بقلم : بيتر جميل
فى البداية أقول أن هذا المقال الطويل مُكون من ثلاثة محاور الأول هو “رباعية الديمقراطية” و شرح مبسط لها و الثانى هو علاقة بعض فصائل الثورة بالديمقراطية و قدرتها على تبنى مشروع ديمقراطى و الثالث بعض الملاحظات على هذة العلاقة و إبراز لبعض الإشكاليات و طرح لبعض الحلول و نبدأ فى هذة المرة بعرض للمحور الأول ألا و هو
:أ-رباعية الديمقراطية
“أن هذا الجهد البسيط غير مَعنى بمناقشة مصطلح الديمقراطية نفسة بقدر ما هو معنى بمناقشة بعض شروطها أو قل بعض الأسس أو العواميد التى تساعد على تأسيس هذة الديمقراطية و هو غير مَعنى بالأساس بدراسة القيم المرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالديمقراطية كمبدأ الشفافية أو مبدأ الفصل بين السلطات بقدر ما هو منشغل بشرح -تبسيطي- لبعض القيم التى ستؤهل لإنتاج ديمقراطية حقيقية مثل الفصل بين النسبى و المطلق و حماية الحريات الفردية الخ.” و نبدأ ب:
1)العلمانية
*ما العلمانية ؟
العلمانية هى حركة اجتماعية تتجة نحو الاهتمام بالشئون الأرضية الحياتية.
-فلسفياً تعنى التفكير فى النسبى بما هو نسبى و ليس بما هو مطلق.
-لغوياً لفظ علمانية مشتق من (عَلم) أى العالم.
-أول من ابتدع لفظ علمانية هو “جورج هوليوك” عام (1851).
النشأة:-
1-أصدر العالم “كوبرنيكوس” عام (1543) كتاب “عن دوران الأجرام السماوية” يؤكد من خلالة نظرية أن الأرض هى التى تدور حول الشمس لا العكس,ثم جاء “جاليليو” و أصدر كتاب “حوار حول أهم نسقين فى العالم” عام (1632) و أعلن انحيازة لنظرية كوبرنيكوس.
2-اعتقد الفيلسوف الإيطالى “برونو” فى نسبية الزمان و المكان و الحركة فأنتهى إلى أن الانسان ليس فى إمكانة الوصول إلى يقين مطلق و هنا دافع عن نظرية كوبرنيكوس القائلة بأن الأرض تدور حول الشمس و بالتالى فهى لم تعد مركزا للكون و بالتالى لم يعد الانسان مركزا للكون
-سياسياً:فى القرن الخامس عشر الميلادى(1496-1527) أكد الفيلسوف الإيطالى نيكولا ميكيافيلى أن السياسة لا تستند إلى قيم دينية أو أخلاقية مطلقة بل أنها نسبية و تستند إلى المنفعة أو المصلحة العامة.
-دينياً:كانت مجمل أفكار مارتن لوثر(1483-1546) تدور حول تأويل النص الدينى و يعنى الفحص الحر للانجيل أى تفسير النص الدينى من دون معونة السلطة الدينية و هاجم فضيحة صكوك الغفران و أصدر بياناً عام 1516 يحتوى على 95 حجة ضد الصكوك و هاجم تسلط الكنيسة و أنكر عصمة البابا من الخطأ.
`-يعتبر الفيلسوف الانجليزى “جون لوك” (1632-1704) من المساهمين فى تأسيس العلمانية حيث أكد فى أطروحاتة أنة لا وجود حقيقي لفكرة السلطة الإلهية المطلقة و ذلك فى كتابة الذى اصدرة(1689-1690) “مقالتين فى الحكومة المدنية” حيث خصص الجزء الأول للرد على إدعاءات السير روبرت فيلمر عن السلطة الذى أشار إلى ضرورة أن تكون هذة السلطة 1-ملكية مطلقة 2-وراثية 3-الهية,هاجم لوك فى المقابل هذة النظرية و دحضها على ارضيتين الاولى دينية حيث أكد أنة بدراسة الكتاب المقدس لن نجد أى دليل على وجود أوامر الهية بشأن الحكومات و الثانية تاريخية حيث أكد أن هذة النظرية تقود إلى اللا معقول لأن التاريخ الانسانى نفسة يثبت أنة ما من حكومة دائمة ابداً و فى هذا إشارة إلى فكرة تداول السلطة.
