( 329- 379 )
إعداد / ماجد كامل
مقدمة :-
يعد القديس باسيليوس الكبير ("329- 379 ) واحدا من أهم أعمدة الكنيسة في الخمسة قرون الأولي ولقد أطلق عليه المؤرخون هو والقديسين ذهبي الفم وغريغوريوس الناطق بالإلهيات لقب "الأقمار الثلاثة " وفي هذا المقال سوف نعرض لحياته وصفاته واهم كتاباته
أولا :حياته :-
-ولد القديس باسيليوس الكبير في مدينة قيصرية الكبادوكية عام 329 " وكان والده يعمل أستاذا للبلاغة (ومنه تشرب أول مبادئ الفصاحة والبلاغة )أما والدته فتدعي "اميليا" . وهو من عائلة قديسين فأخوه هو القديس غريغوريوس أسقف نيصص . وأخيه الأخر هو القديس بطرس أسقف سبسطية أما أخته فهي القديسة ما كرينا وكانت رئيسة دير للراهبات
تعليمه وثقافته :-
درس القديس باسيليوس الآداب والفلسفة والبلاغة في قيصرية كباد وكية والقسطنطينية وأثينا . وعمق هذه الدراسات بالكتاب المقدس والعلوم اللاهوتية . ولقد أثرت امتزاج الثقافتين "الدينية والدنيوية " في تعاليمه كما سنري فيما بعد
زيارته لمصر :-
لما كان من أسرة غنية فلقد قام بعمل عدة جولات سياحية في مصر وسوريا وبلاد ما بين النهرين . وقام بزيارة الأديرة المصرية وتعرف علي رهبانها ونظامها وكان أحد الحلقات الهامة في الربط بين الرهبنة المصرية والرهبنة الأوربية (وبقية الحلقات نذكر سيرة القديس انطونيوس للقديس اثناسيوس الرسولي – زيارة بعض السواح الأجانب للرهبان المصريين ونذكر منهم روفينوس – جيروم – يوحنا كاسيان … الخ )
+رسامته قسا ثم أسقفا :-
تمت رسامته قسا في عام 364 م وبعد 6 سنوات تمت رسامته أسقفا "عام 370 م" علي قيصرية الكبادوك وذلك بعد منافسة قوية مع أشخاص آخرين كان الإمبراطور يساندهم
المشاكل التي واجهته في اسقفيته :-
1- الأساقفة القدامى :
أول فريق ناصبه العداء هم الأساقفة الذين كانوا معارضين لرسامته أسقفا وكانوا يعاملونه باستخفاف مظهرين له العداء ولكنه استطاع أن يكتسب ودهم بالحكمة والحزم والوداعة
2- تقسيم كباد وكية :-
صممت حكومة الإمبراطور علي تقسيم الإمبراطورية إلى قسمين وكان هدفهم من ذلك هو تقليص نفوذ القديس باسيليوس الكبير وقام الإمبراطور برسامة أسقف مناؤي للقديس وحدثت منازعات كثيرة بين الأسقفين حول حدود اختصاصات كل منهما
3- الإمبراطور فالنس :-
وهو اصل كل المشاكل و أكبرها فهو أساسا اريوسي النزعة . حاول إحلال الاريوسية محل الأرثوذكسية ؛ فارسل رسول إلى القديس يدعي مودستوس" يخيره فيها بين أمرين :- أما العزل أو الخضوع للاريوسين ؛ فرفض القديس الاختيارين فازداد الرسول وقاحة وهدده أما بمصادرة أملاكه أو النفي أو التعذيب أو الموت ؛ فرد عليه القديس أما عن المصادرة فليس لديه ألا هذه الخرق وهذه المجموعة من الكتب ؛ أما عن النفي فللرب الأرض وملؤها وجميع الساكنين فيها ؛ أما عن التعذيب فهو لا يفيد جسدا قد مات بالفعل أما عن الموت فهو الصديق الحقيقي الذي سيصحبه في رحلته الأخيرة إلى السماء؛ ازداد الرسول غضبا اكثر وقال له (انه لم بجد أسقفا يكلمه بمثل هذه الوقاحة من قبل) ؛ فرد عليه القديس (ذلك لانك لم تقابل أسقفا حقيقيا من قبل ) .
