مؤمن سلاّم
يعتقد الكثيرون أن اللادينية أو كما يسميها البعض اختصاراً “الإلحاد” ظاهرة جديدة على مصر. حقيقة أن الظاهرة قديمة في مصر ولعل الكثير من المثقفين يعرفون إسماعيل أدهم ومقالته الشهيرة لماذا أنا ملحد؟ التى نشرها في أوائل القرن العشرين. إذن فالظاهرة ليست بجديدة ولكنها فقط ظهرت على السطح بعد 25 يناير مع ارتفاع سقف الحريات وظهور كل المستور في المجتمع المصري.
مع ظهور الملحدين على السطح تحول الأمر إلى وسيلة للارتزاق لبعض الصحفيين والملحدين. فالصحف طمعا في مزيد من التوزيع وإحداث بعض الفرقعات الصحفية تناولت الموضوع بجهل وتسطيح للظاهرة؛ صورت الملحدين المصريين باعتبارهم كفار قريش الذين يشاهدهم المصريين في الأفلام التاريخية رديئة الصنع، وذلك خدمة لهدفها من النشر وهو زيادة التوزيع. أما بعض الملحدين فقد تحول الأمر إلى وسيلة سهلة ومضمونة لطلب اللجوء السياسي والهجرة إلى أوربا. فكل ما عليك هو إنشاء صفحة على الفيس بوك تسب فيها الأديان فيبلغ عنك أحدهم أو يرصدك الأمن الوطني، فيتم القبض عليك وتتعرض لبعض التعذيب ثم تخرج لحين البت في القضية، فتتجه إلى أقرب سفارة أوروبية لتجد نفسك خارج مصر خلال أسبوع تستمتع بالحياة وتصنف مصر باعتبارها دولة مناهضة للحريات الدينية.
الحقيقة أن ظاهرة الإلحاد هي نموذج مثالي لكيفية التعامل مع كل ظاهرة جديدة يتعرف عليها المجتمع المصري وهى الإهمال وادعاء عدم وجودها أو التعامل الأمني العنيف أو التسطيح والاستغلال من أجل الاستفادة المادية منها.
ولهذا إذا كان البعض يري أن في ظاهرة الإلحاد خطر ومشكلة كبيرة ولا تندرج تحت حرية العقيدة. فعليه أولاً أن يتعرف على الظاهرة، وعلى أنواع اللا دينيين، ولا أقصد بالأنواع هنا ما إذا كان الشخص ملحد أو ربوبي أو لا أدري، ولكن أقصد من النوع هنا أنواع الأسباب التى تجعل الشخص يترك الأديان ولا يعتنق أي دين.
فاللادينيين 3 أنواع:
نوع درس الأديان ورأى أنها تتصادم مع العلم والتاريخ فتركها وهذا الشخص يبنى موقفه على الفلسفة والعلم، خاصة الفيزياء والأحياء وليس بتأثير من أحداث سياسية أو اجتماعية فى حياته، وهذا النوع غالبا لا يغير موقفه حتى الموت، وغالبا ما لا يتحدث عن اللادينيه إلا فى سياق ودون افتعال للموقف، ونقده للدين يكون بعيد عن السب واللعن ولا يكون إلا فى مجالس العلم، فالإلحاد لديه ليس قضية تبشيرية. وكذلك لن تجده يوجه النقد للدين عن طريق نقد سلوك رجال الدين أو تفسيراتهم المتشددة فهو يعلم أن الدين أي دين يمكن تفسيره وتأويله بطرق شتى. وهذا النوع يحتاج لسنين لينتقل من معسكر الدين إلى اللادين. وهو أخطر الأنواع لأن من يتحاور معه لابد أن يكون متمكن من الفيزياء والأحياء وكذلك على دراية كبيرة بالفلسفة، وإلا فهو قادر على إقناع الشخص بترك دينه ولكن ليس بالضرورة عدم الاعتراف بوجود إله، وهذا هو الخلط الكبير بين اللادينية والإلحاد. وهذا النوع من الملحدين لن تراه في وسائل الإعلام المصري يتحدث بصفته لا ديني، ولكن قد تراه بصفته فيلسوف أو عالم أو مفكر أو سياسي.
أما النوع الأخر، فهو من تعرض لأزمات اجتماعية أو ضغوط سياسية ناتجة عن تفسيرات متشددة للدين أو مواقف غبية للمتحدثين باسم الدين، وهذا تجده غاضبا أبداً، يفتعل الأحاديث والحوارات لسب الأديان ويمشي فى الشارع حاملا يافطة مكتوب عليها “أنا ملحد”. وإذا دخلت معه في حوار حول الأديان فستجده لا ينقد النص المقدس ولكن كل نقده سيكون موجه لرجال الدين والتفسيرات المتشددة للدين، بل قد يبدأ في الترويج للتفسيرات المتشددة ومهاجمة التفسيرات الأكثر انفتاحا للتأكيد على ضرورة التخلص من الأديان. وهذا غالبا ما يعود لدينه بعد أن يقابل من يقدم له تفسير أكثر ليبرالية للدين ولكن بعد أن تهدأ ثورته وتحل مشكلته، فينتفي التصادم بين حياته ودينه ويعود لتدينه. وهذا يتحول إلى اللادين بمجرد حدوث المشكلة أو الأزمة أو الاضطهاد السياسي. وهنا لابد من الإشارة إلى دور الكبت الديني الذي تمارسه السلطة أو المجتمع على الأفراد ما يجعلهم يتجهون إلى الإلحاد. فكل خطايا الحكام الذين يحكمون باسم الدين تتحول إلى خطايا الإله كما هو الحال في إيران والسعودية مثلا، كما أن كل الكبت الذي يمارسه المجتمع المصري على أفراده باسم الدين تتحول إلى جريمة يرتكبها الإله وليس البشر. كذلك لابد أن نلفت هنا إلى أن التعامل مع هذه الفئة بأسلوب الاعتقال والتعذيب لن يجعلهم يغيرون رأيهم ويتراجعون عن ما يعتقدون، على العكس فهذا النوع غاضب في الأساس، اعتقاله ومحاكمته سيزيده غضبا وبالتالي سيزداد هجوما على الدين والمجتمع ويكسب المزيد من المتعاطفين.
النوع الثالث، الإلحاد بالنسبة له نمط حياة (life style) مثل الموضة وغالبا ليجنب نفسه تأنيب الضمير عندما يسكر أو يمارس الجنس خارج الزواج، وهذا أيضا يجد فى سب الدين بمناسبة ودون مناسبة نوع من التميز عن أقرانه وهذا يعود للدين بمجرد أن يعبر فترة المراهقة، ويستقر اجتماعيا ونفسيا. وقد تسمع منه أنه انتقل من السلفية إلى الإلحاد فى 6 شهور.
أتمنى في يوم أن تخرج الأمة المصرية من حالة التسطيح لكل ظاهرة جديدة تطفو على سطح المجتمع وأن تناقشها بطريقة علمية وعميقة وشجاعة، حتى تكون قادرة على التعامل مع الظاهرة. وبالتأكيد أي طريقة للتعامل مع ظاهرة فكرية لا يجب أن تكون عنيفة، فالعنف لا يقضي