كتب – روماني صبري
كشف الفنان الراحل العظيم أحمد زكي، في لقاء نادر مع الإعلامي "زاهي وهبي" ببرنامج خليك في البيت"، أسباب استبعاده من فيلم "الكرنك"، للمخرج علي بدرخان، عن قصة نجيب محفوظ، بطولة سعاد حسني وفريد شوقي وآخرون، حيث ذهب الدور إلى الفنان نور شريف، ما انزل الشعور بالقهر والحزن بزكي.
عشان اسود
وقال "زكي" أن منتج وموزع الفيلم "رمسيس مرزوق" رفض إسناد دور "إسماعيل الشيخ" لي رغم ترشيحي من قبل الفنانة سعاد حسني، حيث رأى أن شاب اسود البشرة تجمعه قصة حب مع السندريلا ضربا من الجنون والمستحيل."
سبب اختياري للدور
واستطرد مازحا :" ياريت قال كده وبس استغرب قال أزاي سعاد حسني شديدة الجمال تحب واحد اسود زي احمد زكي ! ، موضحا :" صناع الفيلم كانوا شافوني في مسرحية مدرسة المشاغبين، وشافولي دور صغير قدمته فيلم "أبناء الصمت"، فقالوا هو ده اللي يعمل دور إسماعيل الشيخ في الكرنك."
كادح مثلهم
وتابع :" الشخصيات الرئيسية في الكرنك من الكادحين، لذلك رشحوني للعب الدور، حيث وجدوا في أحمد زكي مواصفات البطل كما وصفه نجيب محفوظ في قصته."
وأوضح :" وقتها استدعاني ممدوح الليثي كاتب السيناريو، واخبرني انه رشحني لتجسيد الدور المذكور، فقلت له وقعت عقد فيلم مع المخرج صلاح أبو سيف، فطالبني بالانسحاب من الفيلم حتى أتفرغ لفيلمه .. بعد موافقتي حصلت على نسخة من السيناريو وأنكببت على الفور بقراءته، حتى حفظته عن ظهر قلب."
أخيرا عرفتني السعادة
ولفت :" في يوم التصوير غمرتني السعادة والغبطة، ها أنا الممثل الشاب تفتح لي أبواب الشهرة أبوابها أخيرا عبر هذا الفيلم الضخم ، علاوة على إمضاءي عقد فيلم شفيقة ومتولي مع سعاد حسني أيضا.. وكيف لا تغمرني السعادة وأنا رشحت لتجسيد دور البطل في فيلمين أمام سعاد حسني !."
الكرنك جعلني محل أنظار المنتجين
موضحا :" بسبب توقيعي عقدين هذين الفيلمين ، بت محل أنظار المنتجين، حتى أن منتج آخر عرض علي توقيع عقد جديد، ما زاد من وتيرة السعادة داخلي، كونه أدرك أن مشاركتي في الكرنك وشفيقة متولي ستدفع باسمي إلى نجوم الصف الأول في مصر، ما يجعل فيلمه يجني الكثير من الأرباح."
حاولوا استغلالي
واستطرد :" المنتج الجديد قال هو دلوقت بياخد ملاليم في الفيلم "200 جنيه"، الحق استغله وامضي معاه عشان اطرح الفيلم بتاعي اللي من بطولته بعد عرض الكرنك لانه اسمي هيكون كبر."
لا تأتي الرياح بما تشتهي السفن
موضحا :" نزلت السعادة بروحي يوم التصوير بكيفية كبيرة، حتى ظننت أن المنتج "رمسيس نجيب" سيرحب بي قبل أن اشرع في تأدية مشهدي الأول، لكن لا تأتي الرياح بما تشتهي السفن، حيث رايته يقترب مني عابثا واختصني بقوله :" معلش كل شيء قسمة ونصيب .. جبنا ممثل غيرك موزع الفيلم حسين الصباح رفضك بيقول أن اسمك غير تجاري ."
