أمينة خيري
هي خليط من مفهومي "المواطنة" و"المسؤولية المجتمعية الفردية". فإذا كانت المواطنة هي مجموعة الحقوق والواجبات التي تلزم كل مواطن ونظام سياسي في دولة ما تجاه بعضهما البعض، وهي القيمة التي تدفع الفرد للمشاركة في أمور وطنه، وهو ما يشعره بالانتماء، بالإضافة إلى تكفل الدولة بمجموعة من الحقوق المنصوص عليها، فإن مواجهة المشكلات في دولة ما ينبغي أن تعتمد على مبدأ المواطنة.
وإذا كانت المسؤولية المجتمعية تعني التزام أصحاب الأنشطة التجارية بالمساهمة في التنمية المستدامة، من خلال المشاركة في تنمية المجتمع المحلي، فإن هذا المبدأ لا ينفصل عن مسؤولية الفرد تجاه المجتمع الذي يعيش فيه من أجل تحسين مستواه وضمان مصلحة وأمان الجميع.
وعلى الرغم من أن هذين المبدأين يفترض أن يكونا قيماً مستدامة في أي مجتمع متحضر، يتم زرعهما في الأسرة ضمن التربية وغرسهما في المدرسة ضمن التنشئة وثباتهما كأسلوب حياة غير قابل للخرق أو التجاهل عبر تطبيق القوانين الملزمة، فإننا في مصر نعاني تقلص مفهوم المواطنة وانعدام مبدأ المسؤولية المجتمعية الفردية.
أسباب كثيرة أدت إلى ذلك لا يمكن سردها في مقال، لكن نكتفي بالإشارة إلى ما ضرب العملية التعليمية في مقتل على مدار عقود من انقراض مفهوم المدرسة ومعها قيمتها التربوية وتوحش التعاليم المرتدية عباءة الدين بنسخته المستوردة، حيث قواعد دخول الحمام وركوب المصعد وتعدد الزوجات وتدني المرأة وتكفير غير المسلمين، مع انشغال الأسرة إما بالهجرة من أجل العمل واكتناز الأموال والعودة بما يكفي لبناء بيت بالطوب والحديد وتزويده بالغسالة الفول أوتوماتيك والتلفزيون الـ100 بوصة مع تنامي منظومة الحلال والحرام واختفاء ما كان يسمى بالصح والعيب، وتقزم دور الدولة وإعلامها كمنصة توعية وتثقيف وتنوير لحساب منصات النصابين والمحتالين الذين قضوا على ما تبقى من قيم ومبادئ تنتمي للمدنية.
الدولة المدنية التي نحاول استرجاعها، أو فلنقل بناءها، عبر "تطهير" خطاب ديني وتطوير خطاب إعلامي واستكشاف خطاب فني وغيرها لن يكون بنيانها صحيحاً إلا لو تم غرس أصول وبدهيات المواطنة والمسؤولية المجتمعية الفردية.
هذا البناء لن يتم عبر أغنيات وطنية تتغني بجمال الوطن، أو برامج توك شو تسهب في سرد مسؤوليات الفرد تجاه الوطن. هي قيم تغرس في الصغر، وتروى في مراحل العمر المختلفة، وجانب غير قليل منها يدخل حيز التنفيذ بالقانون.
ولدي اليوم مثالان مباشران: المرور وكورونا. قواعد المواطنة والمسؤولية لا تعرف شيئاً اسمه "عربيتي وأنا حر أسوقها أطير بها أطفي أنوارها بالليل، ما حدش له عندي حاجة" أو "السير العكسي مش مشكلة طالما ضابط المرور شايف وساكت" أو "ابني وأنا حر فيه، أقعده على رجلي وأنا سايق، أسيبه في شنطة العربية ما حدش له عندي حاجة"، فتعريض النفس والآخرين للخطر ليس حرية شخصية، ويعصف بقواعد المواطنة ويضرب بقيم المسؤولية المجتمعية عرض الحائط.
واستمرار اعتبار غسل اليدين من الأمور الهامشية، والنظر إلى الزبون الذي يشكو بائع الجبن لإدارة السوبر ماركت؛ لأنه يمسح أنفه بيده، ثم يباشر عمله في قطع الجبن وتعبئة الزيتون "قطع عيش الغلابة"، ومقاومة مبدأ الاستحمام اليومي واعتبار الوضوء بديلاً يضمن لنا الجنة، والتمسك بعادة البصق على الأرض وقضاء الحاجة على الشجرة والجدار وباب السيارة، واستمرار مهزلة التخلص من القمامة من نافذة السيارة وفي الشارع وغيرها - ليست حرية شخصية.
توعية المواطنين بقواعد النظافة الشخصية ليست عيباً أو حراماً. وتنشئتهم وتربيتهم على ذلك ليست رفاهية. ومعاقبة من لا يلتزم بها ليست قهراً وقمعاً.
والسكوت عما نحن فيه من انعدام قواعد النظافة كارثة بكل معاني الكلمة، ولا سيما في ظل انتشار كورونا وغيرها من الفيروسات. جميعها يندرج تحت بند المواطنة والمسئولية.
أما مبدأ الحرية الشخصية الذي أهنّاه وابتذلناه ومرمطنا به الأرض، فشيء مختلف تماماً.
نقلا عن مصراوى