سليمان شفيق
أعربت القاهرة امس الخميس عن رغبتها في "مواصلة العمل" نحو "اتفاق نهائي" حول سد النهضة الذي تبنيه اثيوبيا على النيل الأزرق وتخشى مصر من أن يؤثر على حصتها من المياه، وذلك بعد أن أحرزت الدولتان مع السودان تقدما في مفاوضاتهم في واشنطن.
وأعرب وزير الخارجية سامح شكري في بيان للوزارة عن "اعتزام مصر مواصلة العمل من اجل إبرام اتفاق نهائي حول سد النهضة ، يتسم بالتوازن والعدالة ويؤمن المصالح المشتركة للدول الثلاث ويحفظ حقوق مصر ومصالحها المائية".
وأعلنت الدول الثلاث ليل الاربعاء الخميس أنها أحرزت تقدما في مفاوضات السد الكهرمائي الضخم التي عقدت بوساطة أميركية منذ بداية نوفمبر، حسب بيان مشترك
وكان مقرّراً أن تكون هذه الجولة التفاوضية الأخيرة "للتوصّل إلى اتفاق" لكنّ الأطراف المعنية اتّفقت على الاجتماع مجدّداً يومي 28 و29 يناير في واشنطن للتوصّل إلى "اتفاق شامل حول ملء وإدارة السد".
يقول هاني رسلان المحلل بمركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية في القاهرة إن هذا الاتفاق المبدئي يمثّل "خطوة كبيرة إلى الأمام في هذه الأزمة التي استمرت لمدة عقد.
وأضاف أن الاتفاق يعتبر "قريبا من المتطلبات المصرية، إلا أن الكثير من المشكلات الفنية لم يتم حلها بعد
ومن المتوقع أن يبدأ السد في توليد الطاقة الكهربائية في أواخر 2020 وأن يبلغ طاقته التشغيلية القصوى بحلول 2022. وسيكون حينها أكبر محطة لتوليد الكهرباء في أفريقيا بطاقة 6 آلاف ميغاواط.
وافاد بيان مشترك ان الدول الثلاث توصّلت إلى اتّفاق مبدئي على حلّ وسط بشأن ملء خزان السد، وهو أحد آخر العوائق المتبقية في طريق التوصّل إلى اتفاق شامل.
وإذ شدّد البيان على أنّ جميع النقاط الواردة في هذا الاتفاق المبدئي "تخضع لاتفاق نهائي"، أوضح أنّ الحلّ الذي توصّلت إليه الأطراف بشأن تعبئة خزّان السدّ يقضي بأن تتم عملية ملئه "على مراحل" وبطريقة "تعاونية" ولا سيّما خلال موسم الأمطار بين يوليو واغسطس.
وستتيح المرحلة الأولى من ملء الخزان توليد الكهرباء، ولكن سيتم اتخاذ تدابير "للتخفيف" من الآثار السلبية على مصر والسودان "في حالة حدوث جفاف شديد.
لم يتم الاتفاق بعد على آلية المراحل التالية من التعبئة بهدف تلبية احتياجات أثيوبيا من الكهرباء دون التأثير على البلدين الآخرين خلال فترات الجفاف الطويلة، وهذا امر اتفق الوزراء على "تقاسم المسؤولية" حياله.
كيف أفشلت إثيوبيا مفاوضات سد النهضة؟
وتحت عنوان "كيف أفشلت إثيوبيا مفاوضات سد النهضة"، استعرض الأستاذ عطية عيسوي الكاتب الصحفي المتخصص في الشأن الأفريقي بصحيفة الأهرام، المراحل التي أوصلت مفاوضات سد النهضة إلى ما آلت إليه بسبب التعنت الإثيوبي الذي دفع الرئيس عبد الفتاح السيسي للتحذير بقـوة من أنه لن يتم تشـغيل السد بفرض الأمر الواقع ليدق بذلك جـرس الإنذار حتى يسـمعه الجميع في أنحاء العالم، ويعرفـوا حقيقـة مـا يجـري فـي المفاوضـات، ومن هو الطرف الذي تسبب في تعثرها وعدم التوصل إلى اتفاق
وأشار إلى أن الرئيس أكد أن مصر ليست ضد التنمية في إثيوبيا ولكن ليس على حساب مصر والإضرار بها، وهو بذلك يدحض الادعاءات بأن مصر لا تريد التنمية للشعب الإثيوبي.