*لماذا العلمانية؟
-لأن العلمانية تجبر الدولة على ألا تنحاز إلى دين على حساب دين أو عرق على حساب عرق و بالتبعية لا تميز بين مواطن و أخر على أى خلفية دينية كانت أو عرقية أو جغرافية.
-لأن العلمانية تحمى المواطنة أساس الانتماء (بمعنى أن جميع المواطنين ينتمون إلى هذة الدولة بغض النظر عن الدين أو اللون أو الجنس) و ذلك من شأنة أن يشعر جميع المواطنين بالانتماء إلى الدولة بشكل متساو تماماً.
-لذلك نقول أنة إذا كانت المساواة بين المواطنين شرط أساسى لإقامة دولة حديثة ديمقراطية و إذا كانت العلمانية هى المفتاح السحرى لإقامة هذة المساواة (دولة المواطنة) إذن فالعلمانية شرط أصيل لإقامة الديمقراطية.
2)العقد الإجتماعى
*ما العقد الإجتماعى؟
هو عقد شرعى بين الحاكم و المحكومين يتنازل بموجبة الرعية أو المواطنين عن بعض حقوقهم(حريتهم) لحاكم (مُختار من خلالهم) فى مقابل حماية هذا الحاكم لهم و حفظة للأمن و يحكم هذا الحاكم من خلال هذا العقد بقوانين مُعلنة(أى ليست سرية).
-تمهيد:لم يكن المجتمع موجوداً مع بداية وجود بنى البشر و إنما الذى كان موجوداً هو ما يسمى ب”حالة الطبيعة” حيث أن كل انسان قانون نفسة و لهذا كانت تعم الفوضى و الظلم بحيث لم يكن للضعفاء من يحميهم من الأقوياء أو يحمى الأقوياء أنفسهم من الأقوياء الأخرين حيث اشار”جون لوك” إلى أنة فى حالة الطبيعة تسود الأناركية أى الفوضوية و سمى لوك و غيرة هذة الحالة بحالة “حرب الكل ضد الكل”.
جدير بالذكر أنة على الرغم من الحرية شبة المطلقة التى يتمتع بها الفرد فى حالة الطبيعة إلا أن كل هذا مهدد بالضياع فى ظل الفوضى العارمة و كل متعة أو سعادة متوقعة تصبح فى مهب الريح و محفوفة بالمخاطر.
-و إذا كانت حالة الطبيعة هذة لن تساعد على تكوين مجتمع و بالتبعية ستهدم أى فرصة لبناء,أصبح من الضرورى تكوين مجتمع عبر عقد اجتماعى ينص على موافقة البشر على التنازل عن بعضاً من حريتهم لحاكم يأتى بإرادتهم فى مقابل حفظة لأمن هذا المجتمع.
-عزز لوك سقوط فكرة الملكية المطلقة التى أشار اليها “توماس هوبز” فى نظريتة عن العقد الإجتماعى و فى المقابل أكد على أفضلية أن تكون الحكومة التى ترعى مصالح المواطنين مُختارة من الأغلبية أو من الممثلين المختارين منهم,بل و أعطى لهولاء المحكومين حق الثورة على هذا الحاكم فى حالة عدم التزام هذا الحاكم برغبات المحكومين.
*لماذا العقد الإجتماعى؟
-لأنة بموجب هذا العقد سوف نرسى قواعد دولة القانون و نحمى الضعفاء من بطش الأقوياء.
-لأنة بموجب هذا العقد سوف نمنع الحاكم من الغطرسة و الاستبداد.
