ديك البرابر يؤذِّن
بقلم : إدوارد فيلبس جرجس
لم أكن اعلم ان الكتابة في هذا الموضوع ستُضّحِك القلم ثم ينقلب الحال فتتحول الضحكات إلى بكاء ، وليس في هذا عجب أو تعجب . أحياناً تنقسم الرؤية داخل الكاتب بالنسبة لحدث واحد وتذهب من النقيض إلى النقيض ، فقد ينظر إليه كنوع من الكوميديا الهزلية فيضحك هو وقلمه حتى يستلقيا على الأرض ، ثم ينظر إليه من زواية أخرى فيكتشف أنه دراما حزينة أو مأساة فيصيبهما التشنج وينطلقا في بكاء مر ، ويحتار القلم في يده ، ويهز رأسه أسفاً ، وينعي حظه لأنه وقع في يد كاتب مزدوج الرؤية !!! ، إزدواجية الرؤية تبدو واضحة بالنسبة للحدث الذي خصصت عنوان مقالي من أجله ، فعندما شاهدته على شاشة التلفاز ، اندفعت إلى ذاكرتي صورة من الماضي ، كفيلم سينمائي يعود بأحداثه إلى الخلف أو ما يسمونه بلغة السينما " فلاش باك " ، أعاد إلى ذهني منزلنا في الصعيد وسطوحه التي تشغى بأسطول من الطيور ، وكان من ضمن وحدات هذا الاسطول ، مجموعة من البرابر " الدجاج " ،
وديك البرابر الوحيد يقف دائماً في وسطهم مزهواً بنفسه ، وبريشه وألوانه الزاهية اللامعة ، وعندما يبلغ الزهو أشده يغمض عينيه ، ويرتفع ذيله لأعلى ، ليطلق صيحة طويلة أو ما نسميه صياح الديك ، أو أذان الديك ، وهناك أغنية للأطفال تقول " والديك بيأدِّن كوكوكوكو في الفجرية " ، وعندما ينتهي من أدانه تلتف البرابر حوله وقد سبلت عيونها في انتظار من ستكون المحظية الأولى له . والفرق بين الديك وسط البرابر فوق سطوح المنزل ، والديك بطلنا هنا والذي شاهدته على شاشة التلفاز ، أن الأول بيأدن في الفجرية ، والثاني بيأدن في العصرية .
أرجو ألا تتوهوا مع نقلات قلمي فأنا لا أبغي أن أحاوركم بطريقة " حاوريني يا كيكا " فأنا قلت في بدء حديثي أن الحدث الواحد يمكن أن ينظر إليه الكاتب برؤيتين أو من طرفي نقيض ، فقد يراه حدثاً مضحكاً وفي نفس الوقت وعلى النقيض الآخر حدثاً مبكياً ، وأنا لم أهضمكم حقكم وعرضت الحدث برؤيتة التي أضحكتني وهي ديك البرابر وهو يؤذن فوق السطوح ، وسأفيكم حقكم بالكامل وأعرض الرؤية الثانية للحدث التي أبكتني وأدمت عيني قبل قلبي ، ديك البرابر يؤذن في قاعة مجلس الشعب . فجأة وأثناء انعقاد الجلسة نهض النائب السلفي اللقب الوهابي المنشأ " ديك برابر المجلس " وارتفعت يداه خلف أُذنية وأغمض عينيه ليؤذن أذان العصر ، وفي الحقيقة وحتى لا أكون كاذباً وأفقد مصداقيتي أمامكم رأيته من الأمام فقط ولم أر خلفه ولم أعرف إذا كان رفع ذيله كديك برابر السطوح أم لا ،
