د. محمود العلايلي
المال هو المال، والربح هو الربح، والحصيلة الضريبية لن تفرق بين المال السعودى أو الإنجليزى.
منذ أكثر من أسبوع عقد السيد رئيس مجلس الوزراء اجتماعه الأول مع أعضاء مجموعة تحسين مناخ الاستثمار وتعظيم مشاركة القطاع الخاص، بحضور الرئيس التنفيذى للهيئة العامة للاستثمار، ورئيس اتحاد الغرف التجارية، ورئيس اتحاد الصناعات، ومجموعة من كبار رجال الأعمال والمستثمرين، ومن الإيجابيات دعوة المستفيدين المباشرين لطاولة النقاش والبحث فى أسباب التعثر من ناحية، ودراسة حيثيات التقدم وتدارك الأخطاء من ناحية أخرى، والحقيقة أنه من الإيجابيات أيضا تعديل وضع ملف الاستثمار فى التعديل الوزارى الأخير بنقل الإشراف عليه لرئيس مجلس الوزراء حيث يتقاطع هذا الملف مع العديد من الوزارات والهيئات، ولن يستطيع غير رئيس مجلس الوزراء الربط بينها.
وقبل القفز على تحليل نتائج الاجتماع وجبت دراسة أسباب الحالة الراهنة، ولذلك علينا أن نرصد منطلقات عمل الدولة فى مرحلة تراوحت الدعوة للإصلاح الاقتصادى فيها بين أكثر من أسلوب، حتى فقدت الدعوة قوة دفعها وخسرت الدولة جزءا من مصداقيتها، بسبب التسهيلات الشكلية التى تتيحها بعض القرارات والقوانين المنظمة مقارنة بالمصاعب الفعلية التى تحدث عند التطبيق، بالإضافة إلى إصرار الدولة على حصد المكاسب القريبة ونسب النجاح لسياساتها، وذلك عن طريق التضييق البيروقراطى الذى يصل إلى حد الإشراف، والتعسف الضريبى الذى يصل إلى حد الجباية، والمزاحمة الاقتصادية التى تصل إلى حد المنافسة غير العادلة، بينما يتطلب الاستثمار أجواء من الحرية، وأقل قدر من المعوقات، مع وضوح شديد فى القوانين المنظمة لا تحتمل لبسًا أو تتيح تعنتًا من موظف أو هيئة حكومية، والأهم نظام قضائى سريع وحاسم لفض المنازعات الاقتصادية، سواء بين مؤسسات القطاع الخاص وبعضها، أو بين مؤسسات القطاع الخاص والقطاع الحكومى.
ولكى تقود الدولة مرحلة جديدة للدعوة إلى الاستثمار يجب أن تتخلى أولا عن فيض المصطلحات التى يطلقها المسؤولون الحكوميون فى غير أماكنها، فتعديل الميزان التجارى، وزيادة معدل النمو السنوى، ورفع الاحتياطى من العملة الأجنبية، وتقليل نسبة البطالة، وخفض معدل التضخم، كلها أهداف ليست من ضمن خطة أى مستثمر وليست فى برنامج عمله، لأنها من نتاج الاقتصاد الكلى، ولذلك فمن الأولى اقتصارها على الاستخدام الحكومى، والتقدم للمستثمرين بما يهمهم من أهداف، وما يشجعهم من حوافز الاستثمار لاستمرار ضخ الأموال للتوسع أو لخلق استثمارات جديدة، وذلك بأن تتبنى الدولة ببساطة مبدأ توفير المناخ وتشجيع الآليات التى تساعد المستثمر على جنى المزيد من الأرباح، لأن المستثمر مهما كبر حجمه أم صغر تذهب أرباحه إما لتوسيع استثماراته، وما يلى ذلك من زيادة معدل التوظيف وزيادة دخل الضرائب، أو تؤدى هذه الأرباح لزيادة إنفاقه، وهو ما يؤدى إلى ضخ أموال تسهم مباشرة فى تحريك الركود وإنعاش الأسواق.
والنقطة الأخرى المنفرة للعديد من المستثمرين هى الإصرار على التفرقة بين المستثمر المحلى والمستثمر الأجنبى، لأن المال هو المال، والربح هو الربح، والحصيلة الضريبية لن تفرق بين المال السعودى أو الإنجليزى، كما لن يفرق المواطن إن كان رغيف الخبز الذى يتناوله من حصيلة استثمار إماراتى أم هندى، ولذلك فإن الدور المطلوب من الدولة بوضوح هو القيام على تحفيز القطاع الصناعى القائم على التصدير، والصبر على الفوائد غير المباشرة لهذا النشاط، والشىء الآخر هو إدراك أن الاستثمار، سواء كان من مصادر محلية أم أجنبية، أهم ما يجذبه هو العوائد على الاستثمار وليس الكلام عن الاستثمار، بينما يأتى النجاح الحكومى وحصادها السياسى فى مراحل متأخرة، وقد لا يُنسب إليها، ولكن يُحسب لها عند زيادة متوسط دخل الفرد السنوى وارتفاع الاحتياطيات من النقد الأجنبى، وكلها نتائج لن تتأتى إلا بمزيد من الربح للمستثمرين، وعندها يكون الجميع رابحين.
نقلا عن المصرى اليوم