بقلم /ماجد كامل
من ضمن أساليب العلاج النفسي وأسهلها ( وربما أهمها أيضا ) وهو "العلاج بالحب" فجرعة الحب والحنان التي يقدمها الخادم للمخدوم من الممكن أن تكون وسيلة علاج هامة وفعالة لعلاج كثير من الأمراض والمشاكل النفسية ؛ وهذا ليس كلام وعظ بل حقيقة علمية وطبية أثبتها الكثير من علماء الطب والمخ والأعصاب ؛ فعاطفة الحب تقوي جهاز المناعة عند الإنسان مما يعجل بالشفاء ؛ ولقد سمعت ذات مرة في أحدي البرامج الفضائية عن قصة عن حارس مرمي المنتخب الفرنسي لكرة القدم ؛ فلقد أصيب بمرض اللوكيميا "سرطان الدم" وكان في المراحل الأخيرة من المرض ؛ولقد أجمع معظم الأطباء المعالجين انها حالة ميئوس منها Hopeless Case . وبينما هو يرقد في أحدي المستشفيات الفرنسية تطلع من النافذة فرأي آلاف المشجعين يقفون أمام المستشفي يريدون الإطمئنان عليه ؛ فتعجب جدا من هذا العدد الضخم الذي يريد أن يطمئن عليه ؛وتساؤل في نفسه (هل أنا إلي هذه الدرجة مهم ومحبوب عند الناس ؟ ) وشعر بفرح وتعزية كبيرة وارتفعت روحه المعنوية جدا بعد أن وصل إلي درجة اليأس وإنتظار لحظة المموت ؛وكان هذا الفرح والتعزية سببا كبيرا جدا في سرعة شفائه ؛وهو حاليا "وقت سماعي لهذه القصة" مدرب المنتخب الفرنسي لكرة القدم ؛ قصة أخري قرأتها علي أحدي مواقع الأنترنت عن طفلة تايلندية ولدت مصابة بمرض نقص المناعة البشرية " الأيدز" مما أدي إلي كراهية جميع أفراد أسرتها لها ونبذها حتي اودعوها في أحد المستشفيات الحكومية ؛ وظلت تحت الرعاية الطبية ولكن حالتها كانت تزداد سؤا عاما بعد عام ؛ وبناء علي نصيحة من أحد الأطباء المعالجين تم إيداعها مجموعة علاجية تعرف بأسم "مجموعة نحن نفهم " وهي مؤسسة أهلية غير حكومية متخصصة في علاج الأطفال المصابين بمرض الأيدز وتابعة لهيئة اليونسيف "أحدي هيئات الأمم المتحدة" وهذه المؤسسة تعالج الأطفال عن طرق الحب وتقديم الدعم العاطفي لهم ومعالجة الآثار السيئة المترتبة علي مرض الايدز مثل ( الشعور بالرفض – الخوف من الموت – الشعور بالوحدة والإكتئاب بسبب النبذ والإحتقار ..... ألخ ) حيث تقوم بجمع هؤلاء الأطفال وتقديم العلاج النفسي لهم ؛ ومن ضمن هؤلاء الأطفال كانت الطفلة التايلندية صاحبة القصة ؛ فبدأت تشعر بتحسن كبير في حالتها الصحية وكتبت في مذكراتها تقول (عندما أشعر بقرب موعد الموت ؛ فأني أقول لنفسي أنني اليوم علي الأقل أعيش وأستطيع أن أتمتع برؤية الشمس المشرقة ) واخذت صحتها تتحسن تدريجيا حتي شفيت من المرض . وإذا ما أنتقلنا إلي نظريات علم النفس فأننا نجد عالم النفس الأمريكي الشهير "إبراهام ماسلو " قد قام بوضع هرم ما أسماه بهرم الإحتياجات البشرية ؛ وقام بترتيب الإحتياجات حسب اهميتها علي النحو التالي :-
1- الحاجات البيولوجية الأولية " الحاجة للتنفس والطعام والشراب والراحة ... الخ "
2- الحاجة إلي الشعور بالأمن
3- الحاجة إلي الحب والانتماء
4- الحاجة إلي تقدير الذات
5- الحاجة إلي تحقيق الذات أو كما أسماه هو " Self Actualizing “ " ويأتي في قمة الهرم .
