خالد منتصر
أرسلت لى صديقة مغربية تعيش فى إسبانيا تلك الرسالة: «لقد ألغيت رحلتى إلى مصر، لا أريد أن أتعرض للتحرش الذى تعرضت له فتاة المنصورة»!!، حزنت وغضبت واختنقت من تلك الرسالة المخجلة، مشهد الضباع البشرية وهم يتحرشون بتلك الفتاة مقزز ومؤلم وجارح ومهين، الشارع لم يعد للبنت المصرية، فما بالك بالأجنبية، والسياحة ليست آثاراً وشواطئ، بل هى قبل ذلك شارع آمن دون عيون لزجة أو ألسنة وقحة أو أيادٍ سافلة أو آذان متطفلة، لكن تلك الضباع التى تمرح فى غابة من الشوارع الطاردة للبنات، هى مجرد دمى ماريونيت لمحرضين شكلوا تلك العقلية المستبيحة والمتطفلة، التى تتعامل مع المرأة على أنها قطعة لحم طرية أو فريسة تنتظر الصياد الفحل، المحرض هو من خدع البنت وأوهمها بأنها حلوى مغلفة حمايةً من الذباب، المحرض هو تيار يدين البنت بشعار «تستاهل»، لأنها هى اللى لابسة ما يهيج غريزتى، المحرض هو نجم نوّمنا مغناطيسياً حين قال: «إن فى تبرج المرأة إلحاحاً منها فى عرض نفسها على الرجل»، واستخدام كلمة «التبرج» كتزييف وعى ومرادف لدعارة الجسد، بحيث تترجم فورياً فى الوعى اللاجمعى لتحمل سمعة سيئة. المحرض هو من كان يمنحنا الفتاوى الرسمية، ثم صار نجماً للوسطية المزعومة، وهو الذى قال: «إن من هى بدون حجاب قد أسقطت عنها الرخصة»!!،
إذن وطبقاً لفتواه فلننظر بلزوجة وبجاحة كما نشاء تهييجاً لغدة التحرش والاغتصاب فيما بعد، منح التمهيد للتهديد، المحرض هو الداعية المدلل الذى قال: «عدم الحجاب تعرٍّ، فهو يستفز ذكورتى»!!، فالبنت هى مجرد أداة أو سبيّة لها احتياجات، كما ذكر فى مناسبة أخرى، هى فقط فى خدمة ذكورة فضيلته وفحولة معاليه، المحرض هو محامٍ إسلامى سلفى ونجم تليفزيونى وضيف مزمن على التوك شو، هو الذى قال: «التحرش بمن ترتدى الجينز واجب وطنى»!!،
المحرض هو الداعية الشاب الكاجوال الكيوت الذى قال: «اللى يشوف بنت لابسة قصير وما يتحرش بيها ما يبقاش راجل»!!!، بعد كل هذه الهستيريا من الفاشية الدينية نتساءل وبسذاجة: من أين جاء كل هؤلاء الزومبى؟!، أو على رأى الشاعر صلاح عبدالصبور الذى تساءل: متى ترعرع فى وادينا الطيب كل هؤلاء السفلة والأوغاد؟!!، ترعرعوا، شاعرنا الراحل الجميل، عندما طُردت أنت وكل جميل مبدع وكل فنان حقيقى وكل مستنير مهموم من الساحة لكى يحتلها هؤلاء، سماسرة الدين وتجار الدم، أصحاب بوتيكات الورع المزيف وبازارات التقوى الخادعة، المؤلفة جيوبهم من البيزنس الدينى والطيران على رحلات الأماكن المقدسة!، الشارع تمت مصادرته لصالح الذكر منذ أن سادت ثقافة القبح، فصار الشارع هو المكان الطبيعى لقمامة النفايات بكل أشكالها من الورقية والبلاستيكية وحتى النفايات الذكورية، نريد استعادة الشارع للبنت المصرية،
تمشى فيه بكل أمان وبدون أن تقتحمها حتى النظرة المتطفلة، فالنظرة أيضاً هى نوع من أنواع التحرش، لا بد أن تكون البنت المصرية محصنة من هؤلاء الضباع، ومن يبرر تحت أى سبب هذا التحرش هو مجرم مشارك، ولتكن أغنية صلاح جاهين فى فيلم عودة الابن الضال هى شعارنا: «الشارع لنا.. إحنا لوحدنا.. والناس التانيين.. دول مش مننا»، الناس التانيين المتحرشين الذين ترعرعوا فى وادينا الطيب هم حشائش ضارة ستخنق وتغتال زهور الياسمين والفل فى حديقة الوطن، ذلك الوطن الذى يستحق بنات إيزيس لا أولاد إبليس.
نقلا عن الوطن