضا أصحاب الدروع الدائرية الكبيرة. لقد جمعهم القدر في سرب مختلف الأجناس أضحى الليبيون فيه جزءًا متمما فقط".
جمع رمسيس الثالث جيشه وجاء به من الجنوب في رحلة طويلة ومرهقة إلى الشمال. وعند الدلتا استراح الجنود لتجديد نشاطهم استعدادا للمعركة الوشيكة.
يقول المؤلف: "كان لكلمة فن الحرب شأنها في البلاط الملكي، ففي الصباح تُعطى الإشارة، فتُنقر الأبواق في المخيمات ويصطف المقاتلون خلف الراية والقادة، فتلمع قبعاتهم الدائرية الشكل تحت الشمس على اعتماد البصر، وتملأ الحراب كل شبر من السهل".
ولدينا أيضا وصفا دقيقا لجنود الجيش المصري وزيهم العسكري: "لم تكن جموع المقاتلين ترتدي سوى تنانير بسيطة – باستثناء البعض الذين كانوا يتباهون بثيابهم الجلدية التي تشكل حماية ناجعة ضد نبال العدو؛ ولكن من حسن الحظ أن الدروع الجلدية الطويلة كانت مرصوصة إلى جانب بعضها البعض لكسر أول موجة سهام يرميها العدو".
ويشير الكاتب أيضا إلى العلاقة المميزة بين الجنود وبين عرباتهم الحربية: "كانت العربات تسير على أصوات الأبواب الحزينة مثيرةً غيوما من الغبار وراءها، وكان كل حوذي يمدح الحيوانات التي تجر عربته وينعتها بأسماء حربية وشبه دينية، ثم يضربها بالسياط عندما تئن من ثقل الحمولات على ظهرها".
اخترق الجيش المصري الصحراء والتقى بالعدو عند وادي النطرون، وهناك شن المصريون هجوما كاسحا على هؤلاء الأغراب عن وادي النيل.
يصف المؤلف قائلا: "كان المشهد في ساحة المعركة شبيها بنهاية العالم، فحطام العربات يملأ المكان، والخيول المبتورة كالموتى تغطي الأرض. الآن ستطمئن الملكة إيزيس وستعود روح أبيه إلى الموتى وهي مشبعة بدم الأعداء. اليوم، أنقذ رمسيس بلاده، وهو بذلك دخل التاريخ".
كان العنف هو عنوان المشهد، إذ أدب رمسيس الثالث أعدائه بشكل عنيف للغاية، وهي ممارسات كانت في ذلك العصر دليلا على القوة وفرض الإرادة.
يروي المؤلف: "لم يكن المنظر المريع لهذه الأعضاء المبتورة يؤثر البتة في رجل النيل، ولا في فرعون. ها هو يتبختر بعظمة أمام الأسرى المرميين أمامه كيفما اتفق، حيث يأتي الشاردانيون ذوي البشرة البيضاء والقامة الطويلة خلف الليبيين ذوي البشرة الداكنة".
ويختم واصفا المشهد الأخير: "لم ير رمسيس في حياته هذا العدد من ذوي السحن الغريبة والشعر المحلوق والوجوه المحاطة بضفائر طويلة. كانوا جميعهم ملطخين بالدماء والتراب، ونظرات الخوف في عيونهم تحدق بسيوف الحرس الملكي
نقلا عن الفيسبوك