ورغم اتفاق الرئيس عبد الفتاح السيسي ورئيس وزراء إثيوبيا آبي أحمد في يونيو 2018 على تبني رؤية مشتركة بين الدولتين بشأن السد تسمح لكل منهما بالتنمية بدون المساس بحقوق الطرف الآخر، موضحًا أن إثيوبيا تنصلت من كافة الاتفاقيات الموقعة في هذا الشأن.
وتابع عيسوي ، أنه ورغم كل ذلك لم تلتزم إثيوبيا بالاتفاق، ولم توافق على خطة المكتب الاستشاري الفرنسي، وكل الدراسات التي أكدت أن السد بوضعه الذي تريده أديس أبابا سيضر مصر، فلم تنتظـر الحكومـة الإثيوبية رأي الخبـراء قبـل الشـروع فـي بنـاء السـد، ولـم توقـف العمـل حتـى يتـم حسم الخلاف.
وأكد المتخصص في الشأن الأفريقي أن مصر بدون الحفاظ على مستوى المياه أمام السد العالي عند 165 مترًا كحد أدنى خلال فترة ملء بحيرة سد النهضة ستكون عرضة لفقد 1.8 مليار دولار من الناتج الاقتصادي، وأكثر من مليون وظيفة سنويًا، وكهرباء بقيمة 300 مليون دولار، وبينما يقل نصيب الفرد المصري من المياه عن 625 مترا مكعبا، يصل نصيب الفرد الإثيوبي إلى 38 ألف متر مكعب في السنة، وبينما لا يوجد لمصر إلا نهر النيل، يوجد في إثيوبيا 12 نهرًا
مخطط بدأ في نهاية الخمسينات
وتحت عنوان "أبعاد الصراع بين مصر وإثيوبيا على نهر النيل"، استعرض محمد نصر علام وزير الموارد المائية الاسبق ، في مشاركته بمقال كتبه "إيريك ستوكستاد" نشرته مجلة "ساينس" الدولية العريقة تحت عنوان "صراع القوى في نهر النيل"، والذي بدأ بسرد تاريخي عن مخطط السدود الإثيوبية والذي بدأ بدراسة مكتب استصلاح الأراضي الأمريكي في نهاية الخمسينات وحتى عام 1964، واستعراض مبادرة حوض النيل عام 99 والتي تم خلالها دراسة العديد من المشاريع المشتركة لدول حوض النيل بدعم غربي 200 مليون دولار، وموافقة مصر حينها على إقامة سد إثيوبي على النيل الأزرق عام 2008 لتوليد 2100 ميجاوات، بالتزامن مع تخطيط "ميليس زيناوي" رئيس الوزراء الإثيوبي حينها لبناء سد ضخم على النيل الأزرق بتمويل ذاتي عبر سندات بنكية، وهو ما أعلن عنه رسميا في 3 فبراير 2011 ووضع حجر الأساس في أبريل من نفس العام.
وأضاف أنه حاليا أصبح سد النهضة أقرب للواقع حيث تبلغ أقصى طاقة يولدها السد 6000 ميجاوات، وسعته الكهربية المتوسطة في حدود 2000 ميجاوات، سيتم استخدامها لتغطية احتياجات إثيوبيا وتصدير الفائض للسودان.
