البروتوبرسفيتيروس اثناسيوس حنين
صلاة أفرام السورى :
" أيها الرب وسيد كل حياتى
اعتقنى من روح البطالة والفضول ’
وحب الرئاسة والكلام البطال ’
وانعم على أنا عبدك الخاطئ’ بروح العفة واتضاع الفكر والصبر والمحبة .
نعم يا ملكى وألهى هب لى أن أعرف ذنوبى وعيوبى ’
وأن لا أدين أخوتى فأنك مبارك الى الأبد أمين".
(Κύριε καί Δέσποτα τής ζωής μου , πνεύμα άργίας , περιεργίας , φιλαρχίας , καί άργολογίας μή δώς . Πνεύμα δέ σωφροσύνης , ταπεινοφροσύνης , ύπομονής , καί άγάπης χάρισε μοι τώ σώ δούλώ . Ναί Κύριε Βασιλεύ , δώρησαι μοι τώ όράν τά έμά πταίσματα , καί μή κατακρίνειν τόν άδελφόν μου . ότι εύλογητός εί είς τούς αίώνες τών αίώνων . ¨Αμήν).
تقرأ هذه الصلاة مرتين فى نهاية كل صلاة صيامية من الاثنين حتى الجمعة (وليس ايام السبوت والأحاد لان خدم هذه الأيام لا تتبع تيبيكون الصوم) . عند القرأة الاولى تلحق كل طلبة سجدة .وبعدها ننحنى جميعا اثنتى عشر مرة قائلين "يا الله طهرنى أنا الخاطئ" ثم نكرر الصلاة بسجدة نهائية و فى أخرها.
لماذا تحتل هذه الصلاة مركزا مهما فى الخدم الصيامية كلها ؟ لأنها تجمع بين المتناقضات ’ شكليا ووجوديا ’ تجمع بين القلق الروحى والأكتئاب والحزن البهى والعبادة اللوغوسية . يتسأل الأب شميمان ’ ومن ثم يجيب " ...لأنها تعدد وبطريقة فريدة جميع مقومات التوبة والحياة الجديدة بكل نواحيها السلبية والايجابية ’ ولأنها بمثابة "محك" و"معيار" لمسيرتنا الشخصية والكنسية -الاجتماعية فى الصيام.
وما هى والغاية من هذه المسيرة وهذا الجهد ؟
الغاية هى الحرية والشفاء من معظم الامراض النفسية والروحية التى طبعت وتطبع حياتنا. قسم كبير من أخلاقياتنا المعاصرة يقوم على تعقيد نفسى . لهذا امتلأت ’ فى هذه الأيام ’ المصحات النفسية بطالبين الشفاء والاتزان النفسى ’ أكثر من رواد الكنائس الطالبين العلاج الروحى ! يقول الناس انه لا يفل الحديد الا الحديد ونحن نقول انه لا يفل الوجع السلبى والمرضى الا وجع ايجابى مساوى له فى القوة ومضاد له فى الاتجاه ! نطلب الخلاص والشفاء من أربعة اوجاع ’البطالة ’ الفضول ’ حب الرئاسة والكلام البطال ’ ونطلب هبة ومضادات حيوية أربعة طاقات وامكانيات العفة واتضاع الفكر والصبر والحب . فى الرسالة التى قرأناها فى أحد الغفران اليوم ’ يطلب منا بولس أن نخلع اسلحة الظلمة والتى هى حسب أفرام السورى البطالة والفضول وحب الرئاسة والكلام البطال ’ ونلبس أسلحة النور والتى هى العفة واتضاع الفكر والصبر والحب .(رسالة رومية ’ 13 ’ 11 -14 ) . لن يعود بولس يشكوا (ويحى أنا الانسان الشقى !!!) ’ بل سيفتخر بالنعمة على رجاء المجد . الصوم هو خلع ولبس ’ أن نخلع الانسان القديم ’ ونلبس الرب يسوع المسيح ولا نصنع تدبيرا للجسد ’ الصوم هو تدبير الروح للجسد ! تسليم أسلحة الظلمة ’ لبس المسيح ’ استلام أسلحة النور ’ معركة تسليم وتسلم ’ كما نقول فى لغة الجيش . الانسان الصوام لا يملك سوى (المخلة ) و(النمرة) ’ هو عسكرى مخلة يلا يوجد بها الضرورات وهو عسكرى نمرة أى ليس له ذات لا يعيش ’ فيما بعد ’ لنفسه بل للبقائد الذى أحبه ومستعد فى كل لحظة أن يموت من أجله ’ ولا يسلمه الى الموت ’ من أجل قضايا فاشلة’ وشعارات رنانة .