فالحاجة الي ان تحب وان تحب "TO Love and to BE Loved " يأتي في المرتبة الثالثة عند ماسلو ؛ وهو شرط أساسي لتحقيق الصحة النفسية . كذلك يذكر بعض علماء النفس انه يوجد في جسم الإنسان 14 مسار للطاقة عبارة عن خلايا كهربائية تسري في جسم الإنسان لكي ينشط ويواصل حياته ؛ وأن المشاعر السلبية مثل الحقد والحسد والكراهية تعوق مسار هذه الطاقة الكهربائية مما يؤدي إلي خلل في وظائف الجسم البشري ؛ بينما المحبة وعمل الخيرتطهر مسارات هذه الطاقة فتخلق لدي الإنسان مشاعر الصحة الروحية والنفسية والجسدية وتغسل النفس من الشرور ؛ ولقد اكتشف عالم المخ والأعصاب "روبرت ادر" من خلال أحدي تجاربه التي أجراها في جامعة روشتر علي مجموعة من فئران التجارب البيضاء حيث قام بحقنها بعقار يثبط المناعة في الجسم ؛ وفي كل مرة كانت الفئران تتناول العقار مذابا في ماء محلي بالسكارين ؛ وفي ذات مرة عقر "ادر" الفئران بالماء المحلي بالسكارين وحده من دون العقار فلاحظ ان محلول السكارين يضعف خلايا الجهاز المناعي بنفس القدر الذي يحدثه العقار المصاحب الي الحد الذي جعل بعض الفئران تصاب بالمرض وتموت ؛ ولقد أحدث اكتشاف "ادر "ثورة كبري في عالم الطب ؛ فلقد كان جميع علماء الطب يعتقدون ان المخ والجهاز المناعي كيانان منفصلان تماما لا يستطيعان أن يؤثرا في بعضهما البعض ؛ ولقد أدي هذا الإكتشاف إلي ظهور فرع جديد من علم المناعة عرف بأسم
( علم المناعة النفسي– العصبي Immunology Psycho Neuro ) أو ما يعرف اختصارا بــ " P .N .I " . ولقد لاحظ أحد الأطباء حالة مريض بالسرطان في مراحله المتأخرة ولم يبق له إلا أيام ويموت ؛ وكان هناك دواء جديد تحت التجربة لعلاج مرض السرطان ؛ وتحت إلحاح المريض وافق الطبيب علي تجربة الدواء عليه مع مرضي آخرين ؛ ولم يأت العلاج بتيجة إلا مع هذا المريض الذي شفي تماما تقريبا ؛ ولكن حين اعلنت أحدي المجلات الطبية عن ثبوت فشل هذا الدواء في علاج السرطان ؛ وعرف المريض بذلك أنتكست حالته مرة أخري وعاد إلي المستشفي ؛ فأخبره الطبيب أن هناك علاجا متطورا أنتج من هذا الدواء وقام بحقنه به فشفي المريض تماما مع أنه لم يحقنه إلا بماء مقطر . ومن هنا بدأ الطبيب الإهتمام بدراسة دور الإيمان والشفاء الذاتي في الصحة والمرض .
وما أروع كلمات الشاعر الكبير صلاح جاهين في ديوانه الجميل " الرباعيات " قوله :-
بحر الحياة مليان بغرقي الحياة
صرخت خش الموج في حلقي ملاه
قارب نجاة ! ... صرخت قالوا مفيش
غير بس هو الحب الحب قارب نجاة
عجبي !!
وما أروع كلمات الشاعر الكبير جبران خليل جبران حين يقول :-
إذا المحبة أشارت إليكم فأتبعوها
وإن كانت مسالكها صعبة منحدرة
وإذا ضمتكم بجناحيها فأطيعوها
وإذا خاطبتكم المحبة فصدقوها
فكما هي تعمل علي نموكم ؛ هكذا تعلمكم وتستأصل الفاسد منكم .
المحبة تضمكم إلي قلبها كأغمار الحنطة
المحبة لا تعطي إلا نفسها ؛ ولا تأخذ إلا من نفسها
المحبة لا تملك شيئا . ولا تريد أن يملكها أحد
وإذا أحببت ؛ وكان لا بد أن تكون لك رغبات خاصة فلتكن هذه هي رغباتك :-
ان تذوب وتكون كجدول متدفق يشنف آذان الليل بأنغامه
أن يجرحك إدراكك الحقيقي للمحبة في حبة قلبك ؛ وأن تنزف دماؤك وأنت راض مغتبط
ولقد أجمل أحد الأطباء النفسيين القضية كلها في هذه العبارة المختصرة المفيدة وهي "حبوا تصحوا "