د. محمود العلايلي
تسن القوانين من خلال السلطة التشريعية، وتطبق على الدولة ككل، ويجب أن يتميز القانون بالتجرد، وثانيا بالعلانية وأن يحدد مسبقا العقاب لكل جريمة أو مخالفة، والمهم أيضا أنه ملزم ويفرض على المواطنين بالقوة الجبرية، أما اللوائح التنظيمية فإنها لا تصدر من خلال السلطة التشريعية، وتتسم بكونها القانون المنظم للعمل المؤسسى للهيئات والتنظيمات على ألا تكون مخالفة للقانون، وتكون خاصة بجهة معينة بحيث لا يجوز تطبيقها على مؤسسة أوهيئة أخرى.
وقد شرعت القوانين واللوائح لتنظيم السلوك وترتيب الحياه بين البشر، وذلك بتعريفهم عقوبة الخروج عن القانون ونتيجة عدم الالتزام باللوائح، فحيث تطبق السلطة القضائية القانون، تقوم بتنفيذه السلطة التنفيذية، فالأمر يختلف بالنسبة للوائح التنظيمية حيث يقوم بتطبيقها وتنفيذها جهة الاختصاص بحسب ما تنص عليه لائحة كل مؤسسة على الهيئات والأشخاص التابعين لها.
ومن الوجهة القانونية فإن عدم احترام قواعد المرور، والتهرب من دفع الضرائب والرسوم المفروضة، لا تنفصل عن القتل والسرقة والرشوة والاختلاس أو التعدى على حقوق الدولة والغير، لأن القانون يتعامل مع هذه الأمور بشكل إلزامى بنظرة محايدة يحددها ويطبقها بكل ثبات وقوة، ولا يتركها عرضة للاختيار اعتمادا على النوازع الأخلاقية لدى البشر، التى قد تختلف من شخص إلى آخر لأن الذى يضبط المجتمع هو التطبيق الأعمى للقانون على الجميع دون حسابات أو توافقات.
إن شرعية القوانين واللوائح ومن ثم التسليم بها والعمل بموجبها، إنما يأتى من إقرار المحكومين بأحقية المشرع بسن هذه القوانين، وبأحقية السلطة القضائية بتطبيقها، وبأحقية السلطة التنفيذية بتنفيذها، وعلى الجانب الآخر تأتى الشرعية من فهم السلطات الثلاث بإقرار المحكومين لهم بهذه الأحقية، أما مجابهة القانون علنا، أو مخالفة اللوائح تجبرا فإن هذا يمثل خللا مؤثرا فى منظومة شرعية القوانين واللوائح، إما من جانب إحدى السلطات الثلاث، أو من ثلاثتهم معا، أو من ناحية المواطنين الذين يقعون تحت طائلة هذه القوانين أو الهيئات والأشخاص الذين يعملون بموجب تلك اللوائح، بتعمد اختراق القوانين واللوائح، أو باحتراف الالتفاف حول النصوص للتملص من العواقب بالتحايل على الإجراءات بينما لم ينقض الجرم ولم تزل المخالفة.
ولا تعامل القوانين واللوائح على أنهما كتبا مقدسة، بل على العكس، فإنها عرضة للتبديل والتعديل والتغيير كلما تباينت الأحوال السياسية والإجتماعية، ولكن الذى يجب أن يكون مقدسا هو الانصياع للقوانين واللوائح، وليس العمل على تغييرهما وفق المصلحة والهوى كلما جاء أوان التطبيق، لأن التعامل مع الأمور الحاكمة فى أى مجتمع بشكل انتقائى ثمنه أفدح بكثير من الانصياع له حتى لو كان جائرا أو لم يكن مواتيا.
إن من أخطر التهديدات على مقدرات أى دولة هو التعامل مع الدستور والقوانين واللوائح بشكل تفضيلى وبحسب موافقة النصوص لحالة خاصة، أو ملاءمتها لمصلحة شخصية أو هدف سياسى، والأهم من ذلك وأخطر هو تداخل أى من السلطات الثلاث فى عمل الأخرى أو مزاحمتها والتأثير عليها، لأنه وإن كانت القوانين واللوائح قد شرعت لتنظيم الحياة بين البشر، فإن احترامهما والانصياع لنصوصهما قيمة فى ذاتها، تكتسب منها الدولة مصداقيتها واحترامها، كما يستشعر بها المواطن هيبة الدولة وسلطتها، أما تجاوز القوانين وتخطى اللوائح فإنه لا يعطى انطباعا لدى المواطنين بعدم الانضباط فقط، وإنما يسلبهم الإحساس بالأمان وبالتالى يتولد لديهم الشعور بأن السيادة للأقوى، ويستبد بهم اليقين بغياب العدل أو بحضوره بشكل تمييزى، مما يصيب معظمهم بحالة من القلق والتوجس، بينما يحول بعضهم إلى مواطنين معتمدين على التحايل على القانون وخرقه، ومستعدين لانتهاكه بأنفسهم أو باستخدام آخرين للحفاظ على حقوقهم وممتلكاتهم ومكانتهم فى المجتمع.
نقلا عن المصرى اليوم