وذكر الكاتب أن تقرير اللجنة الثلاثية الدولية لسد النهضة الصادر في مايو 2013، قد أوصى بمراجعة وتنقيح دراسات تداعيات السد على تدفق مياه النيل لمصر والسودان، بجانب وجود أخطاء جسيمة في تصميم السد قد تؤدي إلى انهياره تحت ضغط المياه التي سيتم حجزها أمامه
آثار فادحة حال مصادفة سنوات جفاف
كما ذكرت منظمة شبكة الأنهار الدولية أن دراسات تخطيط وتصميم السد غير دقيقة وغير مكتملة، بالإضافة إلى تأثيره على السكان المحليين والذين تقدرهم إثيوبيا بـ 3000 فرد بينما يقدرهم "جينفر فيليكس" الخبير الجغرافي الأمريكي بـ 20000 فرد من الأقليات سوف يمحي سد النهضة مجتمعاتهم وحضارتهم القديمة، وأشار كاتب المقال إلى أن المتخوفون من تأثير السد السلبي أثناء ملئه على مصر حيث من المتوقع أن يتم الملء خلال 5 – 7 سنوات، وفي أول سنة سيتم حجز 10% تزداد طردياً عاماً بعد آخر.
استكمال إثيوبيا لسد النهضة... دوافع وعقبات
وتحت عنوان "استكمال إثيوبيا لسد النهضة... دوافع وعقبات"، أوضح محمود سلامة، الباحث بالمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، أن سد النهضة يواجه مشكلات منذ أن شرعت إثيوبيا في بنائه في أبريل 2011، وما صاحبه من تأجيل موعد انتهاء السد نتيجة مشاكل مالية، وهو ما يستدعى التساؤل حول موقع سد النهضة في إطار السياسة الإثيوبية من خلال شقين: الشق الأول وهو حول دوافع الحكومة الإثيوبية لاستكمال بناء السد، ويأتي في مقدمتها القضاء على أزمة انقطاع الكهرباء نتيجة عجز الإنتاج بمقدار 460 ميجاوات نتيجة عدم ملء السدود المنتجة للكهرباء بالمياه الكافية، حيث تشكل السدود 90% من إنتاج إثيوبيا من الكهرباء، مما استدعى بدء خطة لترشيد الكهرباء، نتج عنها خسارة أكثر من 100 مليون دولار جراء توقف تصدير الكهرباء إلى السودان وجيبوتي، وبالتالي تسعى إثيوبيا لبناء سد النهضة لقدرته منفرداً على إنتاج ما يقارب ضعف الإنتاج الحالي بجانب الوفاء بإتفاقيات تصدير الكهرباء والسعي لفتح أسواق جديدة لجذب المزيد من العائدات الاقتصادية.
أما الشق الثاني فيتعلق بتحديات استكمال السد، ويأتي على رأسها مشكلة التمويل فبالرغم من مشاركة الشعب الإثيوبي بما يعادل 15% من إجمالي تكلفة السد، إلا تكلفة بناء أصبحت تحدياً اقتصاديا أمام الحكومة الاثيوبية، نتيجة ارتفاعها من 4.7 مليار دولار إلى 98 مليار دولار حتى الآن بسبب انخفاض العملة الإثيوبية أمام الدولار، ويرتفع هذا الرقم بمقدار 800 مليون دولار عن كل سنة تأخير في إنهاء السد..
ويأتي من ضمن التحديات أيضاً، مخاطر عدم الاستقرار السياسي جراء السماح للحركات السياسية بالعودة إلى إثيوبيا دون ضمانات لنزع السلاح، بجانب عدم وجود ضمان لعدم صعود العناصر الديكتاتورية والطائفية وهو ما يؤكد تعقد الوضع السياسي الإثيوبي، بجانب الأزمة القائمة بين بعض القيادات العسكرية والحكومة الحالية نتيجة اتهامات بالفساد جراء سحب مشروع بناء السد من شركة "ميتيك" التابعة للجيش لتأخرها في التنفيذ.