وذهب الرسول "مودستوس" إلى الإمبراطور وابلغه بالأمر . وطلب منه استعمال العنف ضد القديس فرفض الإمبراطور في البداية خوفا من نفوذ القديس . ولكنه إزاء الضغط الواقع عليه من الحاشية اصدر أمرا بنفي القديس ورتب أن يكون الأمر ليلا تجنبا لثورة الغضب الشديد ولكن مرض ابن الإمبراطور مرضا شديدا نصحه الأصدقاء انه لن يشفي ألا إذا طلب من صلوات القديس فاشترط عليه القديس أن يتم عماده أرثوذكسيا بعد شفاؤه وبالفعل شفي الطفل بصلوات القديس ولكن الإمبراطور لم يلتزم بوعده وعمد الطفل علي يد أسقف اريوسي مما أدي إلى انتكاسة حالته مرة ثانية ووفاته .
أما عدوه القديم "مودستوس" فلقد أصيب بمرض عضال فقصد القديس طالبا صلواته وبالفعل صلي له وطلب له الشفاء ليصبحا صديقين حميمين بعد ذلك .
متاعبه الأخيرة :-
في سنوات أيامه الأخيرة عاني من كثير من المتاعب .أولا وفاة صديقه الحميم القديس اثناسيوس الرسولي عام 373 وبعدها بعام واحد توفي والد صديقه الحميم القديس غريغوريوس النزينزي عام 374 ( وهو كان أسقفا وقديسا ويدعي غريغوريوس أيضا ). ثم عقد الاريوسيون مجمعا ضد القديس غريغورس أسقف نيصص "أخيه الصغير حسب الجسد" وحكموا عليه بعزله ونفيه حتى نياحته.
أمراضه ونياحته :-
تكاثرت عليه الأمراض في أيام حياته الأخيرة ؛حيث اشتد عليه مرض الكبد وعاني كثيرا من آلامه ؛كما سقطت جميع أسنانه ؛ وحاول بعض الأطباء علاجه بالماء الساخن ولكن لم يجدي هذا العلاج كثيرا حتى تنيح بسلام في أول يناير عام 379 وكانت أخر جملة نطق بها قبل نياحته هي (في يديك استودع روحي ).
ثانيا :- أهم صفاته وأفكاره من كتاباته :-
1- المحبة :-
كتب القديس باسيليوس رسالة إلى صديق له يقول له فيها (أننا نشعر بجوع متزايد نحو الحب ؛ أننا في حاجة إلى اخوة اكثر مما تحتاج يد إلى أخرى )وعن الكراهية يقول (أن الشخص الذي يفكر في نبذ صديق عليه أن يفكر طويلا ويمضي الليل قلقا بدون نوم ؛يطلب إلى الله بدموع أن يرشده إلى الحق ).
2- عطفه علي الفقراء :-
(أيها الغني ؛بماذا تجيب الديان ساعة أن يسألك ؟ انك تزين الجدران بأجمل الألوان واخوك بقربك لا كساء له ؛ تدع قمحك يفسد ولا تطعم الفقراء الذين يموتون من الجوع ؛ تطمر ذهبك في الأرض وتهزأ بمسكين يستجديك ولا فلس عنده ).
+(الخبز الذي تحفظه في المخبأ هو ملك للجياع والثوب الذي تودعه الخزانة هو ملك للعراة ؛ والحذاء الذي يتلف عندك هو ملك للحفاة ؛ والذهب الذي تدفنه هو ملك للمحتاجين . وهكذا فأنت مجحف بحق جميع الذين تستطيع أن تسد حاجتهم ولا تفعل ذلك).
+(من لم يرحم لن يرحم ؛ من لا يفتح يقصي عن ملكوت السماوات ؛ ومن لم يطعم خبزه لن يورث الحياة الأبدية ).
+اعرف الكثيرون الذين يصومون ويصلون ويتحسرون علي خطاياهم ويقومون بكل أعمال التقوي التي لا تكلفهم شيئا ؛ ولكن أعمال الرحمة والتصدق يتجاهلونها ويبتعدون عنها فلا يعطون شيئا للفقراء ).
ولم يكتفي القديس باسيليوس بالخطابة والوعظ والبلاغة ؛ وانما كان رجل عمل أيضا حيث قام بتأسيس مدينة كبري دعاها "مدينة المحبة" وسماها المؤرخون "باسيليكا" تخليدا لذكراه حيث جعل لكل مريض غرفته الخاصة كما جعل لكل نوع من الأمراض جناح خاص وجعل الكنيسة المركز الرئيسي في المدينة ؛ يوجد بها شقة لحاكم المدينة ؛ ويأتي بعدها فنادق المسافرين وبيوت العجزة ومستشفى . وكان يوجد مقر خاص لمرضي البرص ؛ومساكن خاصة للأطباء والصيادلة ؛ اهتم أيضا بالمساكن الشعبية وفي أيام المجاعة انشأ مطعم للفقير ( وكل هذه التجمعات كانت تفترض وجود عمال وبذلك فتح مجالا واسعا لعلاج البطالة وكان الشرط الجوهري لسكني هذه المدينة هو العمل وهذه هي النقطة الثالثة من تعاليم القديس باسيليوس الكبير وهي :
3- الحض علي العمل :-
+(ينبغي للإنسان أن يحرك يديه في العمل ويحرك لسانه في الترتيل أن أمكنه ).
