الأقباط متحدون | د. أشرف الصباغ يكتب: اللعب بالنار والطرق التي تؤدي إلى تورا بورا
ستظهر الصفحة بشكل مختلف لآنك تستخدم نسخة قديمة من متصفح أنترنت أكسبلورر، استخدم نسخة حديثة من انترنت اكسبلورر او أى متصفح أخر مثل فايرفوكس لمشاهدة الصفحة بشكل أفضل.
أخر تحديث ١٨:٢٩ | الاربعاء ٢٩ فبراير ٢٠١٢ | ٢١ أمشير ١٧٢٨ ش | العدد ٢٦٨٥ السنة السابعة
الأرشيف
شريط الأخبار

د. أشرف الصباغ يكتب: اللعب بالنار والطرق التي تؤدي إلى تورا بورا

الاربعاء ٢٩ فبراير ٢٠١٢ - ٢٢: ٠٤ م +02:00 EET
حجم الخط : - +
 

د. أشرف الصباغ يكتب: اللعب بالنار والطرق التي تؤدي إلى تورا بورا

يتكرر السؤال مرة أخرى: ما هي الأسباب الحقيقية وراء غضب المجلس العسكري من الإدارة الأمريكية؟ ولا إجابة إلى الآن! غير أن كل الشواهد تؤكد أنه مجرد سوء تفاهم أسري سيحل بتقليص حجم ونفوذ وتأثير العسكر في مصر لصالح الإخوان والسلفيين. وسيتم ترتيب الأمور بحيث لا يغضب أحد. هكذا شاءت واشنطن أن يتقدم تيار الإسلام السياسي المشهد في مصر وكل دول شمال أفريقيا، وأن تتراجع الأنظمة السابقة أو بقاياها.

لقد تورط المجلس العسكري حتى النخاع بعنجهيته وثقته المفرطة بنفسه وبقدراته، وبتحالفاته الساذجة مع الإخوان واستهانته بالشعب وبأرواح أبنائه. كان المجلس العسكري يتصور، عندما أقدم على أولى خطواته في استفتاء 19 مارس، أنه قادر على تحجيمهم حتى وإن صالوا وجالوا في الاستفتاءات والانتخابات وفازوا وانتصروا وشكلوا الأغلبيات والشرعيات. بل وأغمض قانونيوه وبقية المشرعين العاملين لحسابه أعينهم عن السقطات القانونية والتشريعية في استفتاء 19 مارس 2011 والوثائق الدستورية والانتخابات التشريعية (البرلمان والشورى). وذلك أملا في استخدامها إذا أخل الإخوان بتعهداتهم واتفاقاتهم. ولكن يبدو أن قواعد اللعبة تغيرت فجأة لسبب خطير ووجيه أشار إليه النائب البرلماني محمد أبو حامد في أحد البرامج التلفزيونية بأنه "يجب التحقق من وقوع الأسلحة التي دخلت من ليبيا في أيدي الإخوان المسلمين".

هذا العامل تحديدا هو الذي قلب موازين القوى ليدفع بالإخوان إلى الصف الأول في المشهد السياسي المصري، ويزيح العسكر إلى الخط الثاني، وربما الأخير فيما بعد. هنا لا يمكن استبعاد الدور الأمريكي في قلب الموازين وتأكيد أحقية الإخوان بحكم مصر، إن لم يكن بشرعية الانتخابات والاستفتاءات فبشرعية السلاح. لقد أسقط في يد المجلس العسكري عندما اكتشف أبعاد اللعبة، خاصة وأنه طوال عام كامل تورط في كل ما حدث تقريبا إلى أن وجد نفسه بعيدا عن الشعب معزولا ومنبوذا ومتهما في دماء كثيرة وأرواح أكثر ومهددا بعدم الخروج الآمن. ولكنه في ذات الوقت لا يستطيع أن يعلن الحقيقة أو يلمح حتى بأن واشنطن باعته لصالح الإخوان، لأنه شريك وطرف رئيسي في اللعبة من بدايتها، وقد يخسر خروجه الآمن ويفقد كل ما يملك. ولكن واشنطن عادة لا تبيع حتى النهاية ولا تشتري أيضا!