رد بدرخان
وتابع :" بعدها عرفت سبب رفضهم .. قالوا "أزاي واحد اسود زيه وشعره مجعد يحب الجميلة سعاد حسني، وكان رد المخرج علي بدرخان على نجيب أن الشخصية اللي هجسدها هي اللي بتحب سعاد حسني البنت الفقيرة في الفيلم اللي أبوها على قد حاله وبيبع "لحمة رأس."
ربنا اللي خلقني !
موضحا :" لم يقتصر تجريحهم على ذلك، حيث رأى نجيب إني "قبيح الشكل أيضا"، رغم أن الله هو الذي خلقني ومنحني هذه الوجه، لتنزل المصائب بحياتي بعدها حيث توقف إنتاج فيلم شفيقة ومتولي جراء خلافات سعاد حسني مع صناعه، وأيضا سحب مني المنتج الآخر الدور، قال انه كان يعتمد على اسمي الذي كان سيحظى بالشهرة بعد مشاركتي في الكرنك.
أنا المطرود من الفيلم سأنهي زمن رمسيس نجيب العنصري
وكان أكد الإعلامي عمرو الليثي، حقيقة ما قاله زكي، مؤكدا أن المنتج الكبير رمسيس نجيب رفض إعطاء دور البطولة في فيلم الكرنك لأحمد زكى قائلا :"سعاد حسنى تحب الولد الأسمر ده ازاي، فرد عليه والده ممدوح الليثى :"مش سعاد حسنى يا أستاذ رمسيس، دى زينب دياب بنت المعلم دياب بياع لحمة الرأس في حارة دعبس بالحسينية."
وتابع عبر صفحته على فيسبوك :" فرد رمسيس نجيب :برضه سعاد حسنى السندريلا بتاعتنا اللى عملت الحب الضايع وبئر الحرمان وزوزو لو ده حصل الفيلم هيسقط سقوطاً شنيعاً والجماهير حتضربكم.. لأنهم مش هيوافقوا إن سعاد تحب الولد ده! بس يا أستاذ رمسيس الكل متوقع النجاح لأحمد زكى وأنه حيبقى نجم.. عمره ما حيبقى نجم.. بالكتير أوى حايصبح زى فلان». وذكر اسم ممثل يقوم بأدوار ثانوية. وأسقط فى أيديهم وتبادلوا نظرات الشفقة ممدوح الليثى والمخرج على بدرخان والفنانة سعاد حسنى وابتسم الموزعان.
واستطرد رمسيس نجيب قائلاً بالنسبة للشاب الثانى (يقصد محمد صبحى) ممكن يأخذ دور شيوعى هو.. وهو شكله شيوعى فعلا.. بس ماتوقعلوش نجاح كبير إنما زى بعضه.. عشان يبقى قدمتم وجهاً جديدا... وكانوا في حيرة كيف سيبلغون الوجه الجديد أحمد زكى بهذا الاعتذار وكيف سيتلقى الصدمة بعد أن نشرت الصحف مئات الأخبار عن قيامه بهذا الدور! ومن الذي سيقوم بدور أحمد زكى، وبعد نقاش لم يستغرق طويلاً اتفقوا على ترشيح الفنان نور الشريف لدور إسماعيل الشيخ، وتركوا كيفية إبلاغ أحمد زكى بالاعتذار لأبى بصفته منتج الفيلم وقرر بينه وبين نفسه أن يترك هذه المهمة للزمن القريب! لكن أحمد زكى لم يعط الزمن الفرصة، فقد اتصل بأبى وسأله عن موعد بدء تصوير الفيلم لأنه معروض عليه أعمال أخرى وقال له أبى مشفقاً: لنتقابل في مكتبى في السادسة مساء."