ولا يفوتني أن أُذَّكِر بأنه هو نفس ديك البرابر الذي ابتدع بدعة مظهرية أملتها عليه لحية وشارب حليق ووهابية بدوية ، عندما أضاف كلمات عند تأديته للقسم المتعارف عليه في الدستور ، كلمات إذا صنفناها بما يتناسب مع الموقف سنجدها جاهلة بالقانون وبالدستور ، وبما يجب أن يكون عليه النائب بمجلس المفترض أنه سيشترك في تسيير أمور بلد وأنه يمتلك ما يسمونه بالعقل المستنير ، لكن هناك فرق بين الإفتراض والحقيقة ، وهذ ويلة ونكبة أغلقت باب الدخول إلى المستقبل الذي نادى به ثوار 25 يناير ، وفتحت باب مستقبل مخيف ، منذ أن استحوذت على معظم مقاعد المجلس عقول مستوردة من بلاد تنظر إلى الفكر والثقافة والإبداع والإستنارة والحرية على أنهم قمامة يجب أن تجمع وتحرق . إن الكتابة عن ديوك البرابر قد تطول ولا يكفيها الجريدة بالكامل ، وأضطر أن أضرب كُتَّاب الجريدة الأفاضل كتف قانونيه بلغة كرة القدم تدفع بهم وبمقالاتهم إلى جريدة أخرى ، ولذا سأقتصرعلى الكتابة عن ديك آخر فقط من ديوك البرابر ، السلفي اللقب الوهابي المنشأ عبد المنعم الشحات الذي لو كانت طالت قدماه قاعة المجلس لأصبح أشرس ديوك البرابر وبلا منافس ،
ولخرج علينا بفتوى جديدة تقول أن الصلاة فرض يجب أن يؤدى كل ساعة حتى يظل طوال فترة انعقاد المجلس في وضع ديك البرابر المؤذن !! ، وبالرغم من أن كلماته المبتذلة عن أدب نجيب محفوظ هي السبب من حرمانه من المجلس ، إلا أنه ظهر ثانية وهو يعيد نفس الكلمات ، وزادها بمهاترة جديدة ، بأن كرة القدم لهو محرم وضد الشرع ، وبالتأكيد هذا الفكر تسير تحت رايته كل جماعة السلف المصري باللقب الوهابية المنشأ . أنا لا أحاول أن أكون خفيف الظل أو أكتب مقالاً ساخراً ، وخاصة في مثل هذا الحدث ، لكن أحيانا أفقد التحكم على القلم ، ويعاند معي كبغل حرون ، أدفعه للجد فيندفع للهزل ، وأخيراً أعقد معه اتفاقية أن يأخذ نصيبه من الهزل ، ويترك لي نصيبي من الجد ، وأعتقد أنه أخذ حقه من الهزل ، وحق لي أن آخذ نصيبي من الجد . سأبدأ بكلمات تقليدية كُتِبت مراراً ومللنا من تكرارها بعد 25 يناير 2011 ، " إلى أين ذاهبة يا مصر " ، وباللغة العامية " رايحه على فين يابلد " ، هل أنت ذاهبة للنهاية ؟! ، وباللغة العامية " هو انت رايحه في سكة اللي يروح ميرجعش " ؟!. المثل يقول " سارقاه السكين " أي لا يشعر بألم الذبح لأن السكين ماضية أي حادة ، وعلماء المخ والأعصاب يقولون أن العقل عند حدوث الإصابة لا يترجم الشعور بالألم فوراً ، فهل هذا هو حال مصر الآن ؟ ، هل السكينة سارقاها ؟ ، أي أن العقل لم يترجم الشعور بالألم حتى الآن ، لقد مر أكثر من عام ، فكيف لا تشعر بالألم ؟! ، وكيف لم يترجمه العقل ، وخاصة أنها إصابة بالغة ؟! ، السكين الماضية التي سارت على عنق مصر ولم يترجمها العقل حتى الآن إلى ألم لا يطاق ، هي خروج التيارات المتأسلمة من كهوفها بصورة فجة وغزوها لمراكز السلطة والمجتمع بإسلوب أكثر فجاجة ، البعض يظن عن جهل أن ( الأخوان المسلمين + السلفية الوهابية + الجماعات المتأسلمة والمتطرفة الأخرى ) تعني أو تمثل " الدين " ،
