بقلم: أحمد صبح

 
قال رئيس وزراء "مصر" الدكتور "كمال الجنزوري" في تعليقه على طلب السفارة الأمريكية بإخلاء سبيل الأجانب المحتجزين على ذمة قضية التمويل الأجنبي "إن مصر لن تركع لأحد"، ثم فوجئنا بعدها بساعات أن الأمريكان والأجانب يغادرون مطار "القاهرة"، وأن القاضي الذي يتولى المحاكمة يتنحى عن القضية رفعًا للحرج؛ لأن ضغوطًا لا تُطاق قد مورست عليه، وسوف يدفع ثمنها هو إن رضخ لها. و"مصر" الثورة لن ترحم كل من يتخاذل في رفع هامتها، وحسنًا فعل المستشار أحمد شكري الحكيم رشده، ومهما قال المستشار "عبد المعز" عن أن القاضي تنحى لأن ابنه في أحد الوظائف التابعة للسفارة الأمريكية، فقد عفا الزمن عن مثل هذه التبريرات، ومسألة "استخف قومه فأطاعوه" انتهت بعد الثورة؛ لأن الفرعون لا يستخف القوم المؤمنين بعدالة قضيتهم، بل يستخف القوم الفاسقين. أليس ابن المستشار موظفًا من قبل أن يقبل أبوه القضية؟ فالسبب ليس طارئًا حتى يتنحى المستشار، ولكن من سمات اللحظة الراهنة بعد الثورة أنها تفاجئنا بمستجدات لا سابق لها!.
 
ولقد قلت في كتابات سابقة إن الحروب الباردة والساخنة تقوم بين الدول النامية التي نحن منها  وبين القوى الكبرى، من أجل التعمية إما عن العملاء أو تمرير أي شيء على الجماهير الغافلة. أنا أدعو الأستاذ "مصطفي بكري"- عضو مجلس الشعب- أن يفحص مستنداته جيدًا التي يقول أنها تدين الدكتور "محمد البرادعي"، والذي غـُبـِن في حقه كثيرًا نتيجة تصدره المشهد لهذه الثورة، أقول للأستاذ "بكري": من أين تأتي بهذه المستندات؟ ألم تكن معك مستندات تدين "إبراهيم نافع" رئيس مجلس إدارة الأهرام الأسبق؟ ألم تكن معك مستندات تدين فلانًا وفلانًا؟ بالله عليكم أريحونا من حرب المستندات؛ لأنه معروف مين بالضبط اللي بيطلعها، ومين اللي بيتم استعماله ضد الآخرين المغضوب عليهم. آه منك يا بكري أنت و"توفيق عكاشة"، بصراحة أنا مكسوف لكم.. ثم إن المعونة الأمريكية هي هي، لذلك أطالب الشيخ "محمد حسان" أن يصفي أعماله الخيرية لصالح المعونة المصرية، ويرد المبالغ التي تبرَّع بها المصريون. يا شيخنا دي تمثيلية محبوكة من أجل أوضاع ومصالح ظاهرة، أنت صدقت أن فيه منظمات تدمّر في "مصر"؟ طيب تعرف اللي تم تقديمه في لائحة الاتهام؟ إن المنظمات بدون ترخيص! يعني غرامة 100 جنيه أو 300 جنيه وخلاص، إيه دي كل هذه الضجة؟ يا شيخنا الموضوع كله مصالح. "أمريكا" قالت لـ"السعودية" خلصي موضوع الجسر اللي بينك وبين "مصر"، و"سعود الفيصل" وزير خارجية "السعودية" قال إن شاء الله سنعطي "مصر" 3.75 مليار دولار معونة، و"أوباما" قال المعونة كما هي، و"أسبانيا" ستسلم "حسين سالم" وابنه.. يعني يا شيخ "حسان" لا تراهن دائمًا على الحاكم، والشعب بتاعنا اللي صدعتموه زمان بعدم الخروج على الحاكم، وإن جلد ظهرك وأخذ مالك، وكمان بالشجاع الأقرع في القبر، وبالنار في الآخرة لو قال للمرشح المعين التابع للجماعات الإسلامية "لا".. كل ذلك يا شيخ يجب أن نتوب منه وننضم لـ"البرادعي" العميل، و"كفاية" العميلة، و"6 أبريل" توم وجيري؛ لأنهم طلعوا بيفهموا أكثر منا يا شيخ.
 
اللعبة خالصة أيها السادة، والصفقات ظاهرة عيني عينك، حتى لو أن المخلوق جاء بالخالق- أعوذ بالله- أقصد ولو أن الرئيس قبل الدستور! أين السيادة يا حزب "الحرية والعدالة"؟ "مصر" كلها ليست أنبوبة غاز بوتاجاز، أو رغيف عيش. يا ناس اتقوا الله في الناس وارعوا الوطن في المواطنين. ملعون أبو سجن المزرعة، إيه الحكاية بالضبط؟ هو أنتم اللي كنتم ضحايا النظام السابق بس؟ السلفية وضعهم معروف من زمان! الإخوان صحيح أوذوا من النظام السابق، ولكن ليس كالجماعة الإسلامية أو الجهاد، أو غيرهم. 
 
