سحر الجعارة
بعد المشادة التى تابعها العالم أجمع بين فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر الدكتور «أحمد الطيب» ورئيس جامعة القاهرة الدكتور «محمد عثمان الخشت»، فى الأزهر العالمى لتجديد الفكر الإسلامى'> مؤتمر الأزهر العالمى لتجديد الفكر الإسلامى، كان لا بد أن تقف حائراً وأنت تتأمل البيان الختامى للمؤتمر، والذى تضمّن «كل شىء وعكسه»!.
ركز «الطيب» فى بيانه (فلا أتصور أن هناك لجنة صياغة تمثل الحضور فيه)، بداية على «احتكار حق الاجتهاد»، وقصر التجديد على من سماهم «الراسخون فى العلم» وهؤلاء طبعاً فى معيته وتخرجوا من تحت إبطه.. وتجاهل أن «الراسخين فى العلم» يدرسون فى «مناهج الأزهر» كل ما يحرض على التطرف والإرهاب وانتهاك حقوق الطفل والمرأة... إلخ!.
ثم انتقل البيان (الذى أشك أنه يعبر عن العالم الإسلامى أو موجَّه له) ليفسر معنى «الحاكمية لله»، موضحاً أن «الجماعات المتطرفة فسرته بأن الحكم لا يكون إلا لله، وأن من يحكم من البشر فقد نازع الله سبحانه وتعالى فى أخصّ خصائص ألوهيته».. مضيفاً: «هذا تحريف صريح لنصوص الشريعة الواردة فى القرآن الكريم والسُّنَّة المطهرة التى بيَّنت فى وضوح إسناد الحكم إلى البشر»، ليعود فى المادة 13 ويضع كل الأنظمة فى مأزق: «كل نظام من أنظمة الحكم المعاصرة تقبله الشريعة ما دام يوفر العدل والمساواة والحرية، وحماية الوطن، وحقوق المواطنين على اختلاف عقائدهم ومللهم، ولم يتصادم مع ثابت من ثوابت الدين».. وحتى تفسر هذه المادة فهو -ضمنياً- يوجه تهديداً لكل الحكام المسلمين والعرب منهم بأنهم يكتسبون «شرعية الحكم» من «وصاية علماء الأزهر».. وأن ما يحدده «الطيب» ورجاله من «الثوابت» هو مقياس مدى اتفاق الحاكم مع «الشريعة» كما يرونها أو اختلافه معها!
هذا يوضح لك خطورة أن تمنح «إنساناً» حصانة مدى الحياة «ضد العزل» بموجب الدستور، فى بلد رئيسه منتخب لمدد محددة، وأن تطلق يده فى ميزانية 15 مليار جنيه، بالإضافة إلى المنح والهبات، وهو ما جرَّأه على أن يعتبر العالم «من الأندلس إلى الصين» مجالاً جغرافياً لحديثه، وما دفعه بكل جسارة إلى تحديد ماهية «الحاكم فى الإسلام» ودوره.. دون أن ينتبه إلى أنه يترأس مؤسسة تابعه للدولة التى يرأسها «الحاكم»، وهو الحاكم الذى يمتلك صلاحيات «السلطة التنفيذية» ومن حقه تقويض سلطات الأزهر الواسعة وتخفيض ميزانيته أو إغلاق جامعته، كما فعلت السعودية مع هيئة «الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر»!.
حاول شيخ الأزهر تحقيق كل المواءمات والتوازنات فى بيانه «مقابل احتكار السلطة المطلقة»، فهدهد مشاعرنا بتحليل سفر المرأة دون محرم، وتحريم الإلحاد والهجرة من الأوطان باسم «الجهاد» الذى تحول على أرض الواقع إلى «إرهاب».
لكنه بنفس عقلية «الثوابت الجامدة» منح المرأة حقها فى أن (تتقلد كافة الوظائف التى تصلح لها بما فيها الوظائف العليا بالدولة)، دون أن يصرح أو يلمح إلى عمل المرأة بالقضاء لأنهم يعتبرونه «ولاية» وليس وظيفة!
