بقلم: مصطفى عبيد                            

مصر لا تركع كما يقول الدكتور كمال الجنزورى رئيس الوزراء ، ولكنها تسجد كما يبرهن ما جرى من تهريب للمتهمين الامريكيين فى قضية التمويل الاجنبى . فبين سلطة القهر وقهر السلطة تخلع بلادنا ثيابها قطعة قطعة وتبيع نفسها لمن بدفع وربما فى بعض الاحيان – للأسف -  لمن لا يدفع .

تجوع الحرة ولاتأكل بثدييها ، وتكافح الامم الأبية ولا تبيع كرامتها ، وما فعلته السلطة الحاكمة مع متهمين أمريكيين يخضعون للقضاء المصرى لا يوصف الا بجريمة هتك عرض فى وضح النهار قام فيها حكامنا الجدد بالقاء بقع من الحبر الأسود على شرف القضاء وكرامته واستقلاله .

بعد الثورة ، كنا نظن – وكثير من الظن فى بلادنا وهم – أننا شعب حر له كرامته ، لا يقبل ضغوطا ولا يرضى باملاءات خارجية ، ولا يسمح بتدخلات فى شئونه الداخلية ... كنا نحسب أن قضاءنا حر ،  ومستقل ، وعادل ، وأن الجميع متساوون أمام القانون .. .كنا نعتقد أن السلطة الجديدة لا تخضع الا لمواطنيها المتشوقين للكرامة والعزة .

 كنا سذجا أو متساذجين ننكر القبح ونحسن الظن بالفراعنة الجدد الذين اغتصبوا العرش بعد أن أطلقنا رصاص العزل  على كبيرهم .

كانت القضية غريبة ومفتعلة ومضخمة ، وأشبه ب" تمثيلية بايخة " لصناعة شعبية لحضرات العساكر  . سرنا مخدرين وراء أبطال كاذبين نلعن الامبريالية ، ونرفض التبعية ونرفع رءوسنا عالية معلنين ميلادا جديدا لمصر والمصريين . وقتها صفقنا للوزيرة فايزة ابو النجا مهندسة قضية التمويل الاجنبى وتناسينا أنها كانت ركنا أساسيا فى نظام مبارك ، ثم صفقنا للدكتور الجنزورى ورددنا خلفه فى بلاهة أن مصر لن تركع أبدا . وأنتهز الطبالون والزمارون الفرصة ليقدموا للمجلس العسكرى الحاكم مدائح التقرب ، وأناشيد التزلف صانعين منهم أبطالا خالدين .

وعندما خرج المتهمون الأجانب من مطار القاهرة بعد تدخل "جهة سيادية " معززين مكرمين أيقنا تماما أن ثورة 25 يناير انتهت الى الابد ، وان عصافير الكرامة غادرت هذه الارض دون رجعة ، وصار علينا أن نهتف  بجنون مع  المبدعة الرائعة أحلام مستغانمى : أيها الوطن الكبير .. يا وجعنا الموروث .. لا تطرق الباب كل هذا الطرق ، فلم نعد هنا . "

لقد اختطفوا  منا الوطن ، ولما حاولنا استرداده فى ثورة نادرة قبل عام حشدوا مستثمريهم ، ومنتفعيهم ، وضباطهم ، وصحفييهم، وخدمهم وحشمهم وقتلتهم المأجورين وشطبوا لحظة النور الفارقة فى تاريخنا الحديث .

إن الشاعر السورى محمد الماغوط يصدمنا بحقيقة اللحظة عندما يكتب : " للوطن خبزى وخبزكم ، مائى وماؤكم ، حنانى وحنانكم ، وغلة الحقول والمراكب ، وقوت الفراشات والعصافير ، وعرق العمال والطلاب والفلاحين . وكل ما فى الارض والسماء وأعماق المحيطات هو للوطن ... والوطن لبضعة لصوص . " والله أعلم .