لماذا الانتقام من "حسني مبارك" وأولاده؟ ولماذا هذا التشفي؟! أقول لكم: "أما بعد، فإن حسني مبارك قد مات؟! خلصونا من القصة دي!! مصر أكبر منا جميعًا ومن "مبارك" ومن الجميع، وأرجعوا إلى ديوان المرحوم الأستاذ "نجيب سرور"، واقرأوه جيدًا:
 
وافهم بقى الفولة     عن أمنا الغولة
 
والسلو واللعبة     والخدعة والكدبة
 
والكلب والكلبة     بيعملوا الشبكة
 
بالمكر والحيلة     ويساره ودليله
 
ولعبة الهكسوس     بالخبث زي السوس
 
والناقة والبغلة     والكبش والبقرة
 
ويا طالع الشجرة     والسر سر عليك
 
والمسألة في إيديك وكلها مساومة ورقص في الضلمة
 
وآدي حكمة بالفصحى     يا شعب فوق واصحى
 
دحنا بقالنا قرون     عايشين في عيد أضحى
 
والدبح على ودنه     وبكرة على ودنك
 
وبعده على ودني نمنم ياناس  بالدور وكله في الطابور
 
والحية هي الحية     والخية هي الخية
 
والشعب غنم متباعة     بالراس ولا فيها شفاعة
 
والخطف علينا مقاولة والقتل علينا مقاولة وعصابة واسمها دولة
 
 
نعم، نحن مازلنا في نظام قديم، الحية هي الحية، والخية هي الخية، والانفلات موجود، والخطف مقاولة الآن، واللي بيحصل في الشارع من الخطف والفدية هو هو بس على كبير، حصل مع الأمريكان ولكن بشيء منظم، وإعلام مأجور.
 
 
الموت كان في السجون المصرية ألوان، والخانات فاضية وبيسددوها، أنا رأيت ذلك في السجون، أيوه إخوة كثير جدًا ماتت بأخس ما يخزى عنه الشطان الرجيم، وده انتحر، والتاني هبوط حاد في الدورة الدموية، والثالث مات كده، والكل له تصنيف يناسبه، أنا مرة حطوني جماعة إسلامية، ومرة إخوان، ومرة سلفي، ومرة شيعي، ومش مهم، المهم أدخل في سين وجيم، وأهو شيعي وقت اللزوم تتقرى "شيوعي"، يا ناس والله العظيم لا شيعي ولا شيوعي ولا غيره، الشعب المصري كله كان "سبوبة"، الشعب المصري المسكين اهتز إيمانه بما هو إنساني وتاريخي، فالتجأ إلى اليقين المطلق لعلهم يجدون هناك من سند الإيمان ما يمنحهم السكينة والطمأنينة، وفي أجواء المطلق فإنه ليست هناك حلول مواءمة بين الواقع والمثال، وإنما يصبح هناك حق وباطل، وليس إلى غير ذلك سبيل، يعني يا سلفية يا حرية وعدالة، الشعب عايز حلول وليس مواءمة، الشعب أعطاكم لأن الخطاب الديني كان غارقًا في الغيبيات، أما الآن فنحن في حاجة إلى حلول عملية، السياسة التي كان يصنعها "مبارك" هي هي، إمداد "إسرائيل" بالغاز كما هو، اتفاقية "كامب ديفيد" ومعاهدة السلام بين "مصر" و"إسرائيل" يتسابق الإخوان والسلفية في تطمين "إسرائيل"، وقناة "السويس" خط أحمر للغرب، ماكان "مبارك" عامل كده!! العلاقة مع "إيران" كما هي لم تُفتح، أليس ذلك هو سياسة "مبارك"؟ المحاكمات هزلية من نائب عام عيَّنه "مبارك"!
 
هل نحن في ثورة أيها السادة؟ ولماذا لا يتم طمأنة المسيحيين في "مصر" بالقدر الكافي من السلفية والإخوان؟ نحن مقبلون على دستور جديد نضعه للبلاد، وطبعًا الدستور ليس معضلة، فقد درسنا القانون الدستوري في كلية الحقوق، وهو دستور للجميع حتى نعيش حياة فاضلة، بلاش استعلاء على أحد، بلاش إقصاء لأحد، الكل أمام القانون سواء، لا فرق بين دين وآخر، ومذهب وآخر، نحن مصريون، أما الأمريكان فلهم مصالحهم، وكل ما نرجوه أن تكون لنا حكومة تدافع عن مواطنيها مثل "أمريكا"، ومع ذلك أنا متفائل!.