-لأن فكرة إقامة دولة ديمقراطية تستدعى فكرة إقامة نظام عام و تتطلب صياغة عقداً اجتماعياً ينظم العلاقة بين حاكم هذا النظام و المحكومين تنظيماً عادلاً يمنع انفراد الحاكم بالسلطة و انحراف المواطنين عن هذا الإطار أو النظام العام.
3)التنوير
*ما التنوير؟
يقول الفيلسوف كانط أن التنوير هو إعمال العقل من دون معونة من الأخرين الأمر الذى يمكن معة القول بأنة لا سلطان على العقل إلا العقل نفسة.
-التنوير هو هجرة الانسان من اللارشد و اللارشد هو علة هذة الهجرة,و اللارشد يعنى عجز الانسان عن الإفادة من عقلة من غير معونة الأخرين,و اللارشد سببة الانسان ذاتة أى أن سببة نقصاً فى العقل أو جُبن فى إعمال العقل من غير معونة الأخرين لذلك يقول كانط أن شعار التنوير هو”كن جريئا فى إعمال عقلك” .
-من شأن التنوير أن ينقذ الفرد من الوقوع فى براثن الدوجماطيقية أى وهم اقتناص المطلق,فرحلة الفرد للبحث عن المطلق رحلة مشروعة بما أن العقل دائم البحث عن المطلق اما فى المقابل فتوهم اقتناص المطلق هى حالة غير مشروعة لأن العقل الانسانى نسبى و لا يفكر إلا بما هو نسبى و ذلك لا يعنى نفى المطلق و إنما يعنى استحالة اقتناص المطلق.
*لماذا التنوير؟
“و لأن الديمقراطية تعتمد فى ممارستها على أفراد و هم المواطنين و لأن التنوير شرط و من شروط تأسيس الديمقراطية فأنا أدعى ضرورة أن يكون هولاء المواطنين مستنيرين.”
-كيف سيكون المواطن مستنيراً؟
بأن يكون جريئا فى إعمال عقلة,أن يتمتع بأدوات التفكير الموضوعى وأن يكون على درجة وعى مناسبة تمكنة من الاختيار الأقرب إلى الصحة و تؤهلة لتقبل فكرة أن يكون قرارة خطأ و أن يعيد تفكيرة و يغير رأية أى أن يقبل بفكرة تداول السلطة و أن ينحى كل اهوائة و مشاعرة عند الاختيار حتى يكون رأية موضوعياً.
-لأن الفرد الغارق فى الدوجماطيقية(أى الثبات و الجمود العقلى) هو شخص مسلوب الارادة و العقل و بالتبعية جاهل و منساق و بالتبعية احتمالية خطأ اختيارة تزيد بالضرورة و لأن الديمقراطية تعطى الجميع حق الاختيار فمن الخطورة بمكان أن نعطى هذا الحق لجهلاء و منقادين فأرادة أمة جاهلة إرادة عرجاء و تفضى إلى اختيارات خاطئة و هذا ما لا نتمناة جميعاً
4)الليبرالية.
*ما الليبرالية؟
-لغويا لفظ “ليبراليزم” مشتق من اللفظ اللاتينى “ليبراليس” و معناة الانسان الحر.
-عن النشأة,لا أهتم كثيراً بالتفاصيل فالليبرالية منتج خبرات و تراكمات عدة من ضمنها عصر الثورة الصناعية و ما تبعها من مفكرين مثل مالتوس و ريكاردو و أنصار للقانون الطبيعى و مذهب المنفعة الخاصة مثل أدم سميث و منظرين للحريات الفردية مثل جون ستيوارت ميل و مدافعين عن الملكية الخاصة مثل جون لوك.
-جدير بالذكر أن الليبرالية ترتبط بالرأسمالية عضوياً أو على أقل تقدير تقف من الرأسمالية موقفاً ايجابياً فهى تدعم الملكية الخاصة و حمايتها و بالتالى فمن يرفض الملكية الخاصة يرفض الليبرالية بالضرورة.
