( 1872- 1912 )
بقلم/ ماجد كامل
عندما نري انخفاض في نسبة الوفيات أثناء العمليات الجراحية ؛فلابد أن نتذكر الرجل صاحب الفضل في ذلك وهو الطبيب الانجليزي الشهير جوزيف ليستر (1827- 1912 ) الذي اخترع التعقيم في العمليات الجراحية عن طريق تعقيم غرفة العمليات بمادة حامض الفارموليك كمادة مطهرة ؛ ولقد أستلهم الفكرة من العالم الفرنسي لويس باستير (1822 – 1895 ) الذي اكتشف الجراثيم التي تؤدي الي الاصابة بالأمراض . أما عن قصة اكتشافه للتعقيم فلقد جاءت هكذا ؛ فلقد كان الاهمال في مستشفي جلاسجو بانجلترا علي أشده ؛ فلقد كانت القذارة تغطي المكان كله مما أعطي الفرصة لتلوث الجروح بعد نجاح العمليات الجراحية ؛ لدرجة أن نسبة الموت بسيب التلوث كانت تصل الي أكثر من 30 % ؛وكان بعض الجراحين يدعون أن سبب تلوث الجروح يرجع الي البخار المتساقط من أسقف وحوائط المستشفي ؛ غير أن هذا الرأي لم يوافق عليه ليستر ؛ الذي طالما سأل نفسه "لماذا يشفي المصابون بكسور بسيطة في العظام خاصة غير المصحوبة بجروح غائرة بسهولة ويسر ؛في حين أن 90 % من المصابين بجروح شديدة تتقيح جراحاتهم بعد العملية ؟ ولم يقتنع ليستر بأجابة الأطباء أن البخار هو السبب . وفي يوم من أيام عام 1865 ؛كان يتجاذب أطراف الحديث مع أحد أصدقائه الأطباء ؛ فأخبره أنه لديه كتاب لعالم فرنسي يدعي لويس باستير يتناول ظاهرة التعفن ويرجعها إلي نوع من الكائنات الحية الدقيقة عن طريق تعريضها لدرجات حرارة مرتفعة ؛ وهنا فكر ليستر في استخدام بعض المواد المطهرة ؛وتمكن من الوصول الي حامض الفارموليك في صورة نقية تذوب في الماء ؛وأخذ يتحين الفرصة لتجربته ؛ حتي جاء إليه ذات يوم صبيا مصابا بكسر مضاعف في الساق ؛ ؛وقد أخترق الجرح لحم الساق بصورة صعبة جدا ؛ فقام ليستر باستعمال محلوله لأول مرة في تنظيف الجرح ثم ربطه بقطعة من الشاش المبلل بنفس المحلول ؛وبعد عدة أيام قام بفك الرباط ؛
فوجد الجرح علي أحسن ما يكون وقد التئم وتكونت فوقه قشرة نظيفة خالية من اي تلوث ؛ففرح جدا بهذه النتيجة ؛ لكنه أراد أن يجرب اختراعه هذا بصورة أكبر وأشمل ؛وظل لمدة تسعة أشهر يجربه علي مرضاه ؛ فلم تظهر أي مضاعفات علي الجرح ؛ونشر نتيجة بحثه في عدد شهر مارس 1867 في أحدي المجلات الطبية ؛فقام أحد الأطباء الألمان بتجربة المحلول علي مرضاه لمدة عام ؛وأكد في نهايتها أختفاء جميع حالات الغرغرينة ومضاعفات الجروح بين مرضاه . فوجه ليستر جهوده بعد ذلك لتطوير اختراعه ؛ فطالب جميع المستشفيات بعدم استخدام أربطة الجروح من الأربطة الغير نظيفة ؛وطالب جميع الأطباء باستخدام ضمادات من الشاش النظيف ؛ وطالب جميع الأطباء بتعقيم خيوط الجراحة بمحلول حامض الفارموليك قبل أستعمالها ؛كما طالب المستشفيات برش أرضية غرف الجراحة وهوائها برذاذ من المحلول حتي تقل قدر الإمكان فرص تلوث الجروح بالميكروبات السابحة في هواء الغرفة . ووسط كل مشاغل ليستر العديدة ؛إلا أنه أصر أن يمر علي جميع المستشفيات والعنابر ليتابع بنفسه مدي انتظام الأطباء والممرضات في استعمال المحلول . وبالرغم من علم ليستر الغزير ؛ إلا أنه تميز ببساطة قلب متناهية ؛ففي أثناء مروره علي أحد العنابر ؛ وجد طفلة تبكي بحرقة ؛فكشف عن جرحها ؛فوجده سليما في طريقه للشفاء ؛فسألها عن سر بكائها الشديد ؟ فقالت له "أن الممرضة أخذت منها عروستها " فلما سأل الممرضة عن السبب ؛أجابته أن العروسة بها ثقب كبير تتساقط منه نشارة الخشب علي سرير الطفلة ؛ فخافت عليها أن نشارة الخشب المتناثرة قد تلوث الجرح ؛ وهنا داعب ليستر الطفلة وقال لها سوف أعالج جرح عروستك ؛ وأخذ أبرته الجراحية بنفسه ؛ وهو أكبر جراحين بريطانيا ؛ وخيط بها ثقب العروسة ؛ثم أعاده إلي الطفلة وسط دهشة وفرحة الجميع ببساطة العالم وتواضعه الكبير .
وفي أخر أيام حياته منح لقب لورد ؛وعين رئيسا للجمعية الطبية الملكية ؛ وفي عام 1902 منح وسام الاستحقاق من الملك ادوارد السابع ؛ وصار الطبيب الخاص للملكة فيكتوريا حتي توفي في عام 1912 عن عمر يناهز 85 عاما ؛ بعد أن نجح في انقاذ حياة الملايين من البشر بفضل اختراعه العظيم في التعقيم والتطهير .