فهل من يقشع الجهل عن العيون ويصرخ في الوجوه بأنهم ليسوا أكثر من مزايدين على الدين ، او تجار للدين ، أو شو إعلامي عن طريق الدين ، أو ميكيافيلية تستخدم الدين كوسيلة للوصول إلى غاية السلطة والحكم والتحكم والديكتاتورية البغيضة لإرضاء العقد النفسية والشعور بالنقص وإرضاء زبانية جهنم الذين يمولونهم !! . لقد وصفت الدكتورة سعاد صالح أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر السلفيين بأنهم " خفافيش الظلام " وأعداء الإسلام ، مشيرة بأنهم لم يظهروا إلا بعد غياب المستنيرين من المسلمين الذين يتخرجون من الأزهر الشريف ، وأضافت في مداخلة تليفونية مع الإعلامي جابر القرموطي في برنامج مانشيت على " أون تي في " أن السلفية تيار مستورد غير مصري ولا يتسق مع الوسطية التي يتسم بها الدين الإسلامي ، مشددة على أن الإسلام لا ينادي بالدولة الدينية ولا برجال الدين فالدولة في الإسلام كانت مدنية في الأساس . وكما يقولون الشيء بالشيء يذكر ، أحب أن أرسل صورة للقراء بصفة عامة واجبة التامل فقد توضح براكين الخراب التي تنتظر مصر لو سارت الأمور كما مرتب لها من خلال مؤمرات تدبر في الخفاء ، الحادث الطائفي في مدينة العامرية بسبب ما قيل أن شاب مسيحي له علاقة مع فتاة مسلمة ، العقل يقول أن أقصى ما يمكن أن يصل إليه الموقف هو عقاب بالقانون ، لكن ماذا حدث؟! ، إصابات ، وحرق ونهب بيوت ومتاجر المسيحيين ، وانتهى الموضوع بجلسة عرفية زنت بالقانون وحكمت بتهجير عدد من الأسر المسيحية من قرية العامرية بسبب هذه الواقعة ، ألا يعلم النائب السلفي أحمد شريف الهواري الذي كان أحد أفراد المجلس العرفي ، أنه سواء المجلس العرفي أو الحكم بالتهجير يخالف القانون !! ،
وأنه نائب في مجلس الشعب وأن سيادة القانون هي الفيصل وليس أحجبة الدجالين والمشعوذين ، والعجيب أنه بعد أن ثار الرأي العام شجب حزب النور والجماعة الإسلامية ما حدث وكأن هولاكو زعيم التتار عاد ثانية وفعلها . هذا مشهد واحد من مشاهد يصعب تعدادها ولن يكون الأخير ، مشاهد مثله وتفوقه تكررت بل وتعدت إلى جرائم القتل ، وفي كل مرة يكون التطرف والتشدد هو بطل المشهد المشوه ، والمجالس العرفية لا تألوا جهداً للزنا بالقانون والرقص على أنغام بلطجية التشدد والتطرف . وسؤال على هامش الموضوع ، لماذا حُكِم الآن على الممثل عادل أمام بالحبس على أفلام قديمة أجازتها الرقابة وقتها بتهمة أنها أفلام فيها إهانة للإسلام بالرغم من أنها أفلام تدين الإرهاب وتدافع عن الإسلام ، أضع القاضي الذين أصدر الحكم بين قوسن ثم أسأل ألستم ترون معي أنها فوضى انتقامية باسم الدين !! . ولنترك الحديث عن فئة السلف المصري باللقب الوهابيية المنشأ وننتقل إلى ظاهرة أخرى من الظواهر التي تفجرت بعد 25 يناير . إن علم التاريخ يقول لكي نتعرف على الحقيقة يتطلب التعرف على كل معطياتها ، ولا يكفي أن ننظر من ثقب باب جانبي لنتعرف على ما يجرى في ساحة متسعة ، ومهما تعددت الثقوب فلن نعرف الحقيقة إلا إذا حاولنا التعرف على كل جوانب الساحة ،
