بقلم : د. مجدى شحاته
الاصوام كانت ومازالت وستبقى مقتدرة فى فعلها ، ولعل أروع الامثلة وأعجبها ما حدث على جبل التجلى ، عندما وقف رب المجد يسوع ومعه موسى وايليا يضيئون بنور عظيم مبهج ومجيد ، والثلاثة كانوا قد صاموا قبل هذا التجلى المذهل والفريد ، أربعون يوما وأربعون ليلة .
وراء هذا المشهد معنى رائع وعظيم ، أن تجلى الروح مع الجسد يتلازم مع قهر الجسد بالصوم والزهد .
ان التاريخ ملئ بنماذج جبارة من رجال الله وقديسيه الذين ارتقوا الى درجات عالية سامية من الطهر والقداسة والروحانية من خلال الصوم . موسى النبى صام أربعون يوما فاستحق ان يعاين الله ويخاطبة بدالة عجيبة ويتقبل على يديه الناموس .
ايليا النبى صام أربعون يوما فتبارك بمشاهدة الله وأقام الموتى وانفتحت السماء أمامه .
دانيال النبى كان عاكفا على الصوم فتطلع اليه الملاك جبرائيل وكشف له أسرار الله ، واستير وحزقيال وعزرا ونحاميا وحنه النبية ويهوديت وغيرهم من الصوامين الاتقياء .
وصام الاباء الرسل ليؤسسوا لنا أقدم واول صوم فى الكنيسة .
وفى العهد الجديد بدأ السيد المسيح له المجد خدمته بالصوم وعلمنا ان الانسان ليس مجرد جسد ، انما فيه عنصر الروح ، طعامه كل كلمة تخرج من فم الله فقال : " ليس بالخبز وحده يحيا الانسان بل بكل كلمة تخرج من فم الله " ( مت 4 : 4 ) وهى نفس القاعدة الروحية التى جاءت فى شرائع العهد القديم ( تث 8 : 3 ) .
ان من أهم أسباب سقوط الانسان فى الخطية وانهزامه تحت رغبات الجسد ، يرجع بالدرجة الاولى الى ضعف الارادة أمام اغراءات العالم الذى يعيش فيه .
وتقوم فكرة الصوم على انه وسيلة وليس غاية ، وسيلة لتقوية الارادة واخضاع الجسد وقهر ميوله المنحرفة وتدريب حواسه وضبط النفس ، بالانقطاع عن الاكل فترة معينة يعقبها تناول أطعمة خالية من الدسم الحيوانى .
اصوام الكنيسة ليست فرضا موضوعا علينا ، او واجب لابد من تأديته ، و ليست طقسا نمارسه قبل الاعياد او بعض المناسبات او مجرد غاية لأرضاء النفس ، او اجراء للتكفير عن الذنوب والخطايا التى لا يمكن التكفير عنها الا بدم مخلصنا يسوع المسيح الذى سفك على الصليب .
لكن الصوم هبه وفضيلة ونعمة وبركة من الله ، نمارسه لشعورنا باحتياج اليه . الصوم يمنح الصائم قوة الاهية عظيمة ... " هذا الجنس ( الشيطان ) لا يخرج بشئ ، الا بالصلاة والصوم " ( مت 17 : 21 ) . ويالها من قوة ... انها القوة القادرة على قهر الشيطان !! . الصوم لا نقصد به الجسد الجائع انما هو الجسد الزاهد والروح المتهللة بحب الله ، الصوم ليس جوعا للجسد ، بل هو غذاء الروح . فالانسان يصوم بارادته ، وكل الفرص متاحة امامه ان يأكل ويشرب ما شاء وما لذ وطاب ، لكنه بالصوم يضبط نفسه ويقمع جسده ولا يخضع لشهوة الطعام والشراب ... أليس هذا تدريبا قويا للأرادة ؟ فى سفر يوئيل ( 1 : 14 ، 2 : 15 ) تكررت هذه العبارة مرتين " قدسوا صوما ، نادوا باعتكاف " فما أروع ان نقدس أى نخصص اياما من حياتنا للرب ، وان نعتكف و نصمت عن الكلام فى العالم ، لنسمع .. ونتكلم ... مع الله .