-على مستوى اخر الليبرالية تدعو إلى حماية الحريات الفردية لذلك فهى معنية ببحث العلاقة بين الفرد و السلطة و بين الفرد و المجتمع و هو ما يهمنا مناقشتة بعيداً عن الرأسمالية.
-يُعتبر الفيلسوف الانجليزى “جون ستيوارت ميل” (1806-1873) هو المفكر الأكثر إنشغالاً بالبحث عن العلاقة بين الفرد و الجماعة و حدود سلطة الجماعة على الفرد و يظهر ذلك فى كتابة “عن الحرية” (1859) و فية يقول أن الحرية تكمن أولاً فى تحديد العلاقة بين الحاكم و المحكومين و تكمن ثانياً فى تحديد العلاقة بين الفرد و المجتمع فينشأ أولاً صراع بين الحاكم و المحكومين يكون المحكومين فية منشغلين بالدفاع عن أنفسهم و ذلك يؤدى إلى الحد من ساطة الحاكم و مع تواصل الصراع ينتج أن يكون المحكومين هم من يختارون حُكامهم,يبزغ الصراع الثانى بين فئتان من الشعب و هى فئة أولى زعمت أنها الأغلبية تمارس نوعاً من السلطة على الفئة الثانية و هى الأقلية الأمر الذى يؤدة بهذة الأغلبية إلى الطغيان و هو ما يسمى عند مل ب”طغيان الأغلبية” و يتحول هذا الطغيان من الساحة السياسية السياسية إلى الساحة الإجتماعية والإقتصادية الخ و هو طغيان يؤدى إلى الزعم بأن من حق المجتمع أن يطلب من جميع أعضائة الإنصياع للرأى العام.
-فى سياق الليبرالية يصبح هذا الطغيان غير مقبولاً فى حالات تعدية على حرية الرأى و الفكر و التعبيرو هنا تبرز الليبرالية كحائط سد منيع ضد طغيان المجتمع و كمكون رئيسى من مكونات الديمقراطية لصيانة حرية الرأى و المعتقد و الفكر و قياساً على كل ذلك نقول أن على الدولة حماية و صيانة حق الأفراد المختلفين فى الأراء و المعتقدات و الأفكار فى إبداء أرائهم و اعتناق ما يشاؤا من معتقدات و تبنى ما يريدوا من أفكار.
*لماذا الليبرالية؟
-لأنها تضمن حماية حرية الرأى التى تصنع التعددية التى يتمتع بها أى مجتمع ديمقراطى.
-و لأننا نعيش فى عالم متغير لذلك فأرارئنا و أفكارنا و فهمنا لأى شىء متغير لذلك فثمة خطر على أى مجتمع من أن يتم وأد فكرة أو اعلان بطلان عقيدة معينة أو أن يتم الاتفاق على رأى واحد سديد رشيد مقدس و اقصاء الجميع ففى الاحتمال الأول نفوت على أنفسنا فرصة تبنى هذة الفكرة أو هذة العقيدة ما إذا كانت صحيحة و فى الاحتمال الثانى نقع فى براثن وهم امتلاك المطلق أو الحقيقة المطلقة و ما إذا كان هذا الرأى خطأ تصبح مهمة استبدالة عسيرة مستحيلة.
-أظن أن الحل الأمثل فى الوصل إلى فكرة أن ما من أحد يمتلك الحقيقة المطلقة فلكل منا قناعات و كل قناعة تحمل فى طياتها بعض أجزاء من الصواب و بعض أجزاء من الخطأ,و الليبرالية هنا متجسدة فى حرية الرأى سنتتج هذة التعددية و تحمي وجود كل الأفكار و القناعات مما سيؤدى إلى أن يطرح الجميع أفكارة و أفراد المجتمع بدورهم سيختارون ما سيناسبهم و بشكل اوتوماتيكى سنجد أنة فى كل فترة معينة
من الزمن بعض الأفكار مستلمة كانت أم عصرية تندثر و يحل محلها بعض الأفكار الأخرى التى تصحح من أخطائها و تزيل تشوهاتها لتجارى الواقع و تندمج مع متطلبات أفراد هذا المجتمع