يقول لنا المعلم الأنطاكى الشماس الانجيلى اسبيروا جبور فى جولات ’ له ’ ابائية "فى التوبة " المنشورات الارثوذكسية ’ الطبعة الاولى 1980 : ص 19 – 20"
"موضوع القلق من المواضيع الرئيسية فى الفلسفة الوجودية والتحليل النفسى .الصوم ’ من هذه الزاوية ’هو مواجهة وتوتر ’ مواجهة مع الذات ’ مع الميكروكوزموس الذى فى داخلنا ’ وتوتر خلاق فى التعاطى مع الميغالوكوزموس الذى يمتد أمامنا. الصوم هو أزمة وجود والأزمات الوجدانية فى كثير من الأحيان هى أقسى الوان الأزمات .هى موقف عام من الحياة والمال والناس ’ هى مواجهة مع العدم ’ الذى يمثله غياب المال والراحة والأمان والأطمئنان ’ قد يؤدى بعض ’ هذه الأزمات ’ بالانسان الى الجنون او المرض النفسى . فى كثير من الأحيان يعجز المرء عن الأتيان بالحل ان لم تواته السماء .مهما كان سليما فى بنيته الروحية والنفسية فقد يستغرق حل أزمة ما أشهرا. ففى هذه المشادات الوجدانية يعيش الروحانى نوعا من التوتر الحاد .والصراع والتوتر الحاد يولدان القلق بدرجة خطيرة ومتطرفة أحيانا .
السؤال : هل يقلق الانسان الروحى ؟ يسوع علمنا أن لا نقلق
, ان لا نتهتم بامور الطعام والشراب والكساء بل أن نلقى عليه كل همومنا . هل يبلغ ايمانى الحد الذى أعود فيه شبيها بالعصافير فلا أكترث بأى شأن ؟ لكيريغارد على كلام المسيح هذا خطبة رائعة.يجب أن أضارع الملائكة لكى أكون فى هذه الدرجة من الاطمئنان الى الله .كلام يسوع يخلق صراعا فى داخلى بين ثقتى بكلامه وطبيعتى البشرية التى ترتج أمان الصعوبات .فالحياة سلسلة من الصدمات الضعيفة والقوية . والانسان الروحانى يتعود على الصمود بجهد جهيد.لولا النعمة والطمع فى ملكوت الله اولا والاتحاد الكامل بالله لكان هذا من رابع المستحيلات ". يذهب بولس الى أبعد من المحللين النفسيين ومن المنطرين للحياة ’ من مكاتبهم ’ ويرى أن الحياة فى المسيح ’ تتطلب لونا من اليأس ! نعم اليأس! ولكنه ليس ياسا نفسانيا ’ عقيما وكئيبا وفاشلا ومحبطا ’ بل هو "يأس خلاق " ’ " ياس منتج" ’ " يأس مبدع " ’ لا يأتى هذا اليأس لا حينما نقرر أن نتعب ونعطى ونبذل " ...فاننا لا نريد أن تجهلوا أيها الأخوة من جهة ضيقتنا التى أصابتنا فى أسيا أننا تثقلنا جدا فوق الطاقة حتى أيسنا (نعم أيسنا ’ أى اصابتنا حالة من اليأس!) من الحياة أيضا !!! ولكن كان لنا فى أنفسنا حكم الموت لكى لا نكون متكلين على أنفسنا بل على الله الذى يقيم من الأموات "2كورنثوس 1 -10 " الروح القدس يقودنا فى المعمة ’ فى معمة اليأس الخلاق ’ ويمنحنا القدرة على التمييز . الصوم هو سلاح فعال فى يد الروح .الصوم بوعى روحى ورصيد سجودى هو صراع مع المسيحية المزيفة والتى تعطى شعورا ’ فريسيا ’ كاذبا ’ بالسعادة والأطمئنان ’ مسيحية المظاهر الفريسية والفشخرة الطوباوية والفراغ الروحى والجفاف اللاهوتى . ديانة روح البطالة والفضول والكلام البطال وحب الرئاسة ’ وكلها انحرافات جسدية وأمراض نفسية وعقد اجتماعية . الصوم هو أعادة تزييت ماكينة النفس وترطيب الجسد. لهذا تتعدد السجدات والمطانيات كأحد مميزات العبادة بالروح والحق فى مسيرة ورحلة الاربعين . وهنا الكنيسة لا تفصل النفس عن الجسد ’ الانسان بكليته موضوع الصوم .الصوم هو اعادة الجسد الى دوره الحقيقى كحامل الروح وحياتها ’ وسفيرها فى الارض ’ الجسد هو البنفماتوفوروس الحقيقى . .