وفى مغازلة للنظام أدان بيان المؤتمر (أو بالأصح بيان المشيخة) قتل المدنيين ورجال الجيش والشرطة ونحوهم ممن يقومون بمهام حماية المجتمع وحدود الوطن، والاعتداء على الممتلكات العامة والخاصة، باعتبارها جرائم إفساد فى الأرض، مؤكداً أنه يجب اتخاذ إجراءات عملية رادعة للجماعات الإرهابية والدول التى ترعاها وتدعمها، والتى تؤوى هؤلاء الخارجين وتسلطهم على أوطانهم.. لكنه لم يُدن تنظيم «داعش» بالاسم، بل على العكس حين تحدّث عن «التكفير» قال إنه «حكم على الضمائر يختص به الله سبحانه وتعالى دون غيره»، وهو أمر ينطبق على إخوتنا فى الوطن من المسيحيين تماماً كما ينطبق على «داعش وإخوانها»!.
لم أكن أنتظر من مؤتمر عالمى للمفكرين وعلماء الإسلام من كافة أنحاء العالم أن يحللوا لنا السياحة والحضارة الفرعونية ويحرموا الفساد والمخدرات والانتحار، لكونها بديهيات.. كنت أنتظر «التجديد» بمعناه الحقيقى، وهو ما اتضح أنه مرفوض من شيخ الأزهر فى رده على الدكتور «الخشت».
فى المؤتمر (الذى عُقد بأحد الفنادق الكبرى من أموال دافعى الضرائب رغم وجود قاعات عديدة بالمشيخة) قال رئيس جامعة القاهرة فى كلمته، فى جلسة دور المؤسسات الدولية والدينية والأكاديمية فى تجديد الفكر الإسلامى: «لا يمكن تأسيس خطاب دينى جديد دون تكوين عقل دينى جديد»، مشيراً إلى أن «العقل الدينى ليس هو الدين نفسه، بل هو عقل إنسانى يتكون فى التاريخ وتدخله عناصر إلهية وعناصر اجتماعية واقتصادية وثقافية، ويتأثر بدرجة وعى الإنسان فى كل مرحلة»، لافتاً إلى أن «تطوير العقل الدينى غير ممكن دون تفكيكه وبيان الجانب البشرى فيه».
وأفاض «الخشت» فى شرح فكرته التى ترفض الأخذ بأحاديث الآحاد الضعيفة ظنية الثبوت، لقد كان «الخشت» على وشك الإطاحة بـ«أصنام التراث» ومقدسات كهنة المعبد.. فكان لا بد من الرد عليه بأسلوب لا يرقى لمقام المتحدث ولا المعقب!.
قال الدكتور «الطيب»: «كنت أود أن كلمة ستلقى فى مؤتمر عالمى دولى وفى موضوع دقيق عن التجديد، أن تكون هذه الكلمة معدة سابقاً ومدروسة، لا أن تأتى نتيجة تداعى الأفكار والخواطر وهى عبارة ساخرة وغير دقيقة».. ثم دافع شيخ الأزهر عن مذهبه (الأشاعرة)، ربما لأن «الخشت» أكد أنه مسلم متجرد من المذاهب.. فكانت خطبته دفاعاً عن الأشاعرة، وجاءت الحصة التى تلخص علاقة «الطيب بالتجديد»: «إن الكلام عن التراث كلام عجيب، خسارة ما يقال عن التراث، هذه مزايدة على التراث، هذا التراث الذى نهوّن من شأنه اليوم ونهول فى تهوينه»!.
السؤال الآن: ما دمنا أسرى التراث المحنط.. لماذا يتم إهدار المال العام فى مؤتمر لا فائدة منه إلا إلهاء الرأى العام ومتابعة جهابذة الأزهر الشريف؟!
نقلا عن الوطن