في 23 يناير 2012 استعرض الإخوان بعضا من قوة مليشياتهم بدون سلاح. فرد عليهم المجلس بغض الطرف عن مليونيات حاشدة بدون الإخوان والسلفيين، بل وتراجعت قواته أمام ما لا يقل عن 200 ألف متظاهر وصلوا إلى وزارة الدفاع من ناحيتي العباسية وكوبري القبة. وفي المقابل بدأ مجلس الشعب "الإخواني الشرعي!" يلوح بأوراق كثيرة يمكن أن تهز عرش المجلس والقوات المسلحة بالكامل. هنا أدرك المجلس العسكري مدى ضعف موقفه فألقى بآخر ما عنده، وهو الخلاف بينه وبين الإدارة الأمريكية لعله يحشد الشعب وراءه. ولكن للأسف فرصيده قد نفد تماما ولسنوات طويلة مقبلة. وقد ينعكس هذا على الجيش والقوات المسلحة إذا لم يتم تدارك الأمر في أقرب وقت ممكن. فقد تبين من التحقيقات أن المنظمات الخمس المتهمة، أربعة أمريكية وواحدة ألمانية، حولت أقل من 50 مليون دولار للعمل داخل مصر. فهل 50 مليون دولار كافية للتأثير على سيادة مصر؟ إذن، فأي سيادة هذه تهتز أمام 50 مليون دولار، وهناك من يملك ثروات في مصر من بين طواغيت المال القدامى والجدد أضعاف أضعاف هذا المبلغ؟ وهل هذه المنظمات كانت تعمل في عهد مبارك؟ إذن، فلماذا لا تضاف تهمة جديدة إلى مبارك وأركان حكمه بالسماح لهذه المنظمات بالعمل بدون ترخيصات رسمية والإضرار بأمن مصر ومصالحها العليا وبخمسين مليون دولار فقط؟! وهل هذا هو السبب الحقيقي فعلا في "زعل" العسكر من واشنطن؟!!

الآن يحاول المجلس العسكري اللحاق بالقاطرة الأخيرة والحفاظ على النفس والأملاك والرضاء بدور صغير إلى أن يتم تجهيز كوادر الإخوان لقيادة المؤسسات السيادية وغيرها وتسييرها مستقبلا وفقا للخريطة المتحركة التي ترسم من وراء المحيط لمنطقة شمال أفريقيا، وربما للشرق الأوسط بالكامل. من الواضح أن كل المؤشرات تؤكد أننا أصبحنا أمام أمر واقع لا فكاك منه. فالمجلس العسكري أصبح ضعيفا وغير قادر على مواجهة الإخوان. والأخيرون يتعاملون بثقة مفرطة، وبطول بال مع المجلس تقديرا لخدماته. بل ويتواضعون تماما عندما يلمحون بأنهم ليسوا قادرين الآن على مواجهة العسكر. وهذه إشارة إضافية مبالغ فيها كثيرا باحترام شكلي للمجلس والحفاظ على هيبته.

لقد نجح العسكر والإخوان في استخدام خيار مبارك "أنا أو الفوضى" لتحويله إلى شعار "نحن أو الحرب الأهلية". ولكن هذا الخيار الأخير أصبح الآن ملكا للإخوان بعد الاتفاق الكامل مع واشنطن، والصمت الأوروبي المريب، واستبعاد العسكر من المعادلة الأساسية، وترتيب الأوراق مع بقية تيارات الإسلام السياسي في المنطقة، وعلى رأسها في ليبيا وتونس وجمهورية حماس والسودان، إضافة إلى التنسيق مع دول إقليمية تدعم هذا الاتجاه بكل الوسائل والأدوات في إطار المشروع المستقبلي لأفغنة المنطقة وتحويلها إلى تورا بورا واسعة. فسوريا أصبحت أقرب والجزائر على الطريق، واليمن قاب قوسين أو أدنى. وما نراه يوميا في العراق من تفجيرات – كل ذلك يشير إلى مقدمات واقعية للمشروع الكبير. هذا الحديث لا يمكن فهمه كخيار بين الأنظمة الاستبدادية وبين أنظمة شمولية وفاشية. فالخيارات الثالثة والرابعة والعاشرة مطروحة دائما ومن المستحيل أن يختار الإنسان العاقل بين شرين أسوأ من بعضهما البعض.

