الأقباط متحدون | تحولات المشروع الإسلامي
ستظهر الصفحة بشكل مختلف لآنك تستخدم نسخة قديمة من متصفح أنترنت أكسبلورر، استخدم نسخة حديثة من انترنت اكسبلورر او أى متصفح أخر مثل فايرفوكس لمشاهدة الصفحة بشكل أفضل.
أخر تحديث ٠٩:٤٧ | الخميس ٢٣ فبراير ٢٠١٢ | ١٥ أمشير ١٧٢٨ ش | العدد ٢٦٧٩ السنة السابعة
الأرشيف
شريط الأخبار

تحولات المشروع الإسلامي

أيلاف | الخميس ٢٣ فبراير ٢٠١٢ - ٤٨: ٠٢ م +03:00 EEST
حجم الخط : - +
 

لفت نظري بشدة أن تعليقات قرائي الكرام على مقالي الماضي "العقل الإسلامي بين الانفتاح والانغلاق" (نشر يوم 15/2/2012) وصلت إلى ما يزيد عن أربعين تعليقاً، تناولت الموضوع من زوايا متعددة، وعكست اختلاف الآراء إزاء مشكلة الدين والسياسة، والتي عني بها الفكر العربي المعاصر منذ عقود.

ولكن الذي يبرر إعادة مناقشتها في الواقع هو تغير السياق التاريخي الذي يمر به المجتمع العربي، وخصوصاً بعد ثورات تونس ومصر وليبيا.

صورة ارشيفيةومعنى ذلك أننا أمام دخول المشروع الإسلامي -إن صح التعبير- مجال التطبيق، ولم يعد النقاش بصدده محض جدل فكري أو صراع أيديولوجي وسياسي بين الفصائل السياسية المختلفة، بمن فيهم الليبراليون واليساريون.

وفي تقديرنا أنه من الضروري المناقشة النقدية للأصول التاريخية للمشروع الإسلامي وتحليل مفرداته، ورصد تحولاته عبر الزمن استجابة لتغير الظروف التاريخية. ومن ناحية أخرى ينبغي التمييز بين رؤية المشروع الإسلامي من وجهة نظر أنصاره ونقاده من داخل المجتمع العربي، ورؤيته من وجهة النظر الغربية وبالأخص الرؤية الأميركية، وخصوصاً بعد الأحداث الإرهابية التي وجهت ضد الولايات المتحدة، التي أظهرت لها خطورة التيارات الإسلامية المتطرفة، وضرورة تدعيم التيارات الإسلامية المعتدلة.

في كتابنا "الكونية والأصولية وما بعد الحداثة"،(القاهرة، 1996) تسجيل دقيق للجدل الفكري الذي دار على صفحات جريدة "الأهرام" عام 1994 بيني وبين قطبين من أقطاب المشروع الإسلامي أولهما هو الدكتور "أحمد كمال أبو المجد"، الذي يعتبره عديد من المراجع رمزاً لتيار الإسلام المعتدل، والشيخ "يوسف القرضاوي"، الذي يعتبر -في رأي بعض الباحثين- رمزاً من رموز التشدد الديني، على رغم دعوته لوسطية الإسلام.

وقد يدعم هذا الرأي الأخير التصريح الذي أدلى به مؤخراً ونشرته جريدة "المصري اليوم" بتاريخ 20 فبراير 2010 على صفحتها الأولى تحت عنوان "الليبراليون دخلاء على مصر وبلا مستقبل"، وقد نقلت الصحيفة آراء "القرضاوي" عن موقع التواصل الاجتماعي "الفيسبوك"، حيث قال بالنص "إن أصحاب التيار الليبرالي دخلاء على الشعب المصري لأنهم يرفضون شريعة الإسلام، ولا أظن أن لهم مستقبلاً في الحياة السياسية، إلا إذا خاب الإسلاميون فسيأخذون فرصة وقتها"وأضاف "الليبراليون لهم تواجد في الإعلام أقوى من الإسلاميين لأنهم أحزاب وقوى سياسية متعددة ولهم في الإعلام أدوات كثيرة وصحف وقنوات ولديهم قدرات أكثر من واقعهم بكثير".

ومن الغريب أن حزب "الحرية والعدالة" لم تصدر عنه تصريحات شبيهة فيها رفض مطلق للتيار الليبرالي، وادعاء بأن الليبراليين دخلاء على الشعب المصري، على رغم تجذر هذا التيار في التربة المصرية منذ عقود عديدة.

والواقع أن الجدل الذي ثار بيني وبين الدكتور "كمال أبو المجد" دار حول كتيب بعنوان "رؤية إسلامية معاصرة": إعلان مبادئ (الطبعة الثانية دار الشروق 1992). وقد قدم لهذا الكتيب وصاغ هذه الرؤية الدكتور "أبو المجد" بعد مناقشات جادة دارت بين عشرات المنتمين للمشروع الإسلامي.

وقد أبرز الدكتور "أبو المجد" المبادئ التي يمكن أن يقوم عليها أي حكم إسلامي، وعلى رأسها مبدأ الشورى في تقدير أمور المجتمع، ومبدأ مسؤولية الحكام عن أعمالهم، ومبدأ سيادة التشريع المستمد من مصادره الإسلامية على كل سلطة في الجماعة، ومبدأ احترام حقوق الأفراد وحرياتهم.

