محمد أبو الغار
الإنسان يعتمد على الأب والأم أثناء نشأته، ثم بعد ذلك على عائلته القريبة، وأحيانًا الإخوة والأصدقاء، عند حدوث الصعوبات يعتمد الإنسان على فكره وعلمه ومدخراته للخروج من الأزمات المختلفة التي تواجهه في الحياة.
الدولة مثل الإنسان، قد تعتمد على دول صديقة متماثلة في اللغة والعادات والتاريخ المشترك، ولكن هناك حدودا لذلك، والكثير من الدول الأوروبية الحليفة الآن دخلت منذ بضعة عقود قريبة في معارك حربية عنيفة أدت إلى هلاك الملايين من البشر. وخير مثال هو العلاقات الألمانية- الفرنسية التي أصبحت «سمن على عسل»، بعد أن اجتاحت الجيوش الألمانية فرنسا واحتلت أجزاء كبيرة منها.
أوروبا تعتمد في الدفاع على حلف الأطلنطى، وفجأة بدأ الرئيس الأمريكى ترامب يتخلى عن التزاماته التي كانت أمرًا مسلمًا به، والآن أوروبا تفكر جديًا في إنشاء قوة أوروبية للدفاع عنها.
في الحروب العربية- الإسرائيلية 48، 56، 67، و73، بالإضافة إلى حرب الاستنزاف والمناوشات العسكرية الصغيرة، كانت مصر هي الدولة التي دفعت أكبر ثمن من البشر والعتاد والأموال، وقد أيدت الدول العربية مصر بالقول والكلام، وبعض الأموال في بعض الحروب، وبالعتاد والأفراد في قلة من الحروب، ولكن العبء الرئيسى والدمار الاقتصادى والمدنى والبشرى تحملته مصر. وبصراحة كل دولة في العالم تنظر إلى مصلحتها أولًا وثانيًا، وربما ثالثًا تنظر إلى مصالح دول لها علاقات وثيقة معها.
مصر منذ حرب 1973 وما تلاها تحاول أن تبنى علاقات جيدة مع كل الدول الغربية، وعندها علاقات وثيقة مع الولايات المتحدة، بدأت منذ أيام الرئيس السادات واستمرت حتى الآن، وتحاول أن تقيم علاقات متميزة مع دول الخليج، وعلاقتها بروسيا والصين معقولة. صحيح أنها أهملت علاقتها مع إفريقيا سنوات طويلة، ولكنها تحاول بناءها الآن. وبالرغم من الحروب الطويلة المدمرة ومأساة الشعب الفلسطينى فإن علاقة الدولة المصرية مع إسرائيل تبدو جيدة، وهناك تعاون سياسى واقتصادى. كل ذلك يعنى أننا لم نقصر في بناء علاقات جيدة مع العالم كله، ولكن مصر تُفاجأ عند حدوث مشاكل مصيرية خطيرة تخص أمنها ومستقبلها بأن كل هذه الدول التي نعتبرها صديقة بدرجات متفاوتة لم تقدم العون والدعم الذي كنا نتوقعه، بعضها أغمض عينيه تمامًا، وبعضها قدم الدعم بالكلام فقط.
نحن الآن في أزمة بسبب بناء سد النهضة الإثيوبى، وهو الذي قد يؤدى إلى تصحر جزء كبير من أراضى مصر الزراعية، ويؤثر تأثيرًا عنيفًا على الدخل القومى، ويؤدى إلى مشاكل ضخمة للمزارعين يمكن أن تؤدى إلى كوارث مجتمعية كبيرة. كنا نتوقع من دول الخليج الصديقة التي تمول جزءًا من السد وتدفع قروضًا ومعونات إلى إثيوبيا أن يكون لها موقف قوى مؤيد لمصر، ولكن ذلك لم يحدث. علاقات مصر بالاتحاد الأوروبى وثيقة، والتعاون معه قوى، وتوجد علاقات ثقافية وتجارية متميزة، ولكن الموقف الأوروبى كان ضعيفًا في تأييد مصر. أما السودان، وهى الدولة التي يرتبط شعبها مع شعب مصر بحب وود شديدين، استمرا دائمًا حتى أثناء الخلافات السياسية بين القيادات في البلدين، لم تقف مع مصر في هذا الأمر الحيوى بوضوح. الولايات المتحدة، الدولة التي تربطها بمصر على المستوى السياسى علاقات قوية ومعاهدات ومساعدات، لم تقم بضغط واضح على إثيوبيا خلال السنوات الماضية حتى تصل مصر إلى اتفاق يحمى أرضنا وفلاحينا واقتصادنا. والآن هناك مفاوضات تجرى في واشنطن، واجتمع الرئيس الأمريكى مع وزراء خارجية مصر وإثيوبيا والسودان، ولكن هل هناك ضغط حقيقى على إثيوبيا لصالح مصر؟!.
إسرائيل التي تربطها بالدولة المصرية معاهدة سلام وعلاقات جيدة، وكذلك علاقات متميزة مع إثيوبيا، لم ترفع أصبعًا لمساعدة مصر، بل يقال إنها تسهم في دعم السد.
العلاقات والصداقات ليست كافية، وأهم منها المصالح، ما الدول التي سوف تتأثر مصالحها الاقتصادية أو السياسية إذا غضبت مصر لأنها لم تساعدها في هذا الأمر الحيوى؟.. هذا هو السؤال الذي يحتاج إلى إجابة ويوضح لماذا لا يساعدنا أحد بجدية. الأمر الثانى هو القوة المحلية وقوة الاقتصاد والقدرة على التأثير في المنطقة والتأثير غير المباشر على مصالح الآخرين.
هاتان النقطتان توضحان أن ميزان القوى ليس في صالحنا، وقدرتنا على التأثير الاقتصادى أو السياسى على الآخرين محدودة، لذا لم يهب أحد لمساعدتنا، وهو ما أعطى إثيوبيا هذه الثقة الشديدة والتعنت المبالغ فيه في سلسلة المفاوضات الطويلة التي راوغت فيها كثيرًا، فهى تعرف جيدًا أن مصر لأسباب مختلفة لا تستطيع القيام بحل عسكرى، وأن الدول الصديقة لمصر وبحساب المصالح هي صديقة بالكلام وليس بالأفعال، وهى ربما تأخذ أكثر مما تعطى، وهذا ينطبق على الجميع.
نرجو أن نوفق في المفاوضات ونتائجها، وأن نصل إلى الاتفاق لمصلحة مصر بقدر الإمكان. ولنعرف أن مصر القوية اقتصاديًا وتعليميًا وثقافيًا هي القادرة على الحفاظ على أرضها وحدودها وأمنها، وأن جيش مصر هو جيش شعبها، ومقاتلوه هم أبناء هذا الشعب. إن نوعية وتدريب الجيش في حرب 1973 أظهر بوضوح أن التعليم والتدريب كان العامل الأساسى في التميز الكبير للجيش بين 73 و67. الأمر ينطبق على مصر كلها، إذا أردنا أن تكون مصر قوية يراعيها الآخرون. علينا أن نقوى اقتصادها بمشاريع اقتصادية مدروسة بدقة، وذلك لن يحدث إلا بالتعليم المتميز لأبنائها، والشفافية، وإطلاق طاقات البحث العلمى في المجالات الحديثة، والقيادة الواعية أمر مهم، ولكن تقدم الدولة يأتى فقط بتقدم القاعدة العريضة من الشعب في ظل الحرية والديمقراطية.
«قوم يا مصرى.. مصر دايمًا بتناديك».
نقلا عن المصرى اليوم