+بما انه من الضرورة أن يطعم الإنسان كل يوم كذلك أيضا يلزم أن يعمل كل يوم لقوته ؛ ولهذا مدح سليمان المرأة الباذلة التي لا تأكل خبزها بالكسل)"ام 31 :9 – 27 "
+ لا يسوغ لنا أن نتخذ من العبادة حجة للبطالة . بل يجب علينا أن نجعلها موضوعا للجهاد والأتعاب الجمة والصبر علي المضايق).
+(لا عذر للمتكاسل الذي يعيش في البطالة بينما هو قادر علي العمل لنتشبه بتلك الأسماك التي تقطع البحار بطريقة عجيبة طلبا للطعام) .
4- الانفتاح علي الثقافة الإنسانية :-
للقديس باسيليوس الكبير كتاب شهير بعنوان "رسالة إلى الشباب في حثهم علي حصولهم علي الفائدة من الاطلاع علي كتابات الفلاسفة الوثنيين " "الكتاب مترجم إلى اللغة العربية وصدر عن أسقفية الشباب في سلسلة الثقافة – الإيمان – المجتمع" للدكتور ناجي أسحق ؛ كما صدرت له ترجمة أخري للدكتور سامح فاروق حنين تحت عنوان " الكنيسة وثقافة العصر " ضمن سلسلة دراسات عن المسيحية في العصور الأولي " عن دار نشر باناريون ( أنظر صورة غلاف الكتاب ضمن الصور الملحقة بالمقالة ) ؛ يقول فيه :-
+أننا نقبل منهم بكل سرور كل من يمدح الفضيلة وينبذ الشر ونستطيع أن نأخذ مثالا من الأزهار وعلاقة الناس بها ؛).
+يجب أن نقراء الشعراء والمؤرخين والخطباء , وبكلمة موجزة لكل ما من شانه أن يحمل فائدة لنفوسناا .علينا أن نبتدئ بقراءة الفكر الدنيوي لنرتفع بعده إلى المقدسات وأسرار الإيمان إذا كان هناك موافقة بين هذه الثقافة وعقائدنا كانت معرفتها من الإفادة بكثير ؛ وإذا كانت المقارنة في الحالة العكسية أن من شأنه أن تثبت معتقداتنا الصحيحة
+أن شعر هوميروس ليس ألا مدحا في الفضيلة وحثا عليه ما عدا بعض الاستثناءات وكل شيء عنده يحث علي الفضيلة عدا بعض الأمور القليلة وهذا يظهر جليا من قصة الأوديسة )
+وبما أن الكثير من أقوال وافعال هؤلاء البارزين لا تزال حتى اليوم محفوظة بين أيدينا في الكتب أو باقية في ذاكرتنا فلا يجب أن يفوتنا الاستفادة بها ).
5-الحض علي الصلاة
+ إذا لم تنل طلبتك عاجلا فلا تضجر ولا تبتعد حتى تنال أخيرا ولا تقل أنى خاطئ فتيأس من أن يعطيك طلبك ولو جاز شهر يا حبيب ولم تنل حاجتك أو جازت سنة أو ستنان أو ثلاث أو أربعة أو اكثر فلا تبعد نفسك حتى تنال طلبك لكن اطلب بإيمان واعمل الخير في كل حين .
6-نصائح متنوعة للأسرة :-
+يجب علي الأهل أن يهذبوا أولادهم بتصحيح خطأهم وارشادهم بلطف ووداعة
+أيها الأولاد . احبوا آباءكم ؛ وانتم أيها الآباء لا تبغضوا أولادكم "اف 6 :2 " اليس هذا ما تقوله الطبيعة فإذا كان الذئب يحب صغاره ويدافع عنهم فماذا نقول عن الإنسان الذي لا بعمل بهذه الوصية ويخرق نظام الطبيعة كالابن الذي يحتقر شيخوخة أبيه . أو كالاب الذي ينسيه زواجه الثاني بنيه الأوائل .
7-الحض علي الصدق :-
+لا شيء يشرف الإنسان ويرفع قدره بين الناس كالصدق كما انه لا شيء يشوه سمعته كالكذب . الصدق لا يحب التستر ؛ ولا يخشي الخطر ولا يخاف النميمة ولا يسعي وراء المجد البشري هو معرض إلى النمائم الكثيرة ولكنه يبقي ثابتا كالسور الحصين .