موضحا :" وحضر أحمد زكى إلى مكتبه بشارع قصر النيل وسأله «فين كشف الملابس يا أستاذ؟ إيه الأخبار حانبدا نصور إمتى؟ وبدأ أبى حديثه قائلاً «الموزعين اليومين دول يا أحمد بيتحكموا فى السينما المصرية! سأل بقلق: إزاى؟ مش مكفيهم إن سعاد حسنى فى الفيلم.. عايزين بطل قدامها.. مش فاهم.. مافيه كمال الشناوى موجود.. وقريت فى الجرايد إنكم مضيتم مع فريد شوقى دور أبو سعاد! اللى يهم الموزعين.. مين اللى حيقف قدام سعاد.. مين اللى حاتحبه فى الفيلم. ورد أحمد زكى بعصبية: ماتحب اللى على مزاجها.. هوه مال أبوهم.. مالهم، متنساش إنهم بيمولوا الفيلم.. وبيقولوا كفاية وجه جديد واحد.. واخترتم مين أنا ولا صبحى.. رد يا أستاذ ممدوح.. مش عارف يا أحمد ونهض أحمد وقد زاغت عيناه وارتعشت شفتاه وقال له اتكلم يا أستاذ ممدوح.. قولى بصراحة أنا مش حعمل الدور؟ ليهز أبى رأسه بالإيجاب.. أيوه.. وبحركة لا شعورية التقط أحمد زكى الكوب الزجاجي وضرب جبهته.. وهو يصرخ وانكسر الكوب وانسابت الدماء من جبهته وهو لا يزال يصرخ.. وتجمهر كل من فى المكتب واشتركوا جميعاً فى إسعاف أحمد زكى وتطييب خاطره وترقرق الدمع فى أعينهم وأعين أبى، إشفاقا على مشاعره وأحضروا الميكروكروم والشاش والبن ووضعوها على الجرح وظلوا فترة يحيطون بأحمد زكى بمشاعر الحب والحنان والإشفاق، وفكر أبى جدياً بالعدول عن إنتاج الفيلم وطلب أحمد زكى الانصراف وصمم أبى أن يقوم بتوصيله لمنزله وصحبه فى سيارته وسأله إلى أين؟ أي مكان."
وواصل :" وسار يومها في جميع شوارع القاهرة من الهرم إلى أقصى مصر الجديدة.. وأحمد زكى يتطلع أمامه ويهز رأسه بأسى ويزم على شفتيه ويبرطم بجمل وكأنه فيلسوف كبير في الحياة! كانت لحظة سيئة لدى أبى الذي يحب أحمد زكى ويؤمن به كوجه جديد يريد أن يعطيه فرصة، وبين أحمد ذلك الشاب القادم من الريف يحلم بالسينما وبعد يومين اتصل الشاعر الكبير صلاح جاهين بأبى وكانت معه الفنانة سعاد حسنى، وسأله إيه رأيك يا بطل أنا وسعاد حكمنا عليك بحكم. موافق تنفذه؟ إيه هوه؟ أنت مضيت عقد مع أحمد زكى بمبلغ مائة وخمسين جنيهاً دفعت منها خمسة وعشرين جنيه لا غير. حكمنا عليك تدفع للراجل بقية عقده وفوقهم مائة وخمسين جنيه تعويض كمان ليرد أبى فوراً: موافق.. وذهب أبى إلى منزل صلاح جاهين وقابل أحمد زكى هناك وحرروا اتفاقا بفسخ العقد وسداد مبلغ التعويض المطلوب ودفع المبلغ، ونهض أبى واحتضن أحمد زكى وقبله وقبل أن ينصرف نظر إليه أحمد زكى أمام سعاد حسنى وصلاح جاهين وقال انتوا اخدتوا برأي رمسيس نجيب عشان ده ملك السينما، ولكم حق، بس أنا باقولك يا أستاذ ممدوح بكرة تندموا وتجروا ورايا وتعرفوا إن زمن رمسيس نجيب انتهى."