ومن ثم يجب أن نقف ونحاول أن ننظر برؤية شاملة للإ حداث داخل مصر منذ أن خلعت جماعة الأخوان ثوب الحظر وارتدت ثوب العلانية بل العلانية المطلقة ، وقفزت على أكتاف من ظنوا أن التيارات المتأسلمة تعني " الدين " ودخلوا إلى ساحة الحكم من أوسع الأبواب ، بالرغم من التناقض الشديد بين أهداف الثورة وما يسعون إليه ويضمرونه في نفوسهم ، فالدولة المدنية والنظام الديمقراطي هما أساسيات ثورة يناير المعبرة عن مضمونها السياسي وعن رسالتها الحضارية ، لكن ما تكشف في الفترة الأخيرة وبعد أن تمكنوا من تصدر الباب الرئيسي لفرض السلطة ، يقول أنهم خصوم لا أنصار لهذه الثورة ، إن ما انكشف حتى الآن ما هو إلا طرف فقط من نية مستترة لمعاداة مدنية الدولة وديمقراطية الحكم ، وتاريخهم الطويل يساند هذه الحقيقة . إن التاريخ يقول أنهم لا ينضموا إلى الكفة الراجحة إلا بعد ضمان رجاحتها تماماً ، وهذا ما حدث بالضبط ، انضموا إلى الثورة بعد ضمان نجاحها ، واضمر زعماؤهم الالتفاف عليها حين ينصرف الثوار ، ويخلو الميدان ، وعندئذ يتمكنوا من فرض وجودهم ، مستغلين قوة تنظيمهم وقدرتهم علي إثارة العواطف الدينية ، هكذا رددوا مع الثوار شعار الدولة المدنية ، لكنهم التفوا عليه بإضافة ماكرة تفرغه من معناه وتحول الدولة المدنية إلي دولة دينية فقالوا : نعم ، دولة مدنية ، لكن بمرجعية إسلامية ، أي بشروط تعطي الإخوان المسلمين الحق في فرض وصايتهم على الدولة ، والانفراد بالسلطة باعتبارها سلطة إلهية يتولونها بالوكالة فلا يحق لأحد من الناس أن يراقبهم أو يحاسبهم أو يعارضهم أو يناقشهم مهما كان علمه ، ومهما تكن حكمته ، وباختصار المرجعية الدينية التي أضافها الإخوان لشعار الثورة تنفي عن الدولة مدنيتها ، كما تنفي عن الحكم ديمقراطيته ، لأن الدولة لا تكون مدنية إلا بمرجعية مدنية ، أي بأن تكون المواطنة أو الحياة المشتركة في وطن هي الرابطة التي تجمع بين أفراد المجتمع على اختلاف عقائدهم واتجاهاتهم ، فالمجتمع المدني مجتمع وطني وليس ملة أوجماعة دينية ، والحرية حق طبيعي من حقوق الإنسان وهي المصدر الذي تنبع منه إرادة المواطنين , فهل هذا ما فُهم من أداء نواب الإخوان منذ أن بدأت جلسات المجلس!! ، أم أن النية المستترة بدأت تتكشف رويداً رويداً ، حتى يتمكنوا من مد أقدامهم في وجه باقي الأحزاب بل وفي وجه كل مصري لا تعجبه مرجعية مصنعة حسب الموقف والأهواء !!
الخلاصة :
الموضوع كله يمكن أن يلخص في كلمات ، لا يجب أن يوضع الدين على محك الأباطيل ، شرع الله لا يباع ولا يشترى ولا يُفصل حسب الأهواء ، العقل هو الحل ، نيتنا سليمة والحمد لله ، والقصد هو صلاح مصر ، والصلاح لن يأتي بأفكار تسييس الدين ، أو الدين المسيس ، إعطوا ما للدين للدين ، وما للسياسة للسياسة ، مصر غير معروضة للبيع في صالة مزادات ، هدى الله الجميع .
كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها
تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :