مفيد فوزي
أعترف ولا أخجل أنه «ما خاب من استشار»!
فأنا - مثلاً - قليل الحيلة فى معرفة أسرار الموبايل، ولكن حفيدى شريف حليم يفوقنى إلماماً بهذا العالم، وأنا ضعيف الفهم لبعض آيات الإنجيل وقد أفسرها على نحو لا يرضى ابنتى حنان. ولست حصيفاً فى الحساب فقد يضحك علىَّ بائع «المانجة الفص» التى أشتعل هياماً بها رغم تحذير الطبيب المعالج لمرض السكر الملازم حياتى منذ الزمن الشمولى! وقد أكتشف أنه - بائع الفص - قد أخذ أكثر من حقه فأضحك! وأفهم أن هناك ممنوعات على مريض السكر مثل البسبوسة وأم على، لكن من باب التجريب أتناول قطمة من أى ممنوعات وأتذرع بنصيحة قالها لى د. صلاح الغزالى حرب علناً فى برنامج حمدى رزق على صدى البلد «مادمت تتعاطى الأنسولين بانتظام فلا تحرم نفسك من الحلو (قطمة لا أكثر)! ويبدو أن صوت المعدة عند بعض العقلاء أكبر من صوت العقل. فهل يشك أحد فى عقل وثقافة د. غالى شكرى، الناقد الأشهر، رفيق زمن د. لويس عوض؟ لقد كان على المستوى الشخصى مهملاً فى علاج السكر. كان يأكل أكثر من «قطمة لا أكثر» والمعروف أن مرض السكر يصادق المريض، فإذا احترمه بادله الاحترام وإذا لم يحترمه، بهدله وكانت النتيجة رحيل غالى شكرى. أنا دائم السؤال، ولا أكف عنه «نصيحة سناء البيسى»، أحب أن أفهم وأعرف وأدرك أنى لا أملك الرشد المطلق ولا المعرفة الكلية للأشياء. ما أنا إلا علامة استفهام تبحث عن إجابة. لهذا أحاول الاستفادة من تجارب الآخرين وللدقة من خبراتهم الحياتية. فالخبرات مصابيح مضيئة وصفها يوسف إدريس «إنها تجنبك الوقوع فى أخطاء فادحة»! وربما تدهشون إذا علمتم أن الخبرات الحياتية صارت مجدافىّ فى الإبحار فى الحياة! فبدون خبرة حياتية فى أمر ما أنا أستهلك الوقت والجهد فى الفهم، الخبرات تختزل الوقت وتوفر الجهد، فلا أحد يحتكر الحقيقة! هناك خبرات غالية أحتفظ بها والأمثلة كثيرة. حذرنى بطرس بطرس غالى من القرار فى لحظة غضب «سيكون متوتراً مثلك». حذرنى أبوغزالة من سرعة الثقة فى الناس «حصيلتها الندم بعد قليل». حذرنى د. زويل من السير وراء إحساسى «ليس صادقاً على طول الخط». حذرنى محمد حسنين هيكل من العفوية فى الكتابة ونصحنى أن «تكون فى حراسة العقل تجنباً للصدام مع سلطة لها حسابات أخرى»! حذرنى محمود السعدنى زعيم الساخرين من الهجوم بقلمى على قطة «الهجوم على جمل يليق بهجومك»! حذرنى الأمير طلال بن عبدالعزيز واحد من الرموز السعودية الكبيرة ألا أصدق كل ما أسمع «ربما كان نصفه مبالغات والنصف الآخر تخاريف».
وفى نفس السياق، كانت أمى تقول «الكلام ببلاش والناس بتصدق» وتذكرت أمى عندما صارت مصر مستهدفة من الإشاعات، وفى جيل أمى الزراعى مصر لم تعرف الإشاعة التى تمحورت وصارت فى مستوى ضرر الميكروب الفتاك. أمى أيضاً علمتنى من تجاربها المتواضعة ألا أمد يد العون لكل من هب ودب «قد تعضك اليد التى ساعدتها»! لكن أمى الحصيفة القارئة ذيلت النصيحة وقالت «صوابعك مش زى بعضها» ربما أرادت أن تقول لى إن الناس مختلفون! وهذا حقيقى، فقد نصحنى إحسان عبدالقدوس بشيئين حين أختار شريكة عمرى «أولاً تكون شبعانة من بيت أبوها، ثانياً تحب مهنتك، لأنها لو كرهتها لن تقدر تضحياتك المهنية وهذا مزعج لها»، وكان بينى وبين د. مصطفى خليل الحكيم مناقشات طويلة عن الحياة والممارسة والصدمات، كان يقول لى «كل مهنة لها أوجاعها» ويردد أنت اخترت مهنة أو لعلها اختارتك «التأويل فيها يسود والصدمات تكبر»! ويوم فصلنى النظام الشمولى ١٤ شهراً كنت أبكى حرمانى من القلم والكتابة ولكن صاحب القلب الكبير موسى صبرى شعر بدموعى الصامتة فكلفنى بحوارات أربعة مع من أئتمنهم «حتى لا يصدأ قلمك» ونشرها فى مجلة الجيل! وبالمناسبة كانت أجمل خبرة حياتية من الكبير مصطفى أمين هى «لما تنجح، أنجح بالتقسيط»، كان يقول لى إن النجاح يصيب المحرومين من الموهبة بالمغص والحقد لذلك «من المفضل أن يكون نجاحك على أقساط». وقد منحنى مصطفى وعلى أمين جائزة على برنامج تليفزيونى «رباعية لم تتم» عن صلاح جاهين. وكنت أرى مصطفى بك كما اعتدنا أن نسميه وهو ينصح عبدالحليم حافظ ويهمس فى أذنى «بعالجه من العناد» وكان مصطفى بك يقول لنا واحدة من خبراته الحياتية الثمينة «لا تعاند الدنيا»! ويستطرد: الدنيا ثور هائج فلا تعاند ثورا!
الخبرات الحياتية هى تجارب بشرية خصصت للخطأ والصواب، تجارب ربما تركت ندبات أو جروحا وربما كانت مؤلمة، لكنها دخلت ملف حياة إنسان، فإذا أطلت تجربة مماثلة استعان بنارها! والأغبياء فقط لا يستعينون بخبراتهم الحياتية، وخبرات الآخرين! لا أنسى خبرات حياتية سمعتها من الراحل العظيم الذى لم ننصفه فى حياته ومماته الكاتب سلامة موسى، كان يقولـ فى فجر اشتغالى بالصحافةـ اعتمد على طاقاتك واستفد من أخطاء الآخرين، وثق بقدراتك ولا تلتفت إلى الوراء، وحدد أهدافك ولا تطلع السلم فى نفس واحد، فالحياة درجات ولا تفرح إذا الدنيا زهزهت!!
المهم أن الناس صارت تسأل «جوجل» النصيحة وكأنه فيلسوف العصر والأوان، ولكنى لا أستطيع الاعتماد على نصائح جوجل وكأنها عبوات محفوظة فى زمن التكنولوجيا! ما زلت أعتمد على خبرات الآخرين الحياتية، فماذا فعل جوجل أمام غول كورونا؟ ما زلنا نعتمد على خبرات حياتية عن أهمية تقوية جهاز المناعة للمقاومة والقضاء على هذا الزائر الغريب.
نقلا عن المصرى اليوم