دعونا نتجول فى ربوع صلاة القديس أفرام السورى ساجدون فى الروح والحق ’ متضرعون الى الرب يسوع المسيح أن يهبنا روح الحكمة و الاعلان والكشف فى معرفته ة مستنيرة عيون اذهاننا لنعلم ما هو رجاء دعوتنا وما هو غنى مجد ميراثه فى القديسين وما هى عظمة قدرته الفائقة نحزونا نحن المؤمنين حسب عمل شدة قوته (أفسس 1 ’15 -23 ) .
وقفة أمام القانون الكبير للقديس اندراوس الكريتى
ترك لنا القديس اندراوس الكريتى أناشيد ’ فى التوبة والتجديد ’ رائعة ’ أهمها القانون الكبير ’الذى نتلوه على اربعة مراحل فى الايام الاربعة الاولى من الصوم الكبير ’ ونصليه ونرتله دفعة واحدة ’ يوم خميس التوبة ’ (الخامس من الصوم) . يقوم االقانون على رؤية ثاقبة وصريحة وهى ان الخطيئة جرح بليغ قد أصاب النفس الانسانية ’ فى مقتل ’ فشل حركتها ’ وصيرت الانسان متغطرس جدا وعاشقا لنفسه ’ بشكل نرجسى بغيض ’ لا يلقى اللوم على نفسه ’ بل يلعب لعبة النعامة ’ ويوضع رأسه فى الأرض ’ وما عليها ’ لئلا لا يرى حقيقة نفسه ’ بعد أن خسر الخلود والتأله وصار عدوا لنفسه ولأخيه الانسان ! صار الأخر ’ له ’ هو الجحيم عينه ! ’ صار الانسان ’ اذا تنكر لانسانيته ’ صار أشرس من الذئب وصدق عليه قول الشاعر :
عوى الذئب فاستأنست بالذئب اذا عوى ..وصوت انسان فكدت أطير
ويصرخ القديس أندراوس من أعماق الانسان ’ كما تصلى الكنيسة فى طروباريات يوم الاثنين الاول من الصوم :
"أيها الر ب المتحنن ! لقد شملتنى مهاول الأسواء .لكن أمدد يدك الى كما مددتها لبطرس .
Ζάλη με ,τών κακών περιέχε, εύσπλαχνε Κύριε .άλλ, ώς τώ Πέτρώ ,κάμοί , τήνν χείρα Σώτερ , έκτεινον.
أيها المخلص ! اننى قد وسخت ثوب جسدى ’ ودنست ما بحسب الصورة والمثال.
Εσπίλωσα , τόν τής σαρκός μου χιτώνα , καί κατερρύπωσα τό κατ,είκόνα Σωτήρ , καί καθ,όμοίωσιν.
لقد سودت جمال نفسى بلذات الاهوا ء وصيرت عقلى ترابا بالكلية
Ημαύρωσα , τής ψυχής τό ώραίον , ταίς τών παθών ήδοναίς , καί , όλώς όλον τόν νούν , χούν άπετέλεσα .