خلال عام كامل لم يكشف الإخوان والسلفيون عن وجوههم الحقيقية فقط، بل أكدوا أيضا كل ما ذكر ويذكر عنهم في الأدبيات السياسية والاجتماعية والتاريخية وكان مثار شك لدى البعض. ولكن لا يمكن في الوقت نفسه أن تنجح مساعي المجلس العسكري في افتعال مواجهة بين مليشيات الإخوان والشعب (على الرغم من استعداد الإخوان لذلك)، لا لأن الشعب يحب الإخوان أو يخشى مليشياتهم، بل لأن الشعب فقد الثقة بمن أودعها إليه في بداية ثورته. يبقى أحد الخيارات أمام المجلس العسكري للحفاظ على وجه مصر الحديث والمتحضر، ألا وهو الوقوف بشجاعة وفروسية (وليس بالشكل المعيب لأركان نظام مبارك ومبارك نفسه) أمام القضاء لتلقي الجزاء العادل. اتخاذ الإجراءات القانونية إزاء الأشكال والمؤسسات التي تشكلت خلال العام الذي أعقب الثورة وإصدار أحكام بحلها ومحاسبة المتسببين قانونيا في إهدار المال العام في انتخابات غير شرعية. كل ذلك مع تسليم السلطة فورا إلى مجلس رئاسي مدني والبدء بشكل صحيح ومنظم في وضع الدستور والاستفتاء عليه. التحقيق الفوري في موضوع الأسلحة الليبية واتصال بعض الجماعات بدول أجنبية بهدف الدخول في أحلاف ومشاريع إقليمية تضر بالمصالح القومية المصرية.

يبقى ما يسمى بـ "الانفلات الأمني" الذي يتم تصويره على أنه العائق أمام أي خطوات لنهضة مصر. فكما لا توجد خلافات جوهرية بين القاهرة وواشنطن، وبين المجلس العسكري والإخوان المسلمين، لا يوجد أيضا أي انفلات أمني. كل ما في الأمر أن خطة واضحة ومنظمة وكلاسيكية جدا يجري تطبيقها إلى أن تنضج الطبختان الداخلية والخارجية وتتسقان في خط واحد ضمن المشروع الكبير للمنطقة. لقد تحدثنا في السابق عن الاغتيالات السياسية والتهديدات، وعن دور المليشيات السرية والأجهزة الأمنية وإشاعة العنف واختفاء السلع الأساسية، ودور الإعلام المضاد في تحويل الناس إلى قطيع مرعوب من انهيار الدولة.. كل ذلك هو الورقة الوحيدة المتبقية لإجهاض أي تحرك إلى الأمام. فالعناصر التي تدير وتنفذ ما يسمى بـ "الانفلات الأمني" لا يمكن أن تكون غير مدربة ومجهزة ولديها كل الوسائل والأدوات والتسهيلات. وبالتالي، إذا كان المجلس العسكري راغبا بالفعل في الحفاظ على وجه مصر الحضاري (قبل الوقوف أمام القضاء)، فعليه ترك المسؤولية على عاتق الصفوف الأدنى للقيام بتأمين البلاد أثناء تنفيذ كل المطالب المذكورة أعلاه، بما في ذلك الصفوف الأدنى أيضا بوزارة الداخلية وقطاع الأمن الوطني والمخابرات. فالوقت يعمل ضد العسكر والإخوان. وموقفهما المتعنت من ثورة الشعب المصري هو الذي يضعف البلاد اقتصاديا وأمنيا ويدفع بها إلى مشارف الصدامات الأهلية. فهما يريدان سلطة مطلقة (رغم الكلام المعسول عن التعددية والحرية والديمقراطية) والمشاركة في مشاريع تضر بأمن البلاد ومستقبلها ومصالحها القومية، بينما يريد أبناء الثورة دولة تتسع لجميع المصريين بدون عنصرية دينية واجتماعية، ومجتمع مدني، ودولة لا دينية ولا عسكرية. وقبل كل شئ يريدون مجتمع الكفاية والعدالة الاجتماعية. فالإنسان المصري لا يستحق ما يفعله به العسكر والإخوان، لأنهما غير موجودين أصلا لا في خريطة الثورة التي سالت فيها دماء المصريين، ولا على وجه مصر الحديثة.




كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها



تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :
تنوية هام: الموقع غير مسئول عن صحة أو مصدقية أي خبر يتم نشره نقلاً عن مصادر صحفية أخرى، ومن ثم لا يتحمل أي مسئولية قانونية أو أدبية وإنما يتحملها المصدر الرئيسى للخبر. والموقع يقوم فقط بنقل ما يتم تداولة فى الأوساط الإعلامية المصرية والعالمية لتقديم خدمة إخبارية متكاملة.
تقييم الموضوع :