طارق الشناوي
أعترف لكم بأنى فخور جدا بعدد من شباب مخرجى هذا الجيل، الذين يحاولون طرق الأبواب والبحث عن وسائل غير تقليدية للتعبير عن أنفسهم واختراق كل الحواجز، لتقديم أفكارهم وأحلامهم رغم كل المعوقات التى تواجه كل من يمتلك حلما ولا يجد أموالا لتحقيقه، ومع تقاعس الدولة فى الدعم، أصبح عليهم ليس فقط تقديم أفلام (Low budjet) ميزانية ضئيلة، ولكن (No budjet) ولكن بلا ميزانية.
هذا عن صُناع الأشرطة السينمائية، فماذا عن عشاق الصحافة والنقد؟، أجد فى هذا الجيل حماسا منقطع النظير، يتفوقون على جيلنا، وأرصد عددا من الصحفيات والناقدات أراهن متواجدات فى كبرى المهرجانات، يملؤهن الطموح للهاث وراء هذا العدد الضخم من الأفلام، يتحملن النفقات الباهظة، فى زمن لم تعد فيه المؤسسات الصحفية- وحتى الكبرى منها أو أغلبها على الأقل- تساهم بأى نسبة فى تحمل أى قدر من بدل السفر والإقامة، رغم ارتفاع التكلفة عاما بعد عام، هؤلاء حقا هن الوجوه التى تدعو للاطمئنان على الزمن القادم، ولا أدرى لماذا أغلبهن من النساء؟ ولكن تلك هى الحقيقة، وهكذا رأيت عددا منهن فى (برلين) ربما للعام الخامس على التوالى، وهو ما يتكرر أيضا فى (كان).
فى صقيع برلين ستجد أن السينما المصرية فى الأغلب بعيدة وعبر الزمن عن التواجد فى (برلين) تواجدنا قليل جدا، ولنا هذا العام المخرج الشاب ماجد نادر بفيلمه (معظم ما يلى حقيقى) يعرض فى قسم (منتدى السينما الموسع)، سبق لماجد وعدد أيضا من هذا الجيل الاشتراك بأفلام فى نفس القسم وغيره، ومن بينها فيلم ماجد القصير الأول (فتحى لا يعيش هنا أبدا)، يشارك أيضا فى نفس القسم فيلم (الموعود) للمخرج أحمد الغنيمى، ويعرض فى مسابقة الفيلم القصير، مساء غد، فيلم (Ecume) زبد البحر للمخرج المصرى عمر الهامى، والفيلم إنتاج كندى.
قبل أن نتوقف مع فيلم ماجد الذى يمثلنا بشرف وألق، دعونا نُطل على تاريخنا عنواننا الأبرز فى (برلين) أقصد يوسف شاهين، الذى شارك رسميا عام 58 بفيلمه (باب الحديد) وتوقع جائزتين واحدة كمخرج والثانية كممثل عن دور(قناوى) الأعرج بائع الجرائد، ولكن فى اللحظات الأخيرة تخطته الجائزة، برغم أن الجميع أشادوا به وتوقعوا أن يقتنصها، إلا أن أهم جائزة حصل عليها يوسف شاهين طوال رحلته هى (الدب الفضى) فى (برلين) عن فيلمه (إسكندرية ليه) فى منتصف السبعينيات، وهذا الفيلم يحتل قطعا مكانة مميزة على خريطة يوسف شاهين، وكاتب هذه السطور يضعه فى قائمة الخمسة الأهم فى تاريخه الذى يتجاوز 40 فيلما روائيا، الأربعة الآخرون هم (باب الحديد) و(الأرض) و(العصفور) و(عودة الابن الضال).
يوسف شاهين لديه جراح متعددة وعميقة مع المهرجانات الكُبرى، وكيف أنهم يتآمرون ضده حتى يحجبوا عنه الجائزة، يوسف كان متهما فى الداخل بأنه يبيع للأجانب بضاعة ترضيهم ولهذا يشاركون فى إنتاج أفلامه، وهكذا تلقى ضربات مزدوجة من الداخل والخارج، وكلها تحت الحزام، هذا قطعا لم يثنه أبدا عن التواجد والنضال بالكاميرا، إلا أن رصيده العددى فى (كان) أكبر، وله أيضا جائزة فى اليوبيل الذهبى للمهرجان- مرور 50 عاما- نالها عام 97، وكنت حاضرا فى تلك الدورة، التى شارك فيها بفيلم (المصير) داخل المسابقة الرسمية ولم ينل جائزة، عن الفيلم، ولكن اختلط الأمر على الإعلام المصرى ونشروا خطأ حصوله على سعفة (كان) الذهبية، بينما الحقيقة أنها سعفة تذكارية، وهكذا يظل (دب برلين) الفضى هو الجائزة الأهم لتتويج مشوار شاهين.
يوسف حتى رحيله ظل يملك جاذبية لتتهافت عليه المهرجانات الكُبرى فهو الاسم العربى الأول، وهكذا شارك أيضا بآخر أفلامه الروائية (هى فوضى) 2007 فى (فينسيا) شاركه الإخراج تلميذه خالد يوسف.
لم يكن الأمر فقط متعلقا بندرة التواجد المصرى، ولكن أيضا عربيا لدينا القليل جدا، باستثناء لبنان والجزائر، بينما فى لجان التحكيم الفلسطينية آن مارى جاسر والمصرية هالة لطفى، شاهدت فيلمنا المصرى القصير (معظم ما يلى حقيقة) إخراج ماجد نادر، وهو خريج معهد السينما 2011، كما أنه يتولى مسؤولية التصوير.
سبق له تصوير فيلم (ورد مسموم) لأحمد فوزى صالح، وهو الفيلم الذى مثل السينما المصرية فى مسابقة (الأوسكار).
استطاع ماجد منح فيلمه روحا واحدة، وهى بمثابة ضربة بداية قوية لمخرج واعد تحمل بداخلها إرهاصة لفنان قادم له إطلالة خاصة على السينما (معظم ما يلى هو الحقيقة) يترك لك أن تبحث أنت عن الحقيقة، كل المفردات من التصوير والإضاءة وقبلها اختيار المكان وأداء الممثلين تمنحك بدايات لكى تبحث أنت عن حقيقة الحقيقة.
الإضاءة الموحشة التى تخفى أكثر مما تظهر، كل خطوة على تلك الأرض المليئة بالقاذورات تحمل سؤالا، لا نرى إلا بقايا صورة محطمة وشابا يمسك بها وحوارا بين شاب فقد يده وآخر يبحث عن الحقيقة، يسأله عن أخيه يقول له هل تريد الحقيقة أم ما يقال باعتباره الحقيقة؟ تأتى الإجابة: أريد الحقيقة القاطعة، وتلك الجملة هى مفتاح القراءة الصحيحة للفيلم، الحقيقة ليست عندى، هكذا جاءت الإجابة، ولكن ما يقال هو فقط الذى يذكره، أن شقيقه حى يرزق تمكن من الهرب قبل أن يتم إلقاء القبض عليه، ما هو الموضوع وما هى الحكاية وما هى الغنيمة المتنازع عليها؟، الفيلم يكثف الحوار فى كلمات محدودة يترك أمامك كل الأبواب مفتوحة لكى تضع أنت الإجابة، لتأكد لك مشاعرك، بأن معظم ما يلى هو الحقيقة!!.
نقلا عن المصرى اليوم