وقد وجهت نقداً لهذه الوثيقة المهمة على أساس أن هذه المبادئ لا تفرق كثيراً عن المبادئ السائدة في الليبرالية المعاصرة، وبالتالي تساءلت لماذا يصف أصحاب البيان أنفسهم إذن بأنهم يدعون لتيار إسلامي جديد؟

والواقع أنني بعد مرور هذه السنين الطويلة التي مرت على هذا الجدل أدرك الآن أنني أخطأت في توجيه هذا النقد، ولم أكن موفقاً في تقدير أهمية البيان في كونه كان تعبيراً مبكراً عن تحول أساسي في المشروع الإسلامي في مواجهة التيارات المتطرفة، التي كانت تحبذ استخدام العنف ضد الدول العلمانية الكافرة!

غير أنه يمكن القول إن الجدل الفكري الذي دار بيني وبين الشيخ القرضاوي حول دعوته لإحياء "الخلافة" من جديد ما زلت مقتنعاً حتى الآن بنقدي له. وذلك على أساس أن هذه دعوة مثالية تتجاهل الظروف المحلية في البلاد العربية وتغيرات النظام العالمي في الوقت نفسه.

ودعوة القرضاوي إلى إعادة إحياء الخلافة من جديد واختيار خليفة إسلامي واحد يحكم كافة البلاد الإسلامية تعد صناعة مفتعلة لهوية إسلامية متخيلة!

غير أنه يمكن القول إن للهوية الإسلامية المتخيلة أركاناً متعددة، سياسية ومعرفية واقتصادية وثقافية واجتماعية. وربما كان من أبرز أركانها السياسية رفعها لشعار "الشورى" لنفي صحة الديمقراطية الغربية.

وإن صح أن الشورى كانت هي المكون السياسي الأساسي للمشروع فإن "أسلمة المعرفة" هي المكون المعرفي.

و"أسلمة المعرفة" مشروع واسع المدى أسسه الناشط الإسلامي "طه جابر علواني" مدير مركز البحوث الإسلامية في واشنطن، وخطط له على أساس فكرة خيالية ساذجة مبناها "تلخيص المعرفة الغربية" في مجال العلوم الاجتماعية والإنسانية، ثم إعطاؤها لعدد من العلماء الاجتماعيين المسلمين "لأسلمتها"!

أما في مجال الاقتصاد فلدينا مزاعم وجود "اقتصاد إسلامي" متميز بمناهجه ونظرياته وتطبيقاته عن الاقتصاد العالمي. وقد نشأ هذا الاقتصاد في الهند في الأربعينيات كمحاولة لخلق هوية إسلامية متخيلة في سنوات الاستعمار الإنجليزي الأخيرة. ودارت السنوات من بعد لتصعد حركة "البنوك الإسلامية"، وتنتشر في عديد من البلاد العربية والإسلامية، وتؤثر فعلاً في السلوك الاقتصادي لملايين المسلمين. غير أن هذه التجربة -وفق شهادات موضوعية متعددة- فشلت أحياناً، لأنها -مثلها في ذلك مثل مشروع "أسلمة المعرفة"- أقيمت، في بعض الحالات، على أسس واهية، لأن بعض هذه البنوك -على عكس ما يدعي أصحابها- متكاملة عضويّاً مع البنوك الأخرى التي يطلق عليها وصف ربوية، وذلك لسبب بسيط مؤداه أنه لا يمكن اختلاق اقتصاد منفصل عن الاقتصاد العالمي. وإذا ألقينا النظر إلى مجال الثقافة، فإن هذا المشروع الإسلامي في صيغته المتطرفة يمارس التحريم في المجال الفكري والثقافي، كما أثبتت التجربة في مصر وغيرها من البلاد العربية والإسلامية.

وذلك لأن التيار السلفي على وجه الخصوص يريد أن يلعب دور محاكم التفتيش في العصور الوسطى الأوروبية، فيقوم بدور الرقيب على الأعمال الفكرية والأدبية والفنية، ويمارس التحريم بكل تزمت، ويدعو لمصادرة الكتب والأعمال الفنية، ويتهم أصحابها بالكفر والردة عن الإسلام.

وقد وصلت الفوضى مداها باستخدام دعوى الحسبة بطريقة فوضوية، بحيث كان أي عابر سبيل يستطيع أن يرفع هذه الدعوى على أي مفكر أو باحث أو مبدع. والتفتت الدولة المصرية مؤخراً لهذا الخطر المحدق بحرية التعبير، فألغت دعوى الحسبة، وتركت هذه المسائل في يد النيابة العمومية.

وفي مجال القيم فإن أصحاب هذا المشروع الإسلامي المتشدد من غلاة السلفيين، يريدون أن يحكموا الماضي وقيمه وحلوله في مشكلات الحاضر. ولذلك فهم يرفضون قيم الحداثة بما تنطوي عليه من احترام حقوق الفرد، وتحكيم العقلانية باعتبار أن العقل هو محك الحكم على الأشياء، ويميلون إلى اعتقال المرأة في البيت، وحرمانها من حق العمل، وينزعون إلى تحريم الاختلاط بين الجنسين في المدارس والجامعات.

وفي هذا السياق اشتدت الدعوة إلى الحجاب، بل بدأوا بالدفاع عن النقاب. وباختصار فإن التزمت في الملبس، والانغلاق في الفكر، والعداء في مجال التفاعل الحضاري مع الآخر، هي السمات الأساسية لهؤلاء الذين يروجون للهوية الإسلامية المتخيلة.




كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها



تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :
تنوية هام: الموقع غير مسئول عن صحة أو مصدقية أي خبر يتم نشره نقلاً عن مصادر صحفية أخرى، ومن ثم لا يتحمل أي مسئولية قانونية أو أدبية وإنما يتحملها المصدر الرئيسى للخبر. والموقع يقوم فقط بنقل ما يتم تداولة فى الأوساط الإعلامية المصرية والعالمية لتقديم خدمة إخبارية متكاملة.
تقييم الموضوع :