ربت أبى على كتف أحمد زكى وقبله على جبينه وكان ذلك فى أوائل عام 1975 وظلت هذه الواقعة تشكل حاجزا نفسيا بينه وبين أبى لعدة سنوات، كبر هو خلالها وأصبح من نجوم الصف الأول، وفى عام 1982 جرى فعلا الليثى خلف أحمد زكى ليمثل بطولة فيلم «أنا لا أكذب ولكنى أتجمل»، الذى كتب له السيناريو والحوار عن قصة أستاذنا إحسان عبد القدوس ثم أسند له البطولة فى سباعية "الرجل التى فقد ذاكرته مرتين".. أمام الراحلة هالة فؤاد والذي أحبها أحمد فى هذا الفيلم وتزوجها بعد الفيلم، ثم أسند له بطولة فيلم المدمن أمام نجوى إبراهيم وخلال تلك السنوات ارتبط أحمد بنا ارتباطاً قوياً وتحول من صداقته لأبى إلى صداقة قوية تجمعني به، كنت أزوره دائماً فى منزله أمام فندق أطلس بميدان أسوان وكان مولعا بقراءة الأدب خاصة أدب نجيب محفوظ، وأخبرني أنه يتمنى أن يؤدى شخصية حضرة المحترم، الرواية التى كتبها الأستاذ نجيب بأسلوب رشيق كعادته."
وأذكر فى يوم من الأيام وبحكم صداقتى به اتصل بى وأخبرنى أنه سوف يذهب إلى أحد أطباء الأمراض الباطنية لأن عنده انتفاخا كبيرا فى المعدة فسألته أنت كلت إيه؟ قال لى: ماكلتش حاجة. قلت له: أومال جالك الانتفاخ من إيه؟ قال لى مش عارف. ذهبنا سوياً إلى الدكتور العظيم مصطفى المنيلاوى أستاذ الأمراض الباطنة وعندما شاهد أحمد ببطنه المنتفخ وبعد فحص دقيق سأله الدكتور المنيلاوى "قولى يا أحمد أنت بتصور إيه اليومين دول فرد أحمد قاله بصور فيلم اسمه زوجة رجل مهم. فسأله الدكتور احكي لي كده دورك إيه؟ فرد عليه أحمد: دوري ضابط، كان فى الخدمة وبعدين طلعوه على المعاش وهو مش قادر يتحمل ده، فرد الدكتور المنيلاوى بابتسامة خفيفة اللي عندك ده التهاب فى القولون نتيجة الدور.. فأحمد كان من النوعيات النادرة التي تعايش الأدوار بكل أحاسيسها وجوارحها.
اعتاد على أن يتردد على منزلنا دائماً وكما قلت سابقاً كان حريصا على أن يفطر عندنا في رمضان وحتى بعدما تزوج من هالة فؤاد ابنة أستاذنا المخرج العظيم أحمد فؤاد، كان دائماً يتواصل معنا ولا يترك عيد ميلاد لى أو للمرحوم أخى شريف إلا كان لازم يحضره. وأذكر أنه فى عام 83 وبعد وفاة شريف أخي فجأة فى مستشفى المعادى كان أحمد زكى أول من حضر إلينا وبكى على شريف بكاءً حاراً كما لو أنه ابن من أبنائه، وظل طيلة فترة العزاء يأتى إلى منزلنا ويصحبنى معه محاولاً أن يخفف عنى آلام الفراق مع شقيقى، وهكذا تحول أحمد زكى إلى فرد من أفراد أسرتنا نعيش معه فى كل تفاصيل حياته، حتى فى خلافاته العائلية كان دائماً يعتبر أمى حكماً يرجع إليه، خاصة أنه كان يتسم بالعصبية، وكان أبى رحمة الله عليه يقول لهالة فؤاد الله يرحمها «خلى بالك ده عصبى» وسقطت نظرية رمسيس نجيب «سعاد حسنى تحب ده ..أصبحت بطلات السينما المشهورات يسعين للتمثيل أمامه.