بقلم: الأب الدكتور /القمص فيلوثاوس فرج
مليون ميل: كنا نفتخر بأن السودان هو وطن المليون ميل مربع، ولكن حدث أنفصال جزء هام في وطننا العزيز، أنفصل ربع الوطن عن مفاصل الوطن، وأختفت وتضاءلت مساحة المليون ميل مربع، وتظل أحلامنا بأن يعود الجنوب إلي الشمال، ويعود وطني مليون ميل مربع، نزهو به ونفتخر، ونضرب المثل بأننا وطن واحد مع تنوع متعدد في الأعراق والأجناس والأديان، وأننا والحمد لله متعايشون ومتواددون، وأعتقد أن رجال بلادي العظماء سوف يخططون خطة عشرية للمستقبل السعيد، ونأخذ بعد هذا عشرة أعوام كاملة نعمل من أجل وحدة السودان، لكي يعود السودان وطناً واحداً معطاءاً، فوق مستوي المكايدات والمزايدات، وصنوف الحقد، وألوان العداوت، وهذه الخطة العشرية ينبغي أن تبدأ منذ الآن، وأن تملأ شعاراتها ساحات الإعلام، حتي يعود الأخ الأسمر الأبنوسي الجنوبي إلي أخيه الشمالي الأسمر المؤمن الصابر المثابر، يعود طوعاً وإختياراً، بإراداته الصافية الطاهرة.
ومنذ غياب الجنوب حتي الآن، ونحن وكما قال رئيسنا عمر حسن البشير أقرب إلي الحرب منا إلي السلام ولكن عمر البشير أخ أكبر، وقد كان زعيماً للسودان والجنوب، وبذل جهداً مقدراً ومشكوراً من أجل جنوب السودان، وأرسل نائبه الأول ليحقق السلام بعد الحرب والخصام، وتنازل النائب الأول علي عثمان حتي عن مركزه كنائب أول لشقيقه الجنوبي جون قرنق، وتوسمنا خيراً، ولكن رئيسنا آثر أن يعطي الجنوب حقه في الإختيار حتي ولو أدي هذا إلي الإنفصال، وكنت أتوقع أن هذه المعاملة الودود من رئيسنا طيب القلب تأتي بالوحدة نتيجة حتمية، واليوم وبنفس المنطق أعتقد أن الرئيس نفسه حتي وأن كنا أقرب إلي الحرب مع الجنوب، فإننا به، وبمبادراته، وبسماحته، وسودانويته الكريمة، سوف يجعلنا أقرب إلي السلام منا إلي الحرب، وهذه هي طباعه التي عشناها أعواماً طوال منذ فجر الإنقاذ 1989م وحتي الآن.
بعد الإنفصال: ويخطئ من يتوقع أنه بعد الإنفصال قد غاب المسيحيون عن ساحات الوطن، وفي السودان الآن ما لا يقل عن خمسة ملايين مسيحي من أسقفيين ومشيخيين، وطوائف عديدة بروتستانية، وأقباط سودانيون، صحيح غاب المسيحيون من وظائف كبيرة مثل النائب الأول، نائب رئيس المجلس الوطني، ووزراء عديدون في مواقع تنفيذية هامة، ولكن حتي ولو كان المسيحيون قد تناقصوا، فإن الأوطان لا تعرف أكثرية واقلية، كلنا مواطنون متساوون معاً في الحقوق والواجبات، وليس هناك تمَّييز بسبب الدين أو الجنس أو القبيلة، لقد كان هذا أول نور روحي قدمته ثورة الإنقاذ في مؤتمر الحوار الوطني حول قضايا السلام.
ولكن جاء في تصريحات المسئولين أن السودان بعد الإنفصال عازم علي أن يكون دولة إسلامية، وعازم علي تطبيق الشريعة الإسلامية، والغريب أن الشريعة الإسلامية قد تم تطبيقها منذ الأيام الأولي للإنقاذ في أول عيد للإستقلال في ذمانها، والغريب أيضاً أن السودان دولة إسلامية، وحتي لو كانت دولة إسلامية فإن حقوق غير المسلمين محفوظة، ومكانتهم محترمة، وموقعهم مطلوب في الدولة لما تميزوا به من كفاءات وخبرات قدمت ولم تزل تقدم الكثير في خدمة البلاد.
إن اللهجة الإسلامية الشديدة في وسائل الإعلام، وفي التلويح المستمر بالشريعة الإسلامية كانت سبباً في هجرة الكثير من المسيحيين وغير المسيحيين إلي خارج السودان، بدءاً بإعلان جعفر النميري للشريعة الإسلامية في 1983م، تم إعلان الشريعة الإسلامية في عهد الإنقاذ، والذي حافظ علي تواجد المسيحيين معه في أعظم المواقع قبل أنفصال الجنوب، ولقد لحقت الأقباط آلام الهجرة إلي الخارج، وبحسب تقديري أن أقباط السودان حوالي ثلاثة مليون مواطن سوداني، ما بين خارج السودان وداخل السودان، يتزايدون خارجياً عندما تعلو نبرات شقيقهم المسلم، وتنخفض عندما تعود النبرات حنوناً دافئة.
وعندما يسألوننا المسيحيون في السودان إلي أين؟! نجيب بأنه لا مكان لنا سوي السودان، ولا وطن لنا سوي السودان، إنه وطننا لن نذهب إلي غيره، وسوف نجد لنا فيه موقعاً لأنه واقعنا السعيد، والذين أضطروا للهجرة خارج السودان ما زالوا يحلمون بالعودة إلي بلادهم، ليشاركوا في بناء الوطن وتنميته.