القصد النهائى من كل هذه المعارك النفسية الروحية والفكرية والجحسدية ’ هى أن تصل النعمة ’ نعمة الكلمة ’ ونسمة الحياة الجيدة ’ الى الانسان الباطن ! حسب تعبير الخبير فى التحولات والتوبات ’بولس الرسول . والذى بسببه و من أجله قرر خادم الانجيل شاؤل أن لا يقول شيئا ’ بعد أن قال زكتب كثيرا ! قرر أن يحول القول الى فعل ’ والأنين ’ الى سجود ! قرر أن يحنى ركبته لدى أبيه ربنا يسوع المسيح ’ الذى منه تسمى كل عشيرة فى السموات وعلى الأرض ’ لكى ’ يعطينا ’ نعم يعطينا ’ نحن ’ الذين أنتهت الينا أواخر الأيام ’ يعطينا أن نتأيد بالقوة (الذيناميس) بروحه ’ فى انساننا الباطن (أفسس 3 ’ 14 ’15 ).
(δυνάμιν διά του Πνεύματος αύτού είς τον έσω άνθρωποι).
وحينما يؤيدنا الروح بالقوة فى الانسان الباطن ’سندرك مع جميع القديسين ونعرف محبة المسيح .. المعرفة والادراك تأتى من القوة فى الانسان الباطن . الشئ اللافت أن كلمة (الاسنان الباطن ) فى اللغة القبطية (خين بيرورمى ايتاسييخون ) ’ والايخون ’ تأتى منها كلمة الخن فى المراكب ’ أى عمق أعماق مركب النفس ’ ولا فسوف تغرق ومعها أسرارها ’ ولنقرأ كلمات بولس اللاهوتى الى الأفسسيين باللغة المصرية الحديثة أى القبطية ’ والتى لا تقل روعة ومعنى عن رفيقتها ’ على درب صليب الحضارة وثقافة الصليب ’ اليونانية .
(E;be vai Tkwlj nnakeli ha viwt . ..hina ntevte nwten kata Tmetramao nte pevwou e;retetenamahi gen ougwm ebol hiten pepipneupa ...gen pirwmi etcaqoun).
يلاحظ القارئ بأن الكلمة القبطية الى تسير الى القوة هى (أو جوم ) ’ والتى صارت فى اللغة الشعبية المصرية (الشومة ) أى مصدر القوة والضربة القاضية ’ عند صعايدة مصر.(الشئ بالشئ يذكر ’ مرة عاش كاتب هذه السطور وراى بأم رأسه ’ فى أيام الطفولة البريئة والرومانسية !!!’ حادث قتل بالشومة ’ اذا حدثت مشادة كلامية بين بائع طماطم وأحد الجيران ’ وحدث أن قامت زوجة البائع بالامساك بشومة ضخمة لتنهال بها على رأس المشترى ’ فما كان من زوجت’ أى زوجة المشترى ’ الا أن أختطفت الشومة من يد زوجة البائع ’ بشكل يحسدها عليه الكابتن بروسلى نفسه !’ وضربت زوجه البائع ’ ضربة واحدة ’ على رأسها فأنهارت قتيلة على الفور !) هى دى الشومة !!!الأقباط لم يورثوا العرب فقط الخنوع والخوف ’ بل الشوم والقوة !!!.
الصوم الكبير هو رحلة وسفر من الباطنية الجوانية ’ بمعناها الروحى والدنيوى ’ الباطنية مطرح الايقونة الالهية والتألوهات والابداعات الانسانية ’ والباطنية وكر اللصوص والحشاشين وحسالة الدنيا وشلل لمة الخنازير ’ الى العبادة العقلية – اللوغوسية ’ المدركة والعارفة والساجدة ’ الى الانسان الكامل ’ رفيق الله الأب فى يسوع بالروح . صوم مبارك وتوبة مرضية وراضية . والى اللقاء فى دراسة حول القرأأت الانجيلية المشتركة ’ فى رحلة الصوم ’ بين الروم والاقباط .