بقلم: مايكل مجدي

لطالما أعجبت بفكر ابن رشد الفيلسوف الإسلامي الرائع، منذ فترة كبيرة ولكن الفضل الأكبر الذي أكنه لمن عرفني بابن رشد هو المخرج يوسف شاهين من خلال فيلم المصير حيث كان أول مرة اسمع عن هذا الرجل الجليل.

ومن خلال ترقبنا لسباق الرئاسة المصري فكرت بالرجوع لما قاله ابن رشد عن مواصفات الحاكم الفاضل في نظره، ربما تعطينا معايير للاختيار، خصوصاً ما شاهدنا من انتكاسه حضارية في قيم الكثير مِن مَن تهافتوا علي صناديق الانتخاب بدافع مرضاة الله وربح الجنة !!!!، ففكرت في الرجوع لمفكر إسلامي يسلفنا في الزمن والتاريخ، بما يحمله من ثقل فكري وديني رفيع.
 
ويسجل عن ابن رشد فكتاب "ابن رشد: فيلسوف الشرق والغرب" فباب "ابن رشد وأشكال الحكم السياسي، د. صالح مصباح" عن الدستور الفاضل في ستة أشكال علي النحو التالي:
 
أولاً. "حكم الملك الفيلسوف" ويشرح ابن رشد مفهومه هذا بأن الطبقة الحاكمة والمناصب القيادية في الدولة يجب أن تكون من الفلاسفة والعلماء المتخصصين لأنها تملك المعرفة النظرية والخبرة العملية وأن دور الحاكم ينحصر في كيفية دفع الدولة إلي خيرها الأكبر وإبعادها عن الشر الأكبر، وعندما أتأمل في المرشحين للرئاسة فأجد منهم من يضع ببرنامجه محاربة إسرائيل وهدم الاستثمار السياحي وضيق الأفق في العلاقات الدولية ورغم ذلك يلتف حوله الكثيرين ومحركهم الوحيد أنه (متدين) ولا هو أكثر المرشحين علماً ولا ثقافة ولا حكمة ولا شهادة فقط لكونه (بتاع ربنا) يختاروه ويتركون العلماء والباحثين في مجالات العلوم السياسية والاقتصاد وأصحاب الجوائز العالمية، وأعتقد أن كونه متديناً لا يفيد في غير سؤاله عن أمور الدين، أما الدنيا فنتركها لأهل الدنيا أهل ذكرها العالمين بحالها، فنحن دولة لا تحتاج لتدين فعندها ما يكفي ويفيض بل تحتاج لحل لمشكلاتها العملية.
 
ومن الطريف أن يضيف ابن رشد في هذه النقطة شرط جانبي يجب أن يكون فالحاكم وهو أن يكون "سريع الحركة قوي الجسم" ولا اعتقد أن هذا بسبب طبيعة خروج الحاكم للحرب راكباً فرسه ولكني اعتقد أن صحته ولياقته الجسدية تعني ترويضه لجسده وعدم تدليله له وأيضاً حماسه ونشاطه وهذه مواصفات خفيه فالحاكم صعب اكتشافها فيستدل عليها ابن رشد من خلال شكله الجسدي، وعلي ذلك أعتقد يجب تنحيه بعض ذوي الأجساد البدينة وذوي العقول العتيقة.
 
ثانياً: ويستعرض ابن رشد النوع الثاني من الحكم تحت اسم (مجرد ملك) ويندرج تحت هذا العنوان العديد من الصفات المؤهلة له كحاكم للدولة مثل الحكمة والتعقل والقدرة علي الإقناع وجودة التخيل والقدرة علي الحرب ببدنه، ويمكننا صياغة هذه الصفات بشكل معاصر من نفس جوهرها بأن نقول بلزوم امتلاكه ( كاريزما ) أي قدرته علي الخطابة والتأثير والاقتناع التام برسالته ومحتواها وطريقته للوصول إليها، فالحاكم يجب أن يكون صاحب حلم يشمل كل شعبه فلا يعقل مثلاً أن يكون حل مرشح للرئاسة هو تطبيق الشريعة الإسلامية فبلد بها تعددية دينيه ولا تقبل فرض الشريعة عليها ولا يفيد القول بان غير المسيحيين الإشتراع لشرائعهم فهم يهتمون لأمر دولتهم التي لا يتوقعون نجاحها وتقمها تحت سقف نظرة الحاكم للشريعة وطريقته في استخدامها لإدارة الدولة، أما عن اللياقة الجسدية فكان لغة الحرب وقتها أما لغة الحرب في وقتنا هذا تعني العولمة والتكنولوجيا وعلوم الاقتصاد والسياسة والبحث العلمي‘ هذه هي قوانين اللعبة الجديدة والحاكم الذي لا يدركها جيداً ويكون ماهر في استخدامها، يضيع ومعه شعبه ومصيرهم ومصير الأجيال القادمة.
 
ثالثاً: ويخرج ابن رشد في هذا النوع من قيادة الفرد إلي قيادة الجماعة وهذا النظام يشبه الكثير من الدول المتقدمة في وقتنا الحالي، والعجيب أن تستخدم دول الغرب نظريات ابن رشد وتنتفع بها أما عن الشعوب العربية والمسلمة فتقوم بتكفيره أو إهمال ما تركه من تراث فكري، متعلقين بنظرة ضيفة للنظام الحاكم، وأما عن النوع الثالث فمضمونه أن تتكفل مجموعة من الإمساك بمقاليد الحكم فيهتم كل شخص بجانب يحقق فيه الكمال وتتجمع كل الجوانب بكمالها لتنتج لنا حكم كامل الصفات ويضع ابن رشد تخيله أن يكون منهم من يتهم بالحكمة ( العلم ) و التعقل ( الدبلوماسية ) وجودة الإقناع ( الكارزما ) وجودة التخيل (حالم باحث صاحب رؤية ) والقدرة علي الجهاد ( فن الإدارة والتنفيذ للمخططات )، ويدمج هؤلاء جميعاً في التكريس لهدف واحد وهو الحفاظ علي المدينة وتحقيق السعادة الحقيقية للشعب وإقناع أهل الدولة بما يجب أن يفعلوه، كنت اتوقع أن يسهل علينا رأي ابن رشد القضية لكنه زاد من صعوبتها، فبالوقت الذي يصعد فيه التيار الرجعي العائد للماضي سائراً عكس عقارب الساعة ينطلق بنا ابن رشد راكباً بساطه السحري ليعبر بنا فوق الدول المتقدمة لنواكب الركب ونلحق بقطار الأمم.
يتبع